العدد 3541 - الخميس 17 مايو 2012م الموافق 26 جمادى الآخرة 1433هـ

«وادي الحيتان»... أول موقع بيئي مصري في قائمة التراث الطبيعي العالمي

القاهرة - محمد باقر، فرح عطيات 

17 مايو 2012

«وادي الحيتان» مغامرة مثيرة في أعماق التاريخ بصحراء الفيوم، حيث تخبئ الطبيعة كنوزها... بحيرات زرقاء، شلالات وسط تكوينات جبلية خلابة، وبقايا كائنات عتيقة، وهياكل الحيتان المتحجرة منذ 40 مليون عام قبل أن تتحول أعماق البحر إلى صحراء، فهو بمثابة سيمفونية تعزفها الطبيعة قادمة من زمن سحيق.

وعلى رغم أن المنطقة تبدو كصحراء قاحلة خالية من الحياة؛ فإنها ليست كذلك قبل ملايين السنين، حيث كانت بحرا كبيرا يعج بالكائنات الحية، التي تحجرت وحفظت هياكلها على مر العصور، وهي مزيج من المرتفعات مخروطية الشكل والرمال الصفراء على مد البصر.

وتقع محمية وادي الحيتان بمحافظة الفيوم، على بعد 150 كلم جنوب غرب العاصمة (القاهرة)، والذي يعد أول موقع بيئي مصري تضمه المنظمة الدولة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، إلى قائمة التراث الطبيعي العالمي العام 2005، ليضاف إلى 130 موقعًا على مستوى العالم ترعاها المنظمة الدولية.

وتتميز منطقة «وادي الحيتان» بنظام بيئي فريد من حيث وجود الأراضي الرطبة والتراكيب الجيولوجية والعيون المائية والحفريات النادرة، كما تتواجد مجموعة كبيرة من الحيتان يصل عددها إلى 406 هياكل ترجع إلى نحو 40 مليون عام.

كما أن هنالك مجموعة من الدرافيل والسلاحف البحرية وعروس البحر. وتعطي صورة كاملة، لأول مرة، لشكل الحيتان التي كانت تعيش آنذاك، ويبلغ طول الحوت البالغ من هذه الحيتان حوالي خمسة أمتار، وله 72 فقرة ويختلف تشريحيّاً عن الحوت المعاصر.

ويقول مدير المحمية، الجيولوجي أحمد عوض: إن «اكتشاف المحمية تم العام 1902 بواسطة العالم الأميركي بيد تل، ثم جاءت البعثة الألمانية التي نقلت قطعاً من الموقع إلى ألمانيا لتفتتح متحفًا لهياكل الحيتان ببرلين، لكنه دمر أثناء الحرب العالمية الثانية».

ويضيف، خلال جولة نظمها الاتحاد الدولي للصحافيين العالميين إلى المحمية (22 ابريل/ نيسان 2012)، أن «البعثات الاستكشافية تتابعت على المحمية بقيادة العالم، فيليب جينجريتش، وصاحبه فريق عمل مصري بقيادة الجيولوجي، محمد سامح، تم خلالها اكتشاف 406 قطع متنوعة التكوين في وادي الحيتان».

وعن كيفية وصول الحيتان إلى قلب صحراء مصر الغربية، يجيب عوض: إن «المنطقة كانت جزءًا من خليج للبحر التيثي قبل 250 مليون عام، وانتهى الخليج منذ 35 مليون عام في العصر الإيوسيني الأوسط بسبب تغيرات جيولوجية كبرى، ليخلف العديد من الحفريات».

وإلى جانب الحيتان؛ هناك هياكل لتكوينات فقاريات، ولا فقاريات، وقشريات، وبرمائيات ولا نعرف الكثير عن ماهية بعض الكائنات البحرية المكتشفة حفرياتها في المنطقة».

ويمثل الوادي متحفاً جيولوجيّاً مفتوحاً فريداً من نوعه؛ لوجود التلال الرملية الصغيرة والنتوءات الصخرية من الحجر الرملي ذات الأشكال المتنوعة، وفي هذه المناطق عموماً تنتشر كثير من الحفريات البحرية، من أبرزها حفريات النيوميوليت أو قروش الملائكة وكثير من القواقع وقنافذ البحر.

اليوم تفتح هذه المحمية أبوابها أمام الزوار ليروا بأعينهم الهياكل العظمية لأكبر الحيتان وسط رمال الصحراء؛ حيث تحتوي على ‏مركز‏ ‏مزارات‏ ‏يستوعب‏ 200 زائر،‏ ‏ويعد‏ ‏بمثابة‏ ‏متحف‏ ‏مفتوح‏ ‏لآثار‏ ‏المنطقة‏ ‏لإظهار‏ ‏معالمها‏ ‏بما‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏بقايا‏ ‏البحيرة‏ ‏القديمة ‏وحفريات‏ ‏جيولوجية‏ ‏طبيعية‏، وعدد كبير من الحفريات محاطة بعصي وحبال لتمييز مواقعها.

وتلك الحبال عبارة عن فقرات متحجرة حولتها الأزمنة الثقيلة إلى أحجار ظلت تحتفظ بملامح الكائن الأصلية بعد أن دفنت هذه الحيتان في قاع البحر الذي جف في ملايين السنين، حيث تقوم الرياح بكشفها الآن مرة أخرى، وهناك يجد السائح نفسه وقد تواصل مع أزمنة سحيقة لا يعلم كنهها على وجه الدقة إلا خالق الكون العظيم.

ولأن المحمية تعد متحفاً مفتوحاً في الهواء الطلق، ترتفع فيه درجات الحرارة معظم أيام السنة؛ فقد تم إعداد استراحات وأماكن لخدمة الزوار بما يتوافق مع مواصفات الحفاظ على البيئة وعدم تلوثها، فهناك كافيتيريا مكيفة الهواء تقدم المأكولات الخفيفة والمشروبات الباردة والساخنة بالاستعانة بوحدات الطاقة الشمسية التي تولد الطاقة الكهربائية والحرارية بما لا يلوث البيئة.

وأشار عوض إلى أن «متحف الحفريات المفتوحة بمنطقة وادي الحيتان، يشغل حوالي 4 في المئة من المساحة التي تبلغ 300 كم مربع، ويحتوي على 13 حفرية مختلفة يتم تبديلها باستمرارلإضفاء شكل من التجديد على المتحف».

وأوضح أن «هناك مشروعًا يقام حاليًّا لضم المنطقة الممتدة من جبل قطراني إلى الوادي، لتتسع المحمية إلى حوالي 130 كم مربع مضافة إلى المساحة الحالية، وكذلك فإن طريقاً جديداً بطول 40 كلم يمتد من المحمية حتى يصل إلى طريق القاهرة الواحات».

ويتابع قائلاً: إن «هناك تصورات مستمرة لتطوير منطقة وادي الحيتان وزيادة الرقع الاستكشافية للتنقيب عن باقي العناصر التاريخية الموجودة بالمنطقة بمكوناتها في محاولة لرسم تصور ما كانت عليه المحمية قبل ملايين السنين».

العدد 3541 - الخميس 17 مايو 2012م الموافق 26 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً