العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ

الحكومة اللبنانية عكست هزالة المشهد السياسي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

«إسرائيل» تخوض حرباً عسكرية ضد اللبنانيين بطائراتها وبوارجها وكل آلتها العسكرية، وقد باشرت دكَّ البنى التحتية في لبنان، وتقطيع أوصال الجنوب بتدمير الجسور التي تربط أنحاءه بعضها بالبعض الآخر، أو تربطها جميعاً بالعاصمة، كما قامت بقتل المدنيين الآمنين من أطفال ونساء وشيوخ وشباب، بهدم بيوتهم على رؤوسهم بدم بارد، بفعل الحقد اليهودي التاريخي ضد العرب والمسلمين، ما يدل على الوحشية الكامنة في الذهنية الصهيونية، وذلك بعد أن أسقطت المقاومة عنفوان «إسرائيل»، وأظهرت عجزها وضعفها بالعملية النوعية في أسر جنديين من جنودها، وقتل ثمانية منهم، من دون أن تستطيع الدفاع عنهم.

وإلى جانب الحرب العسكرية الإسرائيلية التي امتدت من فلسطين إلى لبنان، كانت أميركا تقود الحرب الدبلوماسية الدولية في مجلس الأمن، بالتنسيق مع فرنسا وبريطانيا، لتمنع من أية إدانة لـ «إسرائيل»، ولتعطي مجازرها صفة الدفاع عن النفس. وفي الجانب المحلي انطلقت التدخلات الخارجية التي كانت الحاضر الأبرز على طاولة الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء، التي خرجت ببيان يعطي صورة للعالم عن هزال المشهد السياسي اللبناني، حتى في أقسى لحظات التأزم، إذ كان لضغط السفيرين الأميركي والفرنسي والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان دوره في هذا المجال، بعدما تحولوا إلى حكومة ظل تولت إجراء شبكة واسعة من الاتصالات شملت سياسيين وصحافيين، وطلبت منهم التعبير عن موقف حازم وحاسم وقوي ضد المقاومة، وترافق ذلك مع نقل رسائل تهديد من الحكومة الإسرائيلية إلى الجانب اللبناني، بالقيام بكل وسائل التدمير للبنى التحتية.

وهكذا، انعكس الضغط الأميركي والدولي على الحكومة اللبنانية، وتحركت الوصاية الجديدة التي تمنع القيادات اللبنانية الرسمية وغيرها من حرية الموقف في مواجهة العدوان الصهيوني، رغبة من هنا ورهبة من هناك.

إن مشكلتنا في العالم العربي والإسلامي في كل المآسي التي تصيب شعوبنا سياسياً واقتصادياً وأمنياً، تكمن في الولايات المتحدة الأميركية التي تتحمل مسئولية كل قتيل مدني تقتله «إسرائيل»، ولا سيما الأطفال والنساء، وكل بيت يدمر، وكل إنسان يشرد، لأنها تمثال محور الشر في العالم وقاعدة الإرهاب في الأرض، وعلى المستضعفين أن يقفوا في مواجهتها ومواجهة حليفتها الصهيونية بكل الوسائل التي تسقط نفوذها، وتضعف موقعها، وتفضح كل شعاراتها المغلفة بالعناوين الإنسانية.

وإننا في الوقت الذي نواجه فيه الحرب الصهيونية، نحيي المقاومة في ردها الدقيق والفاعل على العدو الإسرائيلي، في دكِّ مواقعه المحصنة، وإسقاط عنفوانه، كما نقرّ للجيش اللبناني تصديه البطولي للطائرات المغيرة جنباً إلى جنب مع المقاومة، ونحيي قيادته التي انطلقت في خط المسئولية ولم تتهرب كما تهرب الكثيرون، ونريد للشعب اللبناني بكل طوائفه أن يقف في وحدة وطنية قوية ضد العدوان، ولا يلتفت إلى الأصوات النشاز التي لا تريد للبنان الأخذ بأسباب القوة، خضوعاً إلى الذين يريدون له الضعف في مواجهة «إسرائيل».

وفي جانب آخر، إننا نشعر بالخيبة للموقف الفرنسي الذي يقف مع العدو الصهيوني من دون قيد أو شرط ضد الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، باستثناء كلمات خادعة لا قيمة لها، كما نعتقد أن أوروبا قد سقطت تحت تأثير الضغط السياسي الأميركي الذي أبعدها عن القيم الحضارية الإنسانية التي كانت تؤمن بها، وجعلها في موقع العداوة للعروبة والإسلام.

وإذا وقفنا أمام المشهد العربي فإننا نجد الدول العربية - في أنظمتها - قد سقطت بالضربة الأميركية القاضية، فأصبحت أقرب إلى المنطق الإسرائيلي منها إلى المنطق العربي، ولذلك فإنها تتحرك للإفراج عن الجنود الصهاينة ولا تتحرك للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين؛ لأن أميركا تطلب منها ذلك، ولذلك فإنها عموماً تمنع شعوبهما من النزول إلى الشارع بما يحفظ ماء وجوههما.

أما العراق الذي كنا نؤكد دائماً أن شعبه لم يعش في كل تاريخه أيّ عقدة مذهبية بين السنة والشيعة، ولم يدخل في أيّ تجربة من تجارب الفتنة الطائفية، فقد بدأت الجهات التكفيرية من جهة والاحتلال من جهة أخرى - وربما بعض الموتورين أو الذين يتحركون بردات الفعل هنا وهناك - يعملون على إثارة المسألة بطريقة مأسوية تدخل فيها الفتنة في مفاصل الشعب العراقي لتمزقه تمزيقاً، وليصفق الاحتلال الأميركي بأنه انتصر في نهاية المطاف.

إنها المأساة الحقيقية أن تنطلق شرارة التفجيرات أو القتل على الهوية هنا وهناك، بما يؤسس لهزيمة لنا جميعاً كمسلمين وكساعين إلى إحياء تراث الإسلام، وكعاملين في خط الدعوة إلى الله... إنها الطامة الكبرى والحاقة التي لن تبقي لقضايانا باقية في طول العالم الإسلامي وعرضه، ولذلك أجدني أمام هذا الواقع أحمّل المسئولية لكل العلماء من السنة والشيعة أن يتحركوا في كل الساحات لوأد الفتنة في مهدها، ومنع الاحتلال من تحقيق أهدافه في إيجاد شرخ بين المسلمين في العراق.

وأتوجّه لأبنائي في العراق، من السنة والشيعة معاً، لأقول لهم: ضعوا نصب أعينكم قول الرسول الأكرم (ص): «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»، لتعرفوا أن كل يد شيعية تمتد إلى مسلم سني بريء هي يد آثمة، وكل يد سنية تمتد إلى مسلم شيعي بريء هي يد آثمة أيضاً، وأن من يقتل الأبرياء لأخذ ثأره من قتلة أبيه أو أخيه أو أنسبائه هو قاتل مجرم يستحق عقاب الله.

وبالمقابل، إنني أناشد العلماء من السنة والشيعة في العراق، ألا ينخرطوا في الخطاب الطائفي عبر الفضائيات وغيرها، ليقول أحدهم: «الشيعة قتلوا من السنة كذا»، أو العكس، ولكن لنقل جميعاً إن المجرمين قتلوا الأبرياء سواء أكان هؤلاء المجرمون من السنة أم من الشيعة.

كما أدعو علماء المسلمين وأقطاب الحركات الإسلامية من السنة والشيعة في العالم الإسلامي، إلى أن يتحركوا ضمن لقاء وحدوي موسع تدعى إليه فاعليات السنة والشيعة من العراق وخارجه، لتطويق هذه الفتنة العمياء، لأننا إذا لم نتحرك بالسرعة اللازمة فستأكل هذه الفتنة الأخضر واليابس، وتحرق قضايا الأمة الكبرى، وعلى الذين يسلكون طرق الفتنة أن يأخذوا الدرس من عمل المقاومة في لبنان وفي فلسطين المحتلة، لينضموا إلى ساحة المعركة على مستوى الأمة بدلاً من أن يجعلوا الأمة رهينة للآخرين في حروب الفتنة الدامية.

وأخيراً، إننا في الوقت الذي نستنكر فيه ما تقوم به الفئات التكفيرية والجهات الدموية من مجازر ضد المسلمين هنا وهناك، نستنكر أيضاً المجازر التي تطاول الأبرياء من غير المسلمين، ومن بينها المجزرة الوحشية التي استهدفت القطارات في مدينة مومباي الهندية، التي حصدت 900 بين قتيل وجريح.

إن هذه التفجيرات تمثل عملاً وحشياً وإجرامياً، بصرف النظر عن الجهة التي قامت بها، وعلينا كمسلمين أن نقف في الموقع المضاد لكل هؤلاء الذين احترفوا الجريمة تارة باسم الدين وطوراً باسم عناوين أخرى، فالدين من هؤلاء براء، وكذلك عناوين الحرية وغيرها، وعلينا أن نكون مع كل المظلومين والأبرياء في العالم، بصرف النظر عن هويتهم العرقية أو الدينية وما إلى ذلك

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً