العدد 3516 - الأحد 22 أبريل 2012م الموافق 01 جمادى الآخرة 1433هـ

الحاج إبراهيم المرزوق: شرطي إنجليزي اتهم ابن عمّي بالتحريض في مظاهرات الخمسينات!

حديث الذكريات مع تاجر من الرعيل الأول من تجار سوق المنامة (2 - 2)

الحاج إبراهيم المرزوق في حديث الذكريات مع «الوسط»
الحاج إبراهيم المرزوق في حديث الذكريات مع «الوسط»

في الحلقة الماضية من حديث الذكريات مع الحاج إبراهيم المرزوق كواحد من الرعيل الأول من تجار سوق المنامة، بدأت الجولة بذكريات الطفولة والصبا والشباب وانتهت عند التوسع في العمل التجاري، وختمنا حلقة الأمس بطرفة عن فقدان والدته في الحج وبكائه بحثاً عنها على مدار أربع ساعات... وهناك الكثير من الذكريات التي يمزجها محدثنا بين سرد المعلومة والفكاهة... فيا ترى، ما هي قصة اتهام ابن عمه بالتحريض في مظاهرات هيئة الاتحاد الوطني منتصف الخمسينات؟

يعيد الحاج إبراهيم المرزوق حديث الذكريات فيقول: «كانت المظاهرات كبيرة والإضرابات مؤثرة، وأتذكر أنه من شدة تأثير إغلاق الأسواق، احتاج الناس للتموين فكان من بين الأفكار هي قيام مجموعة من تجار الخضار والمواد الغذائية بتخصيص بسطات كسوق مؤقت بالقرب من مسجد الخواجة بالمنامة».

ولمدة أسبوع، كان الناس يشترون احتياجاتهم من الأسماك واللحوم والرز والخضار من هذا السوق، ومع هذا فأتذكر أن هذه البسطات تعرضت للهجوم من عدد من الضباط الإنجليز والعساكر، فقد صدر الأمر إليهم على ما يبدو للهجوم على المنامة وتم ذلك بالفعل، بل وأنا أقول إنه تم استخدام الرصاص حسبما رأيت بأم عيني، وقد رأيت أحد الأشخاص في أحد زقاق المنامة وقد أصيب بطلق ناري ولا أدري إن كان فارق الحياة أو لم يمت فالكل كان يجري هرباً.

ومن المواقف المضحكة المبكية، أن ابن عمي «عبدالكريم» رحمه الله، وفي شدة الهيجان الذي شهدته العاصمة وتحديداً في فريق الحمام، أخرج رأسه من باب المنزل ليستطلع الأمر قبل أن يخرج للبحث عن بعض الأطفال، وما أن فعل ذلك، حتى لمحه أحد الشرطة الإنجليز وأخذه معه بتهمة التحريض على المظاهرات، وتم إيقافه عدة أيام ثم أفرج عنه.


ليس هناك مشايخ فتنة

كيف تعامل تجار سوق المنامة مع تلك المرحلة السياسية؟ وما الذي تتذكره في هذا الصدد؟

- ببساطة أقول إن في فترة الخمسينات كان الناس أكثر وعياً فيما يتعلق برؤيتهم لمصلحة الوطن، والأهم من ذلك أنه لم يكن هناك مشايخ فتنة يثيرون الناس ويؤجّجونهم على بعضهم البعض، ولهذا كان السياسيون آنذاك من السنة والشيعة ينظرون إلى مصلحة الناس ويتحدثون بصدق ولا يسمحون لأحد أن يشكك في الآخر أو يحجر على الآخر، وكان التجار لديهم نظرة جداً متقدمة حين أقرأها اليوم كما كنت أقرأها في ذلك الوقت، وهي أنهم جزء من الشعب ومصلحة هذا الشعب هي التي يجب أن تصان مهما كانت الظروف، وكانوا يقولون إنه من صالحنا إن قمنا بالمبادرة الوطنية التي تمنع وقوع الخسائر والخسائر حين تقع لا تشمل الحكومة والتجار، بل تشملهم وتشمل الوطن والشعب، وكان من بين أهم الأمور التي يؤمن بها التجار في تلك الفترة السياسية أن الكل يريد سمعة وطنية تحتضن الجميع سنة وشيعة، ولهذا، كانت هناك خلافات فكرية وعقائدية لكن الكل متعايش وليس كما هو الوضع اليوم حيث تصل الأمور بين البعض إلى عدم تبادل التحية أو عدم رد السلام.

ما قرأته آنذاك وهو ما يجب أن يكون اليوم قفزاً على كل الأفكار السيئة التي يروج لها البعض... ما قرأته هو أنه لم تكن هناك تفرقة بين سني وشيعي... حتى لو كانت الحكومة والإنجليز يثيرون هذه النعرة لكن الشعب... بطائفتيه ورغم قلة الإمكانيات العلمية والتقنية، لكنه كان أقوى من الحكومة والإنجليز في رد تلك النعرات، فلم يكن أحد من التجار يريد أن يكون هناك تمييز طائفي أو عنصري، ولكن اليوم تغير الوضع بشكل سيء لوجود إعلام رسمي يؤجج ويثير الفتنة ولوجود مشايخ فتنة يريدون أن يشغلوا الناس بالصدام والتحريض... حبيبي هذا كله لم يكن موجوداً في فترة الخمسينات بالشكل الذي نراه اليوم... نعم، كان هناك من يؤجج ومن يدفع الناس ويحرضهم لا لأن يكون لهم رأي أو موقف سياسي... لا... كان من أجل أن يشعل الفتنة الطائفية.


الإعلام المسيء دوره خبيث

إذا كانت المسألة في الأصوات العاقلة فإنها موجودة اليوم لكنها غير مسموعة... ما نراه أن الأصوات النشاز الداعية إلى التناحر والصدام الطائفي مع أن الخلاف السياسي بين هذا المكون أو ذاك لا يجب أن يتحول إلى خلاف طائفي أو عقائدي أو تخوين... هيئة الاتحاد الوطني أسست وهذا الأساس يجب أن يسير عليه الناس لا أن يذكره كتاريخ فقط... ما رأيك؟

- أنا من وجهة نظري أرى أن الإعلام المسيء يلعب دوراً خبيثاً، وهو مجوف وبلا أهداف وطنية، ولعلني حين أتحدث عن الحركة السياسية التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني بسنتها وشيعتها، فإنها اليوم، هي المثال الذي يجب أن نستنير به... الأهداف كانت وطنية... عيب على من يهاجمك ويشكك في انتمائك الوطني ويفتري عليك أن يفعل ما يفعل وأنت تحمل أهدافاً لمصلحة الوطن والشعب... هذا عيب كبير وعار، والعار فيه أنك تعلم أنني أطالب بحقوق مشروعة وتدّعي غير ذلك... لو عدت إلى ما يحدث اليوم، لقلت لك من وجهة نظري الشخصية، إن الخلاف اليوم بين بعض الإخوة من الطائفتين الكريمتين، وأظنه خلافاً مزروعاً عنوة، هو بسبب الإعلام الخبيث، لقد استخدموا تهمة كبيرة كشماعة (إيران)، والكل يعلم أنه منذ 30 عاماً وهناك أسطوانة مكررة وهي أن إيران تريد مهاجمتنا واحتلالنا والسيطرة على المنطقة، ولم نسمع يوماً أنها اعتدت على دولة من هذه الدول، وما يعلمه بعض المغفلين ويدّعون خلافه، هو أنهم يدركون أن الحركة السياسية في البحرين والسياسيين والناشطين يؤمنون بقوميتهم العربية وهذا الأمر يعود إلى حقب ماضية... دعني أنقل لك هذه الصورة... حين توفي الزعيم جمال عبدالناصر في العام 1971، شاهدت في إحدى المظاهرات نعشاً رمزياً له في المنامة وكان الناس يحملونه وهم يهتفون (عاش عاش عبدالناصر)... وهذا الهتاف ربما كان سائداً في حياته لكن بعد موته كيف تكرر شعار كهذا؟ وهذا يعني أن الناس، رغم محدودية التعليم لدى بعضهم، لكنهم يؤمنون بمبادئه وكانت المشاركة فيها من السنة والشيعة... أيضاً، في العام 1989 في وفاة آية الله الخميني، كانت مجالس العزاء منتشرة في مناطق وقرى البحرين، وكان هناك الكثير من السنة والشيعة على قلب واحد يتزاورون ويتبادلون التعزية... أنا يا ولدي لا يهمني قائل من يقول... أنا مؤمن بأن من يحمل شعار: «إخوان سنة وشيعة» هو إنسان صادق قل ما شئت ضده ولكنه صادق.

ودعني أقول إنني مؤمن بأن ما طرحه سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد من استعداد مبادئ وجهود كانت ستنقل البحرين من الأزمة إلى الحلول، ولكن ما حدث هو أنه لم يعط فرصة التباحث بدلاً من تحويل البلاد إلى سلاح وجيوش وساحة حرب... ما حدث خسارة كبيرة للحكومة وللناس لأنها لم تفكر بالمنهج الإصلاحي، ولو أخذتها بالتي هي أحسن وتفاهمت مع معارضتها لتجاوزنا كل هذه الخسائر على الشعب وعلى الدولة، ونسأل الله أن يهدي الجميع.


بعض مما في المفكرة

منذ بداية حديثنا وأجد في يدك هذه المفكرة القديمة... اقرأ لنا شيئاً مما فيها؟

- أولاً هذه الصورة التي تراها بقربي هي أول صورة حين أراد والدي استخراج جواز سفر لي، ولدي بعض الصور في سن الشباب وصور أخرى مع عمي المرحوم السيدهاشم الوداعي، والد زوجتي، وهو من أهالي رأس رمان... رحمه الله.. ولي صورة خاصة أصدرتها لرخصة السياقة في العام 1976، على أيام تعليم السياقة في قلعة الشرطة، كنا نتدرب قليلاً داخل القلعة ثم نخرج للشارع، وبالنسبة لتدريب الموقف (البارك للرويس) كان هناك بعض الدنجل وما أن تمس واحدة منها حتى ترسب... وأنا لا أيأس أبداً فقد دخلت الامتحان 12 مرة!

في هذه الصفحة من المفكرة كتبت: «في هذه الليلة هبت عاصفة هواء شديد... يوم 5 مارس (آذار) 1959، وفي هذه الليلة استلمت ألفين روبية من سهمي في الدكان»... أتذكر أن أخي باع الدكان وكان نصيبي ألفين روبية وقد اشتريت بها ربطة برانص (ألحفة) وبعت الواحد بدينارين...

وفي صفحة أخرى من المفكرة وثقت إحصاء النفوس 28 شعبان 1379هجرية الموافق 6 مارس 1959، كما دونت رحلة الوالد رحمه الله إلى العراق مع محمد الشويخ زوج أختي في العام 1995، ومن المفكرة أيضاً: «تاريخ الذي استأجر الوالد دكان أبل في 26 أكتوبر 1959، تاريخ جلوسي في الدكان لوحدي 3 نوفمبر 1959، تاريخ ميلاد عبدالغني ليلة الأحد 1979.


الذكريات مع التجار

وماذا عن ذكرياتك مع التجار؟

- كنت أحضر بعض اجتماعات غرفة تجارة وصناعة البحرين، وكما تعرف، أن بعض التجار إذا أراد ترشيح نفسه، فإنه وقت الانتخابات وقبلها بيوم أو يومين، يأتي إلى التجار ويسأل عن احتياجاتهم، لكن ما كان يهمني هو أن أكون متابعاً كتاجر، وكان لدي محلان أحدهما في السوق المركزي والآخر في سوق المنامة والأخير مخصص للمستلزمات والأدوات والقرطاسية، وقد أحضرت دفاتر من إندونيسيا باسم (المرزوق) كماركة مسجلة، ثم أتى بعدي كل من المؤيد وجلال والصقر والاتحاد، ولكن تجارتي تعرضت لخسارة كبيرة بعد حريق اشتعل في متجري بسوق المنامة في العام 1986 وهو الكائن بشارع المهزع، وكان مخصصاً للقرطاسية، وتقدر الخسارة بسبعين ألف دينار، وكنت جالساً حينها في المتجر وإذا ببعض المواد تتساقط، ونظرت وإذا بالمحل يحترق في جزئه العلوي، وقد اتصلت بالدفاع المدني وأتوا بعد خمس وأربعين دقيقة، وأخمد الحريق وتم تسجيل السبب على أنه تماس كهربائي، والبضاعة التي في الأعلى احترقت تماماً والتي في الأسفل تضررت بسبب الماء، ومما أذكره بعد الحادثة أن بعض الشباب مروا على الدكان فقالوا مستهزئين: «خلص موسم المدرسة وحرق الدكان للحصول على التأمين»... وكنت أرد عليهم بالقول إن العلم عند الله، وكنت أقول المسألة مسألة ضمير.

كان لدي وكالات مواد غذائية أيضاً ولكن لم أسجلها في سجل الوكالات حتى تثبت لي، فلم أسجل إلا ماركة (الدفاتر)، وفي العام 2002 أغلقت تجارتي للمرض، فالأولاد مشغولون ولم أتمكن من مواصلة العمل والعمال لم يكونوا يوفون بالعمل فاضطررت لبيعه، لكن بقيت السمعة الطيبة، فعلاقتنا مع التجار اليوم هي تلك التي كانت بينهم أو بين آبائهم وأجدادهم وبين الوالد وجدي، وإذا سألت عن التاجر سلمان المرزوق فلا يذكرونه إلا بالخير لأنه اشتهر بالأخلاق والمعاملة الطيبة، ويعامل الناس بالصدق، وهي من الباقيات الصالحات التي تنجح الإنسان وتبرز اسمه، وربيت أبنائي تربية خاصة... أعطيهم الحرية والديمقراطية في كل شيء، لكن الأساس هو الدين والأخلاق والتمسك بالقرآن الكريم والصلاة وخصوصاً صلاة الليل التي هي سيف المؤمن على العدو وفيها فوائد كثيرة كطول العمر وسعة الرزق وبياض الوجه واحترام الناس، ودائماً أوصي أولادي بالصلاة والصوم والحج وزيارة الأئمة والأماكن المقدسة والتسامح مع الناس ومساعدة الفقراء والمساكين، فأي فلس في سبيل الله يعوضه الله أضعافاً سواء بذلته في جمعية أو في سفر أو في مأتم أو وجه من وجوه الخير.

العدد 3516 - الأحد 22 أبريل 2012م الموافق 01 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:12 ص

      بارك الله فيك

      بارك الله فيك يا حاج إبراهيم المرزوق،حديثك ممتع كل كلمة فيه تاريخ و اصالة،هذا هو شعب البحرين الاصيل المحب المتسامح،اطال الله في عمرك و حفظك،انت تاريخ هذا البلد و أصالته.ابارك لك مواليد الائمة الاطهار من الآن كما ابارك لك قرب حلول شهر رمضان المبارك،اعاده الله علينا جميعا بالنعمة و الصحة يا رب و حفظ وطننا من كل مكروه.
      السيد خليل

    • زائر 4 | 6:16 ص

      سلسلة موفقة

      نعجز عن توجيه الشكر الى صحيفة الوسط.. فهذه السلسلة من اللقاءات والحوارات لا نجدها الا في الوسط وبمضامين وطنية رائعة للغاية.. يا ريت تركزون على كبار السن من المغمورين فهناك عدد كبير من كبار السن في القرى والمدن ومن عوائل سنية وشيعية لديهم الكثير لكنهم مغمورين ونتمنى من الأخ سعيد محمد أن يركز على اظهار كبار السن من غير المعروفين ممن يمتلكون رصيد معلومات كبير فهذه السلسلة الصحفية ناجحة والكل يتابعها.. اخوك الدكتور سعيد سلمان القلاف

    • زائر 3 | 2:56 ص

      زائر رقم 1

      تقصد الدخلاء علينا الذين يخوننا ويتهموننا بالعملاء للخارج وهم من انتوا من الخارج

    • زائر 1 | 10:56 م

      لم تكن هناك شيوخ فتنة في ذلك الزمن الجميل

      كانت قلوب البحرينيين متحدة لم يستطع احد تفرقتها ولا بث الفرقة بينها مع الاسف الان نحن نعاني من المتمصحلين والمنتفعين من استمرار الظلم والفرقة بين الاحبة، ان فرحوا اليوم بالفرقة غذا يوم الحساب سيبكون ولكن للاسف في النار

اقرأ ايضاً