العدد 3528 - الجمعة 04 مايو 2012م الموافق 13 جمادى الآخرة 1433هـ

الطائفية حين تصبح رأياً عامّاً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

دَرَجَ البشر على فهم الأمور والتعامل معها بالمعقول. بل إن أزيد الحِكَم الأرضية، التي قالها الفلاسفة، أو تلك المروية في كتب الحديث والسِّيَر، كانتا على هذا الطوْر من الحَثِّ والدفع. لذا، فقد تحوّل الغلو في تينك الأشياء، إلى تهكم وريبة، ومخالفة للمشهور من القول والفعل.

هكذا كان سَمْتُ الفكر البشري ولازال. وخلال محطات التدافع داخل الدول والمجتمعات، قد ينعَقِف ذلك الفهم (وقد حصل فعلاً من قبل) ليتحول ذلك السَّمت الطبيعي والمنتظم، إلى استثناء، والغلو والتطرف إلى قاعدة، بل وإلى رأي عام يحكم المجتمعات.

بطبيعة الحال، تلعب أمورٌ عديدة، في تظهير ذلك التحول، أكثرها سياسي وجزء منها يتأثر بالأبعاد الاجتماعية والقومية والدينية، التي عادة ما تأخذ الدور المتقدم، عندما يستعر الخصام، ويزداد أوار النار.

خلال الحرب العالمية الثانية، ومنذ بدايتها في العام 1939 ولغاية العام 1944 أي ما قبل انتهاء الصراع بعام واحد، لم يجد الحلفاء (بريطانيا، فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وتوابعهم) أدنى ثغرة اجتماعية، داخل المجتمع الألماني، لكي يقوموا بتثوير الألمان ضد هتلر، لكي يفتحوا عليه جبهة معارضة من الداخل، تعينهم على هزيمته، بل إن المجتمع الألماني كان ولغاية العام 1944، متماسكًا، خلف النازية الشوفينية، التي جاءت (اعتقادًا منه) لتخلصه من عقدة الكرامة المنقوصة، والقومية المُهانة، التي كانت معاهدة فرساي وراءها.

لقد وحَّد الحس القومي والوطني (الخاطىء) الذي أنتجته النازية، الأمة الألمانية ضد الأغيار، داخل أوروبا والشمال الآسيوي، حيث الشيوعية الحمراء. والحقيقة، أن الطرفين قد تآمرا على الأمة الألمانية. فالحلفاء قاموا بإذلالها من خلال اتفاقية فرساي بعد الحرب الكونية الأولى، عبر تحميل الاقتصاد الألماني كافة تبعات الحرب، والتي قدرت بعشرات المليارات من الدولارات، بحساب ذلك الوقت، وأيضاً تجريد القوات المسلحة الألمانية من سلاح الجو الضارب، وحصر أعداد الجيش الألماني بـ 100 ألف جندي فقط، وتقطيع الأراضي الألمانية، وتوزيع جزء منها على دول مجاورة، فضلاً عن تقسيم النمسا وهنغاريا، كوريث تاريخي لامبراطورية الهابيسبورغ، الأمر الذي ولد جرحًا غائرًا داخل الشعور الألماني، فطمع الألمان في استردادها، بأي وسيلة كانت. (للاستزادة في ذلك، يمكن مراجعة كتاب عصر التطرفات).

في الجانب الآخر، استغلت النازية ذلك الشعور الوطني القومي عند الألمان، فقامت بتثوير المجتمع الألماني وتوحيده وحدة صمَّاء ضد بريطانيا وفرنسا، وعموم المجتمع السياسي الأوروبي القديم، وهو ما جعلهم يصطفون بشكل مستميت وراء «المنقذ النازي» دون هوادة، طمعاً في الاسترداد القومي والوطني، بالرغم أن النازية، لم تكن منقذًا، وإنما يميناً متطرفاً، طارئاً على المجتمع السياسي والاجتماعي الأوروبي الليبرالي، المتكوِّن أصلاً من عصر الأنوار. فكان ما كان، حتى أرهقت النازية نفسها والشعب الألماني، فلا ظهراً أبقت، ولا سفراً قطعت.

وعندما نستعيد التجربة الألمانية، فإننا نرمي منها تنبيه من يَرمِي اليوم، من بعض النظم العربية والإسلامية، والطبقات الدينية والاجتماعية المتحالفة معها في جعل الطائفية والتطرف المذهبي، رأياً عاماً داخل الأمة والمجتمع. فما يجمع هذه النظم والتجربة الألمانية، هي مسألة استثمار الجموح الشعبي العارم وزجِّه، في أقدار الطائفية والتطرف المذهبي. الفرق بينها (التجربة الألمانية) وبعض النظم العربية والإسلامية والمتحالفين معها، أن هؤلاء يُثوِّرون المجتمعات العربية والإسلامية، بغية احتفاظ النظام السياسي الكلاسيكي في عموم الشرق الأوسط، بتلابيب الحكم، وجعل بوصلة الشعوب، تتجه باتجاه الصِّدام مع الأغيار في الدين والمذهب، وكأن ذلك معركة المصير، التي لا أولوية سواها، والتي بها سيتحدد مستقبل الأمة المشرق والمأمول.

لقد أثبت التاريخ على طول مداه، أن التطرف، لم يكن يوماً من الأيام منقذاً لأحد، سواءً في السلطة أو المجتمع. فكل أنواع التطرف، كانت وبالاً على الأمم والشعوب والدول بالسَّواء. نتساءل ونُذكِّر: ألَم يَقُم التطرف المسيحي المذهبي (الكاثوليكي/البروتستانتي)، خلال القرنين، الخامس عشر والسادس عشر، بتدمير أوروبا، وتقسيم مجتمعاتها إلى ملل ونِحَل (سويسرا إلى كانتونات، وفرنسا إلى غيتوات) فانعكس ذلك حتى على تشكيل الدولة والقومية الأوروبية؟

نتساءل ونُذكِّر أيضاً: أوَلَم تقم الآيدلوجيا القومية الأوروبية، بإشعال أكثر الحروب ضراوة، على طول التاريخ البشري، وهي الحربيْن العالميتيْن الأولى (1914 – 1918) والثانية (1939 – 1945) التي خسَرت فيها أبرز الدول الأوروبية، أغلى ما عندها، كقوة عظمى لا تغيب عنها الشمس، وباتت مقاييس الخسائر البشرية فيها، تقاس بنسَب تعداد الشعوب، بحيث خسرت هذه الدولة، عشرين بالمئة من شعبها الشاب، وخسرت تلك الدول هذه الملايين من ناسها، في تعداد هائل من الخسائر، قد لا يستوعبه العقل البشري، ولا حتى موسوعات الأرقام العالمية.

إذا كنا لا نستفيد من التاريخ، فبِمَ نستفيد إذًا؟ وإذا كان قابيل، قد استفاد من غُرابٍ لكي يواري جرمه في أخيه، فمن السَّفه والبلاهة، ألا نستفيد نحن من تجارب أمم ودول، كانت تعتمل فيها، عمارة الأرض، وكافة ميكانيزمات الحضارة الصلبة، فانهارت، وذهبت ريحها.

إن أصدق النصائح والآراء، أن نقول: أن تحكم بلداً، هو أقل القيم السياسية شأواً، لأن الأصل هو للأمة. فمن العيب أن تضحى بالأمة ووحدتها وتماسكها، في سبيل السيادة على الناس ورئاستهم، والاستحواذ على الثروة، وعلى خيرات الأرض كيفما اتفق، وكأنك لم تسمع بقارون ولا بنيرون، ولا بآل ساسان، ولا بآل هامان، ولا بكل ما دوَّنته أسفار التاريخ، من قصص وعبر. أتمنى أن لا ينسينا ما نحن فيه من نَهَم على الرئاسة والجاه كل تلك العِبَر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3528 - الجمعة 04 مايو 2012م الموافق 13 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:39 ص

      وين يعتبرون

      وين يعتبرون وهم لاهين ومشغولين بلم الثروات الحلال والحرام ومايدرون ان لهم يوم

اقرأ ايضاً