العدد 3549 - الجمعة 25 مايو 2012م الموافق 04 رجب 1433هـ

البركولة

عمران الموسوي comments [at] alwasatnews.com

.

«صورة... صورة... صورة... كلنا كدة عايزين صورة»، هذه الأغنية الجميلة التي غناها عندليب الشرق في عيد الثورة المصرية في 23 يوليو/ تموز 1966، هي من تأليف المبدع صلاح جاهين، ومن ألحان عبقري الموسيقى العربية كمال الطويل. كانت هذه الأغنية توحي بأن الحدث كبير وعظيم يستحق التوثيق، لذا يطلب من الجميع الوقوف والتصوير جنباً إلى جنب لتوثيق هذا الحدث حتى لا ينسى.

في البركولة، وتعني باللاتينية الممر الذي يتوسط الحديقة ويحاط بالأشجار والورود والرياحين، والبركولة في بيتي تطورت إلى صالة ذات جدران زجاجية. نجتمع فيها مساء الجمعة ليلة السبت وذلك على مدى عقد من الزمان أو أكثر، وهي التي تضم كل الأصدقاء والأحبة. حيث يتوق الجميع للاستجابة لعدسة الكاميرا التي تطوف بالجالسين، وتأخذ انتباههم لها: «يا لله يا لله نأخذ صورة جماعية». الجميع ممن يرتادون البركولة يتوقون لأخذ ذكرى لهم بالتقاط صورة توثق الليلة والتي تحتضنها عائلتي الكريمة، هذه العائلة التي منَّ الله عليها بخفة الدم والظرافة والثقافة، لا مبالغاً عندما أقول لدينا من الشباب، ذكوراً وإناثاً طاقات متجددة ومتفاعلة، وكل فردٍ منها له كريزمته الخاصة وأسلوبه الخاص في سرد الحكاوي والقصص والطرائف، وجميعهم يؤمنون إيماناً منقطع النظير بأن الكلمة الطيبة صدقة، ورسم الابتسامة على شفاه الآخرين صدقة، وحب الناس صدقة، وتقدير الآخرين صدقة، وغض النظر عن عيوب الآخرين صدقة، والابتعاد عن الكلمات النابية صدقة، حتى إن كلمة (ساقطة، المرتبطة بالفاحشة) لا يوجد لها مكان في قاموس هذه العائلة، واستبدلتها بكلمة (فترة) وهذا مصطلح انطلق عفوياً، خاص بيننا وقائم منذ سنين. هذه العائلة ترى أن نشر السعادة بين الأحبة والأصدقاء والخلان صدقة أيضاً.

في داخل البركولة تسقط كل النياشين والرتب، وتسقط كل المؤهلات العلمية والعملية، وتذوب كل الفوارق الاجتماعية والمالية، ويضحى الجميع سواسية لا فرق بين وزير أو خفير، إلا من استطاع أن يلفت الأنظار ويثير الانتباه إلى «حدوتته» أو طرفته، فلا يعلو صوت إلا صوت الكلمة الطيبة. هذا بالإضافة إلى الاستفادة من الرؤى والتصورات من أصحاب الشأن حول أي أمر جارٍ لأي حدث وقتها.

ففي العام الماضي وحتى بداية هذا العام وما مر علينا من آلالام وأوجاع نتيجة ما حصل من اضطرابات وما شابه، إلا أن أجواء البركولة استطاعت أن تتصدى للرياح العاتية التي تمر على البحرين وتصمد أمام هذه الرياح التي تنشر السموم والعصبية البغيضة بين طوائف البحرين.

وعلى رغم الحضور المستمر من كل الأصدقاء والأحبة والخجول أحياناً، إلا أن البركولة وما ترمز إليه من ألفة ومحبة وصداقة وعشرة ومودة بين كل المترددين إليها، فإنها باتت صامدة، لم تؤثر فيها النعرات والنعوت المذهبية الكريهة، وأعتقد الفضل كل الفضل لسمة روح البركولة ومن قام على استمرارها من الأخوان والأخوات، فمن رحابة صدورهم، وعمق ثقافتهم وإنسانيتهم جعلوا هذه البركولة حميمية ومميزة وقائمة، ولم تتوقف فيها الحياة بل أصبحت دائماً نابضة بالحياة في كل الظروف والأحوال.

في البركولة تحلو الأماني ويصبح لها طعم آخر، في البركولة تذوب الفروقات المذهبية والحزبية والسياسية وتختفي الجنسيات والألوان بين الزوار والحاضرين، فهذه البركولة بمجهود الآخرين عليها استطاعت أن تعيش الربيع العربي بكل تداعياته وانتصاراته وإحباطاته ولا ترى فيه إلا غدٍ مشرق مليء بالزهور والورود.

ففي هذه البركولة تفاعلت هذه العائلة الصغيرة مع قضايا الربيع العربي ولم تنحاز أو تتحزب إلى طائفة أو أمة دون غيرها بل ظلت دائماً مؤمنة بأن صوت الحق والعدالة هو الذي يجب أن يعلو على كل شيء.

هذه البركولة الصغيرة في حجمها والكبيرة برجالها ونسائها ما هي إلا دارة صغيرة من دور البحرين، فالبحرين قادرة على تجاوز المحنة والعبور بالبلد إلى بر الأمن والأمان وبسط الخير والوئام بين كل طوائفه بعزيمة الرجال وقوة إرادتهم ووسع اطلاعهم وثقافتهم، فمن يظن أن هناك مجالاً لزعزعة أهل البحرين فيما بينهم فهو مخطئ، فما البركولة إلا جزء لا يتجزأ من البحرين الحبيبة.

إقرأ أيضا لـ "عمران الموسوي"

العدد 3549 - الجمعة 25 مايو 2012م الموافق 04 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:50 ص

      شكراً عمران الموسوي

      كلمة شكراً قليله في حقك على البركوله، لطالما كان سعة قلبك قبل سعة المكان. صديقة العائلة دوماً وابداً

    • زائر 1 | 2:45 ص

      شكراً عمران الموسوي

      كلمة شكراً قليله في حقك على البركوله، لسعة قلبك قبل المكان. صديقة العائله دوماً وابداً 

اقرأ ايضاً