العدد 3553 - الثلثاء 29 مايو 2012م الموافق 08 رجب 1433هـ

حتى لا يولد الاتحاد الخليجي... ميتاً

عيسى سيار comments [at] alwasatnews.com

-

تمرّ حكومات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي بظرف استثنائي ألا وهو طرح مشروع الاتحاد الخليجي، الفكرة ليس جديدة فهي ولدت مع قيام مجلس التعاون الخليجي قبل أكثر من ثلاثة عقود، ولكن الفكرة شيء واستحقاق التنفيذ شيء آخر! إن التجاذبات والتقاطعات المحلية والإقليمية والدولية غير المسبوقة التي صاحبت الدعوة إلى الاتحاد تعكس دون شك الظروف الاستثنائية التي يمر بها الإقليم العربي نتيجة لرياح التغيير والإصلاح التي أتى بها الربيع العربي وما واكبه من استنفار عالمي وإقليمي تجاه الربيع العربي تحركه المصالح في المقام الأول، فالمصالح الجيوإستراتيجية والمصالح المادية والمصالح المذهبية لم تكن غائبة إطلاقاً عن المشهد الخليجي...

والتساؤلات المحورية هنا هل طرح مشروع الاتحاد في مثل هذا الوقت جاء موفَّقاً؟ ولماذا تضاربت وتقاطعت مواقف حكومات وشعوب دول مجلس التعاون بشأن مشروع الاتحاد؟ وما هي الأسس والمقومات التي يتوجب أن يقوم عليها؟ وهل يعكس الاتحاد تطلعات شعوب دول مجلس التعاون الخليجي؟ وماهي الأهداف المرجوّة من تأسيس هذا الاتحاد؟ وحتى تتسم إجاباتنا بالموضوعية والمصداقية. سنقوم بعمل مقارنة ومقاربة بين الاتحاد الأوروبي وبين مشروع الاتحاد الخليجي، وقبل الولوج إلى تلك المقاربة، سنسلط الضوء على الزخم السياسي والإعلامي الذي صاحب الدعوة إلى الاتحاد.

لعل من أهم أسباب الجدل غير المسبوق الذي صاحب الدعوة إلى تكوين الاتحاد الخليجي هو الظرف الدقيق الذي تمر به منطقة الخليج العربي، حيث التجاذبات الدولية والإقليمية والتي تقودها بامتياز الولايات المتحدة وإيران. حيث وجدت الدول العربية الخليجية نفسها في موقف لا تحسد عليه، أمام تقاطع المصالح الدولية والإقليمية فطرحت مشروع الاتحاد على هيئة ردة فعل وليس الفعل نفسه، وبالتالي أتت مواقف حكومات الخليج العربي متباينة ومرتبكة وهذا يرجع في تقديري إلى سببين الأول: الوضع الديمقراطي الداخلي في تلك الدول حيث يمكن تقسيمها إلى الدول الأكثر ديمقراطية وهي الكويت والبحرين وعمان إلى حد ما باعتبار أن لديها مجالس منتخبة لها الحق في إبداء موقف تجاه الطريقة التي طُرحت فيها الاتحاد في الدول الأخرى الأقل ديمقراطية، لذلك حدث اختلاف بين مكونات الشعب تجاه الاتحاد في الدول الأكثر ديمقراطية أما الدول الأقل ديمقراطية فيمكننا القول بأن حكوماتها منفردة هي من يحدد مواقفها وقرارتها الإستراتيجية دون أي مشاركة تذكر من شعوبها وأقصد هنا المجالس المنتخبة والسبب الثاني يعود إلى أن منظومة الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي لا تنظر إلى الاتحاد برؤية اتحاد مؤسسات وإنما اتحاد بين إرادات منظومات حاكمة.

إن الاتحاد الخليجي كفكرة ومشروع يعكس بالطبع تطلعات الشعوب في دول مجلس التعاون الخليجي فأكاد أجزم بأن الاتحاد مطلب لمعظم شعوب دول المجلس لأن شعوب هذه الدول أدركت وفي ظل الأخطار والتهديدات التي تحيط بها من كل صوب وحدب بأنه لا بقاء للصغير والضعيف وأن الاتحاد هو عمق جيواستراتيجي، ولكن الاختلاف الذي حصل بين مكونات بعض الشعوب الخليجية كما حصل في الكويت والبحرين هو على المقومات والأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الاتحاد وليس على المبدأ، بحيث عندما يعلن عن قيام الاتحاد يعكس الإعلان إرادة وطنية خالصة للدول العربية الخليجية أي بالتوافق والشراكة بين منظومة الحكم وبين شعوبها، وفي هذه الحالة تتفادى منظومة الحكم الانتقاد الدولي والإقليمي وحتى المحلي بشأن تغييب إرادة الشعوب في اتخاذ مثل هذا القرار المصيري، وهنا يكمن الاختلاف بين ظروف قيام الاتحاد الأوروبي وظروف الدعوة لتأسيس الاتحاد الخليجي.

أما بالنسبة للجانب الأمني والسياسي لدول مجلس التعاون الخليجي، وهو في اعتقادي الهاجس الأكبر لمنظومات الحكومات في دول المجلس وهو الهدف الأول والأخير في تقديري من وراء الدعوة لتأسيس هذه الاتحاد، فبإمكان دول المجلس إن أرادت تهدئة هواجسها الأمنية أن تأخذ بنموذج حلف الناتو والذي هو عبارة عن ميثاق دفاعي عن سيادة الدول الأعضاء علماً بأن هناك دولاً أوروبية كتركيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي ولكنها عضو في حلف الناتو، أما موضوع الاتحاد الكونفيدرالي وهو الأقرب إلى ما تسعى إليه دول مجلس التعاون الخليجي فهو متحقق الآن ولكن إلى حد ما، وذلك من خلال مجلس التعاون الخليجي والذي يسير ببطء شديد وعلى غير طموحات شعوب دول المجلس وذلك لأن مجلس التعاون قائم بين منظومات الحكم في الدول الست وليست بين مكونات الدول، وهذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبته حكومات دول مجلس التعاون عندما غيّبت وهمّشت شعوبها لثلاثة عقود ولم تشركها في اتخاذ القرارات المصيرية وحتى المجلس الاستشاري الذي تم تشكيله منذ سنوات قليلة هو مجلس شكلي لا يحل ولا يربط.

وهنا يحق للمواطن في دول مجلس التعاون الخليجي أن يتساءل إذا لم تستطع منظومات الحكم خلال الثلاثة عقود الماضية تحقيق الحد الأدنى من تطلعات شعوبها في الوحدة إلى درجة أنها عجزت عن تفعيل جميع بنود الاتفاقية الاقتصادية؟ فهل تستطيع منظومات الحكم تأسيس هكذا اتحاد؟!

إن الاتحاد الأوروبي عندما تنادت الدول الأوروبية لتشكيله تم إنشاؤه بإرادة كل مكونات الدول الأعضاء وقام في إطار إستراتيجية متدرجة في الوحدة، بدأ بالجانب الاقتصادي ثم الأمني وأخيراً السياسي وعلى رغم أنه لا توجد قواسم مشتركة بينهم كالتي توجد بين دول المجلس التعاون الخليجي، إلا أنهم حققوا الاتحاد بإرادة وطنية وليست بإرادة حكومات كما هو الحال في دول مجلس التعاون الخليجي.

ومن هنا يمكن القول بأن كل مكونات شعوب دول مجلس التعاون مع الاتحاد قلباً وقالباً وأن الشعوب ليست هي من عطل مسيرة مجلس التعاون وأن الشعوب ليست هي من جعلت مخرجات المجلس متواضعة ولا ترقى إلى مستوى طموح الشعوب، إنما هي الحكومات المسئولة أولاً وأخيراً عن عدم تحقيق تطلعات الشعوب في تحقيق الوحدة.

إنني أعتقد جازماً بأن شعوب دول مجلس التعاون تريد اتحاداً خليجياً يجد المواطن العربي الخليجي فيه كرامته ويتمتع فيه بحقوق متساوية في أي دولة من دول المجلس وربما لا يعلم الكثير من مواطني دول مجلس التعاون بأن المواطن البحريني أو المواطن العماني أو السعودي... إلخ يعامل في دول المجلس الأخرى كمعاملة الأجنبي وعجزت منظومات ومؤسسات مجلس التعاون الخليجي حتى الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة عن أن توجد أنظمة للتأمينات الاجتماعية والتقاعد موحدة في دول المجلس... فإذا عجزت منظومات الحكم في دول مجلس التعاون عن تحقيق هذا الطموح المتواضع جداً فكيف لها أن تحقق الاتحاد الاقتصادي والأمني والسياسي آخذين في الاعتبار أن الدعوة لتأسيس الاتحاد جاءت على هيئة ردة فعل وليست ذات بعد إستراتيجي! كما يحق لنا أن نتساءل هنا لماذا لم نرى السوق الخليجية المشتركة بالقوة والوضوح كما هو الحال في السوق الأوروبية المشتركة؟ ونتساءل وبوضوح أكثر: على ماذا تراهن منظومات الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق الاتحاد... إذا هم عجزوا عن توحيد أنظمة الخدمة المدنية والتقاعد! فمن يرفع الشراع!

إقرأ أيضا لـ "عيسى سيار"

العدد 3553 - الثلثاء 29 مايو 2012م الموافق 08 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:55 ص

      صدق ريال

      في المقال السابق ماعجبتني ماكنت منصف

    • زائر 4 | 3:28 ص

      والله ريال

      كثر الله من امثالك.من المتابعين لك واطروحاتك تصب لصالح الوطن لكن اين اولو الالباب .

    • زائر 1 | 1:01 ص

      حتى لا نبني اتحاد ميت

      الاتحاد من اجل امن الحكومات وليس من اجل تنمية الانسان الخليجي وانا بصراحه اتعجب من صرف ما يعادل 55مليار وهم مجموع قيمة الاسلحه لدول الخليج فلو صرفت هذة المبالغ لبناء مدارس وجامعات ومستشفيات كذلك بنية تحتية قوية على اعلى المستويات لصار المواطن الخليجي في وضع احسن بكثير مما هو عليه الآن

اقرأ ايضاً