العدد 3554 - الأربعاء 30 مايو 2012م الموافق 09 رجب 1433هـ

حين يتكلم الدم تبزغ الإنسانية

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لم يكن حادثاً عادياً ذلك الذي تعرضت له دولة قطر الشقيقة يوم الثلثاء الماضي الذي لم يكن كغيره من الأيام إثر حريق مركز فيلاجيو التجاري في الدوحة... بعد أن توفي 13 طفلاً و4 مدرسات واثنين من رجال الدفاع المدني أثناء أداء واجبهم في نفس الوقت لهو أمر صعب ومؤلم.

الأطفال الذين خرجوا للروضة في ذلك اليوم ودعوا أمهاتهم وآباءهم وداعاً عادياً وبأيديهم حقائبهم وأحلامهم البريئة، وودعهم ذووهم بابتسامة منتظرٍ لساعة عودة الحبيب بضحكته وشقاوته إلى البيت... لكن لم يعد أي منهم إلى بيته كالعادة، بل عاد الآباء إلى بيوتهم منكسرين متألمين فاقدين.

والمدرسات اللاتي خرجن وفي أيديهن الكتب والأوراق، انتظرن الصبح ليؤدين رسالة ليست بالبسيطة تقدم لهن فرحة في نهاية العام بعد أن يقطفن ثمار جهد جبار طالما علّم وربى أجيالاً على مدى الزمن... لكنهن رحلن قبل أن يكملن أدوارهن ويحصدن ثمار ذاك الجهد.

هذه الحادثة كانت درساً لمراعاة ضمانات الأمن والسلامة في كل المباني، وهو ما يؤكد على ضرورة وجود قوانين صارمة في كل الدول من أجل صيانة حياة البشر ليكون تنفيذها شرطاً من شروط تسليم أب مبنى بعد معاينة الدفاع المدني والوزارات المختصة بمنح التراخيص، فكما أشارت التحقيقات الأولية وشهادة بعض الصحافيين الموجودين في المجمع أثناء الحريق فإن العاملين في الموقع لم يكن لديهم أي خطة طوارئ وإن المبنى لم يكن مهيّأً لهذه المواقف، وهو ما أثبتته وفاة الضحايا خنقاً لا احتراقاً.

وكغيرها من الحوادث كانت هذه الحادثة سبباً في تبيان مدى تعاضد الناس ووقوفهم إلى جانب بعضهم في أوقات الشدة، وهو ما وجدناه هنا في البحرين في أكثر من موقف أيضاً أثناء الحوادث التي مرت على الوطن طوال السنوات الماضية كان آخرها وفاة الوردات الست إثر الحادث المروري الأخير قبل أشهر.

التعازي التي تناقلها الناس على الإنترنت وخدمات الهاتف النقال والتلفزيون والإذاعة بعد الإعلان عن وفاة الـ 19 ضحية، كانت دليلاً على وحدة الشعوب العربية ووحدة شعوب دول الخليج العربي خاصة، إذ تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مآتم فقد أقيمت لهؤلاء الضحايا، وتم تداول العديد من الصور لتوحيدها في «بروفايل» المتعاضدين مع أهالي الضحايا في هذه المواقع وفي خدمات البلاكبيري والوسائل الاجتماعية الأخرى، كما أن بعض البحرينيين والخليجيين سافروا خصيصاً لتقديم العزاء لأهالي الضحايا.

شعوب كهذه ليست بحاجة إلى أي نوع من الاتحادات السياسية أو الاتفاقات بين الحكومات لتثبت أنها قلب واحد إذا ما تكلمنا بعيداً عن السياسة، وهو ما أثبتته المواقف الأخيرة خلال الربيع العربي لمن كان له قلب ويرى الأحداث بضميره، إذ أبدت الكثير من الشعوب على اختلاف توجهاتها وأيديولوجياتها ومذاهبها تعاطفها مع دم الشعوب المراق في الدول التي طالها هذا الربيع العربي وآخرها ما حدث في مجزرة الحولة بسورية والتي راح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا هناك يبحثون عن الأمل.

في الدم يجب أن يتجرد المرء من كل خلفياته الدينية والمذهبية والأيديولوجية ويتحرك بالدافع الإنساني فقط، وهي الطبيعة التي خلق عليها لتكون الأساس في التعامل مع الآخر اجتماعياً وإنسانياً مهما اختلفت التوجهات لأن الطبيعة البشرية واحدة حين يتكلم الدم ويصرخ.

الضحايا يبقون دائماً ويخلفون لوعة وألماً، لكنهم يعطون الأحياء دروساً وعبر لا تنتهي ولا تذوي مهما طال الزمن. وكما غنت فيروز: «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان... وحدن بيقطفو أوراق الزمان... وحدن بيبقو متل هالغيم العتيق... وحدن وجوهن وعتم الطريق»

لجميع الضحايا في كل العالم ألف رحمة ونور.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3554 - الأربعاء 30 مايو 2012م الموافق 09 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 1:36 م

      Great!

      Great article great ideas. Like it sis.

    • زائر 8 | 11:37 ص

      قلمك مميز

      لك مستقبل زاهر في الكتابة استاذة سوسن في كل مرة تطرحين موضوع تثيرين اعجابنا بك انت مثال للكاتبة الشاملة التي تكتب في كل شيئ وعن كل بلد بجدارة .
      داحد استاذتك في جامعة البحرين

    • زائر 7 | 7:33 ص

      هكذا القلوب ياعزيزتي

      تحزن لفقدالاحبة كما تحزن لفقد اى انسان غريب عنها وتعيش الماساة كانها ماساتها هذه القلوب الرحيمة فقط اما القلوب المتحجرة والتي كثرت هذه الايام فهي تشمت لمصيبة الاخرين وكان الانسان باقي للابد ولاتدرى اى مصيبة تاتيها وهي في تيهانها وغرورها

    • زائر 5 | 2:40 ص

      وطنية عربية

      مقال انساني رائع استاذة سوسن كما عودتينا دائما... الضحايا مخلوقات خلقهم الله لكي ينيرون طريقنا بالفعل فشكرا لكل احساسك الذي دائما يأخذنا إلى الجنات العالية ونحلق في السحاب .
      أنت كاتبة رائعة وشاعرة مميزة جدا

    • زائر 4 | 12:10 ص

      صباح الخير يا زهرة السوسن

      عندما تحدث الفاجعه تمحصى الوجوه بغض النظر عن مذهبها ودينها وجنسيتها فستري الانسان انسان ينسلخ من كل عيوب النفس يبكى لناس ويتعاطف مع ناس لا يشبهونه في اي شي غير الانسانيه يتوجع وربما يهجره نومه ليالي لمنظر مولم راه او سمع عنه من لا تحركه المصائب والنوائب التى تحدث لباقي البشر نظرائه في الخلق فهو ليس نظيرهم ولا محسوب عليهم كبشر.....ديهي حر

    • زائر 3 | 11:36 م

      الحياة وقفة عز

      صديقتي سوسن الماء الحياة وقفة عز كما قال ابو امل الله يرحمه وانت تقفين دائما مع الحق تقفين عزا وكرامة الحمد لله الذي جعلك من كتابنا الذين نفتخر بهم كثيرا اطال الله في عمرك ورحم الله الضحايا في سوريا وفلسطين والعراق واليمن ومصر وتونس وليبيا والان في قطر الله يرحم الجميع في كل الدول

    • زائر 1 | 8:23 م

      سنابسيون

      ان ماحدث من فقدان للضحايا اثر فينا أثرا كبيرا وكذلك ما حدث في الحوله فأطفال يموتون هنا وهناك من الواضح أن عام 2012عام الموت للأطفال الابرياء الله يرحمهم جميعا ويصبر أهالهم على هذه المحنه

اقرأ ايضاً