العدد 1415 - الجمعة 21 يوليو 2006م الموافق 24 جمادى الآخرة 1427هـ

هل يعاد تطبيق سيناريو القاعدة - طالبان في لبنان؟

هادي الموسوي hadi.ebrahim [at] alwasatnews.com

رياضة

لا يستبعد أن تكون «إسرائيل» وبالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية قد خططتا مسبقا لإعادة تطبيق تجربة أميركا - القاعدة - طالبان، التي قامت بها القوات الأميركية في أفغانستان بعد حوادث نيويورك في العام 2001 فأسقطت حكم طالبان وحجّمت عمليات شبكة القاعدة، وهي المرة التي وجدت فيها أميركا الفرصة للإجهاز على شبكة القاعدة ونظام طالبان، فحققت جزءا مما أرادت ومازالت تسعى إلى تحقيق المزيد، ومازال رأس أسامة بن لادن مطلوباً بعد مرور ما يقارب الخمس سنوات.

فبعد هزيمة العدو الصهيوني في العام 2000 وانسحابه مدحوراً من جنوب لبنان، والحرب النفسية التي شكلتها المقاومة الإسلامية على مدى الأعوام الأخيرة، من خلال تأكيد حق المقاومة في استرجاع وتحرير كامل أراضيها وإطلاق سراح كامل معتقلي لبنان والعرب لدى العدو. جاءت العملية النوعية في 12 يوليو/ تموز الجاري، لتعطي الخطة المبيتة الضوء الأخضر - على الأقل بحسب الإسرائيليين ومن يتفق معهم في أن عملية حزب الله سبب العدوان الهمجي - للاعتداء على لبنان للنيل من حزب الله والمقاومة وتدمير مقوماته وقواعده ومؤسساته، واغتيال قياداته بدءا بالسيدحسن نصر الله وانتهاء بأصغر عنصر من عناصره، كامتداد لعمليات الاغتيال التي درجت عليها السياسة الإسرائيلية وما السيدعباس الموسوي إلا نموذج لجرائم هذه السياسة الجبانة.

غير أن عدم التطابق التام بين ما حدث في أفغانستان وما يمكن أن يكون في لبنان جعل من قدرة الآلة العسكرية الإسرائيلية تفقد إمكان السيطرة التامة على ساحة المواجهة، إذ تصبح معادلة المواجهة منقسمة إلى نصفين، تستحوذ الآلة العسكرية الإسرائيلية على النصف الأول، بينما يكون النصف الثاني من نصيب المقاومة وآلتها العسكرية، وذلك بسبب عنصر المجاورة في الحدود بين البلدين، إذ لا تفصل بينهما قارات أو آلاف الكيلومترات كما كان الحال في المواجهة بين الأميركان والأفغان، وإنما عشرات إلى مئات الكيلومترات بين هدفي كل طرف، ما يمكّن قوات المقاومة من الرد والنيل من مواقع إسرائيلية ليست بمنأى عن قواعد دفاع المقاومة.

كما أن الاستراتيجية التي تعتمدها قيادة حزب الله في بناء المؤسسات العسكرية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعلاقات الدولية وهذه الأخيرة وان كانت غير رسمية في مجملها، فإن هذه الاستراتيجية لا تترك مجالا للمقارنة بين حزب الله ونظام طالبان وشبكة القاعدة. مضافا إلى ذلك، إن التدمير الذي تعرض له مبنى التجارة العالمي في نيويورك استهدف المدنيين وأودى بحياة أكثر من 3000 إنسان، ما دفع بعجلة الدعم الدولي للرد الأميركي على شبكة القاعدة ونظام طالبان لأن يتقدم من دون أن يواجه بكوابح مانعة، في حين أن العكس تماماً حصل في هذا الحدث، توغل من جنود صهاينة تمثل في قتل ثمانية وأسر اثنين منهم، فهم من جهة ليسوا مدنيين، وهم من جهة أخرى في حال حرب لكونهم يحتلون جزءا من أرض لبنان، بينما الاعتداءات الإسرائيلية أودت بحياة مدنيين وبنية تحتية واستهداف لقوافل إغاثة إنسانية تنقل مواداً غذائية ومعدات طبية. فثمة فرق بين تدمير نظام طالبان وتدمير وجود حزب الله وروح المقاومة لدى الشعب اللبناني.

إن اجندة حزب الله هي اجندة مقاومة يعلمها الإسرائيليون المحتلون، كما انهم يتبنون أجندة تتلخص في التعويل على استراتيجية الردع العسكري من خلال الهالة المحيطة بسمعة الترسانة العسكرية الإسرائيلية التي «لا تقهر» ويفترض بهم أن يدركوا تماماً أن حزب الله «رأس حربة» العرب والمسلمين يعمل على أن يقوم بدور محترف لإحداث موازنة في الصراع الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي. ويعلمون جيدا أن حزب الله هو الرقم الأصعب، وهو وحدة عصية عليهم سياسياً وعسكرياً وتفاوضياً والأكثر خطورة في المواجهة العسكرية.

مرت ثلاثة أسابيع على الشعب الفلسطيني وهو يرزح تحت آلة البطش العسكرية، من دون ناصر ولا معين، وكان الدم الفلسطيني في غزة والضفة الغربية يراق وكأنه ارخص من قارورة ماء تباع على قارعة الطريق. هكذا كان حال الفلسطينيين في الجبهة الداخلية الفلسطينية في صراعهم مع قوات الاحتلال الغاصب. كل ذلك يحدث تحت نظر وسمع قيادات حزب الله وقيادات النظام العربي والإسلامي.

ولكن أمام ذلك تختلف ردود الفعل والاستجابات فكلما كان الحس مرهفا والشعور بالمسئولية عالي الحساسية، وكلما كان مؤشر القدرة على الاستجابة التلقائية للتكليف الشرعي - الذي يعتبره حزب الله معيار حركته في الحياة - مرتفعاً، كانت ردود الفعل والاستجابات إيجابيةً ومساويةً للفعل ومتطلباته. وكلما كان الحس ميتاً والشعور غائباً والتكليف الشرعي - إن وجد في الحسبان - لا وجود له على قائمة الأفراد والأنظمة، سادت السلبية والانكفاء والضمور والانقباض والتقزم والشعور بالانقياد والعبودية. وهذه الحال، بطبيعة الحال، لا تقابل بحال، وهي اقرب إلى المحال، عند حزب الله والمقاومة الإسلامية.

وحانت ساعة الصفر التي بدأت فيها المقاومة الإسلامية عمليتها النوعية وكان لابد من رد إسرائيلي على هذا العمل غير المقبول من وجهة الطرف الإسرائيلي، إما عن طريق تفاوض دبلوماسي تشترك فيه أطراف إقليمية أو دولية، تدعو إليه «إسرائيل» لاسترجاع جندييها، ولمناقشة كيفية تبادل الأسرى بين الطرفين الذي سعى حزب الله إلى فرضه على «إسرائيل»، وإما بعملية إنزال بري واجتياح للمربع الذي تفترض «إسرائيل» أن حزب الله يتحرك فيه وبالتالي تحرر جندييها الأسيرين بجهد إسرائيلي بحت، كما لا يخفى أن أسلوب الاختراق الذي يحتل موقعا في غاية الأهمية بين قوى الصراع طويل الأمد هو الآخر لم يجد مكانا في خيارات الإسرائيليين لاسترداد جندييها، وإما أن تقوم بغارة أو غارتين ترسل من خلالهما إشارة تدل على «القدرة العسكرية» الإسرائيلية على الوصول إلى الجنوب والى بيروت والى ما هو ابعد من ذلك. غير أن خيار المفاوضة والدبلوماسية تراه «إسرائيل» مؤشر ضعف ووهن وخصوصاً إذا كان ذلك مع من لقنها درسا في هزيمة لم تنمح بعد من ذاكرة الإسرائيليين. كما انه قد يطول قبل أن تحقق «إسرائيل» في هذا الملف تقدما فترجع الجنديين، كلاً إلى حضن أمـــه!

خيار الإنزال البري، الذي يتطلب مواجهة مباشرة وبأعداد كبيرة من المشاة، هو الآخر يندرج تحت إمكان احتمال أن يقع الجنود أو بعضهم في قائمة القتلى فينضمون إلى قائمة الثمانية الذين لقوا حتفهم يوم الأربعاء الأول، أو في قائمة الأسرى الاثنين فترتفع القائمة إلى عدد أكبر من ذلك. فتتعقد المشكلة أكثر. فهي فشلت في تحقيق ذلك على أرض مكشوفة لها في فلسطين، وسعت إلى تحرير جندي واحد فقط ومضى على ذلك أكثر من ثلاثة أسابيع ولم تحقق شيئا من ذلك. خصوصاً أن أوراق الجيش الصهيوني مكشوفة للمقاومة والمقاومة تثبت كل يوم أنها لغز ليس على الإسرائيليين فحسب بل على الدولة اللبنانية نفسها فضلا عن الدول العربية.

أما خيار أسلوب الاختراق، فإنه ابعد من أن تتمكن «إسرائيل» أن تمسك بنجوم السماء بيدها يوماً، علاوة على ذلك فان عملية الاختراق عملية بطيئة وتحتاج إلى زمن طويل وهي عملية لا يستطيع الإسرائيلي الرسمي أن يواجه بها الشارع الإسرائيلي الذي سيرفض تزايد أسر جنوده واحداً بعد الآخر على أساس المراهنة على تكتيك لا يتناسب وطبيعة الإسرائيلي، لجهة طول المدى الزمني الذي يفرضه هذا الأسلوب.

بقي أسلوب الاستعراض العسكري - والضرب من بعيد، الذي كان كافياً لضمان إيصال رسالة جادة تساهم في إحداث بلبلة لبنانية لبنانية - بين المقاومة والدولة - وخارجية لبنانية عربية وعالمية. وهو خيار لم يكن مناسبا للإسرائيليين في هذه المرحلة بالذات وخصوصا أنها فشلت في تحرير الجندي الإسرائيلي في فلسطين فهي إذاً ليست مستعدة لإرسال رسائل إشعار وتهديد قد يطول أمد الاستجابة لها.

ولهذا كان الخيار الوحيد الذي يتناسب مع ما كانت تتطلع إليه منذ زمن بعيد - بصرف النظر عن عملية حزب الله التي تعتبر شرارة الحرب الأولى - فبدأت الهجمة العسكرية الشرسة العارية عن أدنى أخلاقيات الحرب والمتنافية لمجمل القوانين الدولية التي أكدت ضرورة تجنيب المدنيين والبنية التحتية ومقومات الدولة، الاستهداف العسكري.

واعتبرت «إسرائيل» هذا الخيار هو الأنسب للإجهاز على حزب الله والمقاومة، غير أنها لم تحصد بذلك إلا المدنيين الأبرياء ومبان سكنية وخدمية ومؤسسات أهلية مدنية، وذلك لانحصارها تحت ضغط العامل الزمني الخانق الذي تسعى «إسرائيل» إلى أن تختصره في اقصر مدة زمنية ممكنة. إذ إنها لا تقوى على حرب طويلة. إلا أن المقاومة نفسها لا تنهي ولا تقتلع جذورها القنابل ولا الصواريخ ولا الاحتياجات ولا حتى الاغتيالات. فلتذهب «إسرائيل» ولتبحث عن نظام عربي يطأطئ الرأس لها ويتهافت على عقد اتفاقات سلام مذلة معها، بدلاً من المراهنة على محو من يرى محوها من الوجود هدفه الاستراتيجي.

غير أننا كشعوب في الأمة العربية والإسلامية أمام خيارات ثلاثة، إما أن نعتبر حزب الله حزب السيدحسن نصر الله ورجاله والله وكيله وناصرة ومؤيدة، وكفى، وإما انه حزب لبناني على اللبنانيين أن يدعموه ويساندوه والله من ورائهم وهو حسبهم ونعم النصير، وإما أن نعتبره حزب الأمة كلها فنقوم بدور تاريخي ونترك بصماتنا على ورقة تاريخ جهاده ونضاله ونقدم جزءا من مالنا وجزءا من قوتنا وجزءا من دمنا وجزءا من أمننا وسلامتنا، وأرواحنا، لنستحق بذلك أن نكون ممن يصدق عليهم قول الله عز وجل «فإن حزب الله هم الغالبون» (المائدة: 56)

إقرأ أيضا لـ "هادي الموسوي"

العدد 1415 - الجمعة 21 يوليو 2006م الموافق 24 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً