العدد 3533 - الأربعاء 09 مايو 2012م الموافق 18 جمادى الآخرة 1433هـ

زيدان: الثورة إذا لم تؤنّث لا يُعوّل عليها

بسهولة ولين يتنقّل الروائي المفكر يوسف زيدان بالقارئ من لحظة تأمل فلسفي صارمة الى لحظة وجد صوفي مترعة، ثم يسيح معه في تفاصيل الجسد ليكتب في ظل الافعى: «خصرُها بديع، الثوبُ السماويُّ الفضفاضُ، القصير، يشفُّ اللونَ الكُحلي لملابسها (...). وما ملابسها (...)، إلا قطعةٌ واحدةٌ ذات جناحين محلِّقين بردفيها .. النسيجُ الكحليُّ اللامع، يمسك بالانسياب اللدن الناصع حتى لا ينفلت». قنطرة (دويتشه فيله) تصل يوسف زيدان بقرائها في مساحة مكشوفة لا يجرؤ على ولوجها الا قلة، فكان هذا الحوار (تنشر «الوسط» جانباً منه بتصرف).

من مخلوق ناعم يتلقى الرجل باستسلام سلبي محبب إلى شريك جميل كفء، كيف تقرأ هذا التطور في دور المرأة في صناعة الحياة؟

- هذه حالات وهي ليست جوهر الأنوثة والذكورة، فهي حالات الحنو والوصال والتلاحم والولوج ومن جهة أخرى النزاع والغيرة، هي تجليات عربية لا تمثل جوهر الانوثة والذكورة. جوهر الانوثة والذكورة هي الانسانية، وفي كل ذكر هناك أنثى، وفي كل أنثى يوجد ذكر، وإذا شئنا التفصيل انظر إلى الكائن الانساني في لحظة ولادته، لن تستطيع تمييز الوليد إن كان ذكراً أم أنثى من شكله الخارجي، بل إن الجنين لا يسمى بالتأنيث أو التذكير، فهو جنين، ومع الوقت يبدأ الافتراق بينهما، صحيح أن هناك سمة «فسلجية» معينة في الجهاز التناسلي تميزهما.

لكن السمات الاخرى مشتركة وهي تبدأ بالتمايز والتباعد كلما تقدم الكائن الانساني في السن، ففي العاشرة تصبح البنت بنتاً والولد ولداً بالمعنى الثقافي للتمييز، ومع الوقوف على تخوم المراهقة يحدث الانجذاب بين الاثنين، ففي مرحلة الطفولة المبكرة لا يوجد فاصل محسوس به، فإذا تم الشعور بهذا الاستقلال، يحدث الانجذاب ويظل مستمراً في فترة العمر الممتدة من الصبا الى الكهولة، يتأكد الانفصال فيتأجج الاشتياق، فاذا اقترب الانسان من نهايات العمر تجد الأنوثة قد اكتسبت صفات ذكورية، فينبت الشعر في وجه المرأة العجوز وتتحول ملامح وجهها الى شكل ذكوري، في حين يرق الشيخ ويصبح أكثر حنواً ولطفاً كما لو أنه قد استعاد الصفات الأنثوية الكامنة في الجوهر الانساني ليتوازن بها عند قرب النهاية، ففي المبتدأ والمنتهى هناك اقتران، وفي المنتصف هناك تمايز يدعو إلى الاشتياق.

هي اليوم كتلة يتأملها البعض من خلف حجاب، بل يريدها البعض أسيرة برقع أعمى، لكنها في القرية المعولمة لا تتوانى عن السير (...) في شوارع المدن الكبرى دون أن يثلم ذلك كرامتها، أين المرأة العربية من كل هذا؟

- الكيان الأنثوي العربي مطحون تماماً ومنسحق في هذه الفترة، كانت بشائر الثورات المسماة إعلامياً بالربيع العربي تدل على أن المرأة العربية في البلدان التي ثارت أو التي تابعت الثورة من بعيد ستستعيد مكانتها لأننا رأينا التظاهرات المليونية في مصر وتونس واليمن؛ إذ النساء كنّ يشاركن الرجال مشاركة عادلة في الحراك الاجتماعي، وهذا طبيعي.

لكن، ما إن اتخذت الأمور مساراً سياسياً ممتزجاً بالروح العسكرية أو الذي ترعاه المؤسسة العسكرية، حتى تراجع وضع المرأة ولن تجد في الحكومات التي تعاقبت في مصر وجوهاً أنثوية مع أن المرأة شاركت بشكل فعال في الثورة.

وقد كتبت مقالاً اشتهر في أدبيات الثورة المصرية وعنونته «الثورة إذا لم تؤنّث لا يعوّل عليها»، وقد كان انعكاساً لفكرة أن الانسانية هي التي تثور، ولا تكتمل معاني الاإسانية بجانب الذكورة لوحده، ولكن ما حدث أنّ النساء أُزحن إلى الخلف، سواء باسم الدّين أو باسم السياسة؛ إذ تم الإصرار على الحجاب ثم النقاب، في المقابل كان لابد أن يُحدث هذا حركة مضادة في الاتجاه، كما يجري في قوانين الفيزياء، ففي مصر، ما إن ظهر السلفيون، واستعلنت نساؤهم الملفوفات بالسواد، حتى تعرت فتاة مصرية ونشرت صورها في الإنترنت.

وما إن افتى المتملكون الجدد لناصية السياسة في مصر بضرورة حجب النساء، الا وتعمدت كثير من النسوة أن يظهرن سافرات على نحو يقدح في إحساس أصحاب الاسلام السياسي بأنهم قد انتصروا، وبالتالي فإن العري هنا ليس هدفاً لذاته بل هو شعار مقابل، كما أن الحجب ليس هدفاً بحد ذاته قدر ما هو اعلان سياسي بالنصر.

إذا انتقلنا لمشاعر يوسف زيدان الرجل، نجد جمال المرأة في المنحنيات والهضاب والخنادق ... أين تنتهي حدودك؟

- هي لا تنتهي، يعني، احساسي بالمرأة لا يتوقف عند المحسوس منها، ولكن يأخذ بعداً أعمق، فهو يتوغل في معنى الانسانية من ناحية، ويصل ما بين الأرض والسماء من ناحية أخرى، وهذا الأمر لا يتوقف على نظرتي إليها من زاوية الذكورة الى زاوية الأنوثة، ولكني فعلت ذلك في رواية النبطي، فهي كلها على لسان امرأة، وكانت كتابتها شاقة جداً، لأن النظرة الديالكتيكية اقتضت الانتقال إلى الجانب الآخر لرصد منظوره ونقله إلى العالم، وهذا كان صعباً جداً، ولكنها كانت رواية ناجحة بحسب رأي القراء، والذي دعم نجاحها هو يقيني في أن جوهر الانسانية واحد وهو لايكتمل إلا بالمزيج الانساني البديع الجامع بين الذكورة والأنوثة وهذا ما أراه على مستوى نظري وعلى المستوى الشخصي.على مدى آلاف السنين كان ينظر إلى المرأة باعتبارها النسخة الأرضية من الآلهة، بل إن العبادة في الأصل كانت مؤنثة، وحتى الديانات السماوية الثلاث - والتي هي واحدة في الأصل لكنها ثلاث في وعي الناس، عندما صيغت هذه الديانات للمرة الأولى لم تستطع أن تتخلص من الحضور الأنثوي الطاغي مع أنها قد ذكّرت الإله - أي جعلته مذكّراً - بل أنها جعلت الرجل على صورة الله وهو نوع من الالتفاف فعلته الفلسفة اليونانية أيضاً، المهم أن اليهودية لم تستطع أن تتخلص من الحضور الأنثوي الطاغي الممتد آلافاً من السنين من قبلها، فجعلت اليهودي هو الذي من أم يهودية وبالتالي خرجت الديانة من كل معايير التبشير والدعوى وحب الانتشار إلى المعنى الإثنوغرافي المرتبط بالنزعة الأمومية التي كانت موجودة بوفرة في مصر القديمة وفي سومر وبعدها في بابل، وظهرت في رسائل الأم لابنتها في روايتي «ظل الأفعى».

العدد 3533 - الأربعاء 09 مايو 2012م الموافق 18 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً