العدد 3558 - الأحد 03 يونيو 2012م الموافق 13 رجب 1433هـ

مهزلة القرن

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بينما دأبت بعض الجهات والقنوات الإعلامية العربية اليمينية الترويج لـ «محاكمة القرن»، فإن الأحكام الصادرة تكشّفت حقيقةً عن «مهزلة القرن».

في المناطق الأخرى من العالم، عندما يخطئ وزيرٌ فإنه يتحمل مسئوليته ويستقيل. وعندما يملّ الناس من سياسة رئيس فإنهم يغيّرونه بطريقةٍ سلميةٍ هادئة، بمجرد أن يسقطوا أوراقاً في صناديق بلاستيكية ويخلعونه بهدوء، دون حاجةٍ إلى مظاهرات مليونية، فيغادر القصر الرئاسي بعد أسبوعٍ دون سفك دم أو وقعةِ جمل.

أما في البلاد العربية، فالرئيس الذي يأتي دائماً بالصدفة، التاريخية أو البيولوجية، فإنه يبقى حتى يملّ الناس ويملونه، ولا يخلّصهم منه إلا ملك الموت عليه السلام. ويكون سيادته قد هيّأ كل الأجواء السياسية والإعلامية والاقتصادية والسيكولوجية والأركيولوجية ليرث ابنه كرسي الرئاسة.

في مصر، كان المشهد مثيراً للشفقة والغضب معاً. رئيسٌ سابقٌ فشل في أداء دور المريض الممدّد في سرير طبي، استعطافاً لقلوب المصريين، الذين لم ينسوا ما فعل بهم طوال ثلاثين عاماً من الحكم المطلق. كانت زوجته تسمى السيدة الأولى، وكان ابنه الموعود بالعرش يُوصف بأنه أمل المستقبل، وكان حزبه (الوطني) قد تحوّل إلى خليةٍ كبيرةٍ من المنتفعين ومصاصي المال العام.

49 جلسة أسفرت عن إدانة الرئيس ووزير داخليته وحكمهما بالسجن المؤبد، وتضج القاعة بأصوات المعترضين على الحكم: «باطل، باطل»، بينما تسجد بعض النسوة من أنصار الدكتاتور على صورته خارج القاعة، في مشهدٍ دراماتيكي لآخر سلالات العبيد ومسلوبي الوعي.

الأحزاب المعارضة تلقفت هذه الفرصة الذهبية ودعت إلى نزول الجماهير إلى ميادين مصر، فالثورة تتعرض لعملية قرصنة على أيدي فلول النظام العسكري الذي يحكم منذ ستين عاماً. إن أفلتت هذه الفرصة الأخيرة فسيوصل النظام مرشّحه أحمد شفيق إلى الرئاسة، ولا عزاء للثائرين.

كان أشد المعترضين على الحكم ذوو الضحايا، فكلماتهم تنبع من قلوب جريحة، فليس هناك بشرٌ يقبل أن يقايض جسد شهيدٍ بجنيهات، أو يقبل بتبرئة ستة من كبار ضباط يوم الجمل. لقد اكتشف المصريون أنهم اسقطوا رأس النظام وأبقوا على الجسد يتحرّك ويخبط بيديه ويرفس برجليه ويتنفس من مناخيره. اكتشافٌ ربّما جاء متأخّراً، لم توقظهم حتى نتائج جولة الانتخابات الأولى، فاستيقظوا مذعورين لهذه الأحكام الهزيلة.

ذوو الضحايا يتكلّمون بمنطق الآية: «ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب»، وكثيرٌ من أبناء الشعب العربي يتفهمونهم، وهم أحسن حظاً من إخوانهم العراقيين، الذين ابتلوا بدكتاتورية أكثر شراسةً ودمويةً، وظلّوا يتلقون الشتائم والسباب والتخوين عندما حاكموا الدكتاتور، وحوّله الإعلام العربي وعمائم السوء دون ورعٍ ولا تقوى إلى شهيد الأمة. إعلام يعاني من انفصامٍ في الشخصية وازدواجيةٍ في المعايير. اليوم تتردّد دعاوى القصاص العادل في مصر وتونس واليمن، بينما حزم الليبيون أمرهم وأخذوا ثأرهم بأيديهم، دون هوادةٍ أو تأخير، وربما جرّتهم إلى ذلك المقادير دون تخطيط.

إحدى الصيحات التي أطلقها ميدان التحرير، وسيتردد صداها في دولٍ عربيةٍ أخرى كثيرة، «الشعب يريد تطهير القضاء». فالقضاء بدا مسيّساً تماماً، ولم يحكم بالحق، وهو ما أثار هذه الملايين وأخرجها من بيوتها مرةً أخرى. سيمضي وقتٌ طويل، ربما عقود أخرى إضافية، حتى تعرف المنطقة العربية معنى استقلالية القضاء، وتطبّق فصل السلطات، ولا يعود القاضي من خدم السلطان وتابعيه، وتتعود تغيير الرؤساء دون قطع للرؤوس.

انتظروا أربعة عقودٍ أخرى تضيع من أعماركم، وربما سبعة أو ثمانية عقود، حتى تعرفوا معنى القضاء النزيه!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3558 - الأحد 03 يونيو 2012م الموافق 13 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 7:40 ص

      تقى البتول

      متبارك ياسيد بمناسبة مولد جدك امام المتقين وليد الكعبة ونبارك لجميع المؤمنين بهذه المناسبة السعيدة وجان خليت هذا اليوم اوف ليك حتى تفرح في هذا اليوم السعيد اعاده الله علينا في احسن حال امين رب العالمين

    • زائر 17 | 6:14 ص

      يعني شنو؟

      يعني لازم تنتظر الشعوب العربية خمسين سنة الى ان يتحقق القضاء العادل النزيه؟

    • زائر 15 | 5:56 ص

      لك الله يا شعب الكنانة

      أنا أحب الشعب المصرى، ولكني مثلك تماماً أخي قاسم كنت أقارن بين ما حدث بالعراق وبين ما يحدث الأن بمصر الشقيقة وكأن الشعب العربي ومن بينهم المصري الذين رأوا بصدام حملاً وديعاً وسموه شهيداً، تتابع عليهم نفس المأساة الأن والمسرحية الأنتخابية هي قص لزق عن العراقية وأرى في مرشح الفلول أحمد شفيق صورة علاوي العراق الذي يجب أن يتخلص منه المصريون الأن سريعاً قبل فوات الأوان.

اقرأ ايضاً