العدد 3498 - الأربعاء 04 أبريل 2012م الموافق 13 جمادى الأولى 1433هـ

تجارب في خدمة اللّغة العربيّة

حسين احمد سلمان

تربوي بحريني

كنتُ في الأسبوع الأخير من شهر مارس/ اذار مُشاركاً في مؤتمر المجلس الدولي للغة العربية الأوّل الذي عقد في بيروت خلال الفترة من 19 الى 22 مارس 2012 تحت شعار «العربية لغة عالمية... مسئولية الفرد والمجتمع والدولة»، وعرضت فيه عدة تجارب مميزة، من بينها تجربة «جمعية فعل أمر» اللبنانية التي قدّمتها مؤسّسة الجمعية سوزان تلحوق التي قالت إنّ الجمعية قامت بجهود خمسة شبان وشابات لبنانيين في الثلاثينيات من أعمارهم، وأسّسوا الجمعية لتكون ناقوس خطر في محاولة منهم لنصرة اللّغة العربيّة.

وقالت تلحوق في مداخلتها: أثناء الحرب الإسرائيلية على غزّة عندما كتبت قصيدة ونشرتها على موقع «فيسبوك» فوجئت بأن عدداً كبيراً من أصدقائي، وإن عبّروا عن إعجابهم بها، طلبوا منّي ترجمتها إلى الإنجليزية. وهذا الأمر أزعجني ودفعني إلى اتخاذ قرار لطالما كان مُدرجاً على لائحة مشاريعي، وشعرت بأنّ الوقت قد حان للانطلاق به، بعدما لمست أن عالمنا العربي يفتقر إلى أرضية ثقافية وسياسية لتحديد قضيتنا وأهدافنا التي يجب أن تجمعنا.

وعن هدف الجمعية قالت: إننا نعمل على تفعيل دور اللغة العربية وإنهاضها من خلال التوعية وبناء جسور مع الجيل الشاب عبر المجتمع المدني، بطريقة مبتكرة لإخراجها من قوقعتها وتقريبها من جيل الشباب بواسطة النتاج الأدبي والثقافي، والتركيز على أهميّة اللغة الأم للشعوب، استناداً إلى مؤتمر الأمم المتحدة العام 2006 الذي أقرّ حق الشعوب في الدفاع عن لغتها، ومن حقّنا أن ندافع عن لغتنا.

وعن نجاح التجربة قالت سوزان: بعد أقل من أسبوع على انطلاقتها رسمياً، كان لـ «فعل أمر» وقعها في المجتمع اللبناني وخصوصاً أوساط الشباب، ولاسيما مع توافر فرصة تواصلهم عبر شبكة الإنترنت، بعدما صار لها مجموعتها الخاصة، التي تفرّعت منها مجموعة أخرى حملت عنوان «بحكيك من الشرق بحروفها التي تجمع بين العربية واللاتينية التي أصبحت وسيلة للتواصل بين الشباب. ثمّ مجموعة «ما تحكيني بهاللغة عم ركّّز عالعربي» لتعكس اهتمام الشباب بلغتهم. واللافت أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء الشباب – كما قالت تلحوق - عدّل في مساره اللغوي مُستخدماً اللغة العربية بدلاً من الأجنبية في التواصل مع أصدقائه عبر شبكة الإنترنت. وتطرقت إلى عادات الشعوب العربية عند التواصل اللغوي في تفاصيل يومياتهم باللغة الأجنبية، وتسأل: «إذا كنا نتقن العربية بشكل جيّد، لماذا نتكلّم الإنجليزية؟».

وبقي أن نقول إنّ انطلاق جمعية «فعل أمر» كان ضمن نشاطات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب لعام 2009».

والتجربة الثانية التي كانت مثار إعجابي في المؤتمر مشروع برنامج «اقرأ» لتعلّم اللّغة العربيّة؛ وهو برنامج معلوماتي تم إعداده بإشراف غنوة جلول؛ وهي نائبة سابقة في البرلمان اللبناني، بهدف الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات لتسهيل وتقصير الفترة الزمنية المعتادة لتعلم العربية؛ وذلك بتعليمها بطريقةٍ تراكمية، وهو برنامج يعتمد أسلوب التعليم الذاتي.

أمّا التجربة الثالثة فكانت عرضاً لمشروع الخليل بعنوان «التعرّف الآلي على أوزان الشعر العمودي»، وهو مشروع جديد لوزن الشعر العربي، حيث يقوم الباحث بكتابة البيت الشعري وسيخبره البرنامج عن بحر البيت وتقطيعاته العروضية. ويمكن للشخص أن يجرب كتابة أبياته الخاصة ليعرف هل هي موزونة أم لا، وهو في نسخته التجريبية حالياً.

عدد المشاركين في المؤتمر بلغ 736 شخصاً يمثلون أكثر من خمسين دولة، ناقشوا في 88 ندوة وجلسة 250 بحثاً ودراسة قدمت عن مجمل القضايا والموضوعات التي تتعلق باللغة العربية، وكان من بينهم ما يقارب 500 من حملة شهادة الدكتوراه، إضافة إلى عدد كبير من حاملي الماجستير والدرجة الجامعية من مختلف التخصصات والوظائف. وقد خلص المؤتمر إلى تبني وثيقة بيروت التي لخصت أهم ما ورد في الأبحاث والدّراسات من توصيات وحقائق، بعدما شخصت مواطن الخلل والقصور على جميع المستويات واقترحت بعض الحلول لمعالجة هذه الأزمة التي إنْ استمر التهاون فيها فسوف تؤدي إلى كارثة لغوية تهدد الاستقلال والهوية الثقافية والوطنية والشّخصية. وقد ركزت الوثيقة على عشرين بنداً رأت أنها مواطن التركيز والاهتمام، ومنها يبدأ الحل.

المشاركون رفعوا صرخات استغاثة للقيادات العربية لاتخاذ قرارات تاريخية ومصيرية تستجيب لما ورد في وثيقة بيروت التي أعدت بناءً على نتائج الأبحاث وأوراق العمل المقدّمة من نخبة من أهل الاختصاص في الميادين العلمية والتعليمية والإعلامية والثقافية. كما طالب المشاركون بسن قوانين على المستوى الوطني تعاقب من يتهاون أو يتآمر على اللغة العربية أو يعمل على إقصائها في المؤسسات الحكومية والأهلية وسوق العمل والإدارة والتعليم والثقافة والإعلام والحياة العامة.

ووجه المؤتمر نداءه إلى جميع المؤسسات والشركات لدعم كل الجهود الرامية إلى معالجة وضع اللغة العربية على جميع المستويات، وأن تعتبر دعمها شراكة وتضامنا مع شركائها المهتمين بقضايا اللغة العربية وثقافتها في جميع المجالات. كما وجّه النداء للأفراد بجميع شرائحهم وتخصصاتهم ووظائفهم ومواقعهم لتعلم اللغة العربية السليمة، وتحمل المسئولية أياً كانت للمساهمة في دعم لغتهم التي هي جزء من عقولهم وألسنتهم وشخصياتهم.

إقرأ أيضا لـ "حسين احمد سلمان"

العدد 3498 - الأربعاء 04 أبريل 2012م الموافق 13 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:38 ص

      ثناء

      شكرا دكتور
      قلما نجد المتحمسين للغة أمثالكم
      موفق إلى كل خير

اقرأ ايضاً