العدد 3566 - الإثنين 11 يونيو 2012م الموافق 21 رجب 1433هـ

ذات الرداء الأبيض

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من القصص التي لم تغادر الذاكرة، قصة فلورانس نايتنجيل، الممرضة البريطانية الشابة ذات الرداء الأبيض.

قصة نايتنجيل قرأناها في المدرسة الابتدائية، مرفقةً برسمٍ مبسّطٍ لها وهي تدور بمصباحها الزيتي على جرحى حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر، لتضمد جروحهم وتقدّم لهم الطعام والدواء، وتنظف أجسادهم من الوحل والطين. وهي أول من وضع أسس مهنة التمريض الحديث وقواعدها الأخلاقية، إذ دعت للمحافظة على أسرار المريض، وعدم التأخر في تلبية حاجاته، والتحلي بحسن المعاملة ومراعاة شعور المريض. فالممرضة تتعامل مع بشرٍ، مختلفي الطبائع والميول والشخصيات. وهي من المبادئ الخالدة في مهنة الطب والتمريض.

هذه السيدة النبيلة مهّدت الطريق أمام عشرات الآلاف من الممرضات في مختلف بقاع العالم، ممن قلدتهن البشرية لقب «ملائكة الرحمة»، تقديراً وتكريماً وإجلالاً. ويد الممرضة كما هي يد الطبيب، مما يسوق بهما الله رحمته للمرضى ويخفّف بهما الآلام. وليس طبيعياً في أي حضارة أو ثقافة أو دين، أن يساقا لمحاكمةٍ أو تلفق لهما تهمة، بسبب ممارسة دورهما والقيام بواجبهما على أكمل وجه.

من هنا كانت فرحةٌ عامةٌ بإعلان خبر حصول رئيسة جمعية التمريض البحرينية رولا الصفار على المركز 11 من بين أقوى 500 شخصية عربية، في مجلة «أريبيان بيزنس»، التي تهتم بتصنيف الشخصيات وفق معايير اقتصادية عادةً، مع محاولة تجنب الدخول في تعقيدات السياسة وأشواكها.

الأكثر دلالةً وأهميةً أن تتصدّر الصفار، قائمة الشخصيات البحرينية الـ 13، (3 نساء و10 رجال)، من رجال المال وعالم الأعمال، وتكون هي الوحيدة القادمة من عالم المهن والسياسة والنضال.

عُرفت هذه السيدة شخصياً لأول مرةٍ من خلال تبنيها لملف كادر التمريض المعلّق منذ سنوات طويلة. وعرفناها جميعاً من خلال سفرها إلى قطاع غزة المحاصر ضمن وفد المتطوعين البحريني حيث شاركت في مداواة جرحى حرب غزة.

نحلةٌ دؤوبة، لن تنساها بابتسامتها التي لا تفارقها، وستعرفها برقتها وهدوئها وإنسانيتها. وفي بداية الأحداث التي عصفت بالبلاد، كثيراً ما كانت تُشاهد في قسم الطوارئ، تعالج المصابين وتضمد الجراح وتواسي المنكوبين، فتعطيك انطباعاً بأنها نايتنجيل البحرين. والكل يعرف بقية القصة، حيث انتهت بها المسيرة إلى السجن والمحاكمة، في واحدةٍ من أكثر قصص الطب والتمريض ألماً.

بعد أشهر، خرجت الصفار من السجن، نحيفةً، متماسكةً، تخفي حزنها في قلبها، رغم ما حصل لها من نكران، وظلّت تروي بعض ما لاقته من صنوف سوء المعاملة وراء القضبان، في مجتمع محافظ لم يألف عبر تاريخه الطويل سجن النساء العفيفات. وحين عرض الفيلم الوثائقي «اللؤلؤة النازفة» قبل أسبوعين في قاعة فلسطين بجمعية «وعد» قدّمت له بكلمة مختصرة، أشارت فيها إلى ما تعرضت له أكثر من 250 مواطنة بحرينية من تعذيب ممنهج، وشتائم لم تألفها، وعبارات شاذة لم تكن تعرف معناها من قبل.

اليوم لا تزال رئيسة «جمعية التمريض البحرينية» رولا الصفّار تنتظر مع زملائها الأطباء المثول مجدّداً أمام المحكمة، حيث يجري استئناف الأحكام الصادرة بحق أغلب الكادر الطبي بالسجن خمسة عشر عاماً. والعالم اليوم، دولاً وحكوماتٍ ومنظماتٍ حقوقيةً، ينتظر تصحيحاً لهذا الوضع غير الطبيعي الذي يشوّه سمعة البحرين، فيما ينتظر ضحايا السياسة والتسييس إعادة الاعتبار.

لقد أنصفت «أريبيان بيزنس» السيدة رولا الصفار، ذات المصباح الذهبي، والرداء الأبيض، والقلب الناصع كالثلج.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3566 - الإثنين 11 يونيو 2012م الموافق 21 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 4:27 م

      أم البنات

      مبروك لكل مواطن شريف يعمل بإخلاص من أجل الوطن فهنيئا لكل الشرفاء اللذين يرفعون اسم البلد عاليا وأخص بالذكر ( رئيس تحرير جريدة الوسط منصور الجمري ) والأطباء الرحيمين ومنهم ( رولا الصفار ) والحقوقيين مثل ( نبيل رجب ) والمحاميين كالمحامي ( محمد التاجر ) مبروك لكل مواطن مخلص ، قال تعالى ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرا يره )

    • زائر 14 | 6:49 ص

      الام الحنون..رولا

      هي ليست ممرضه فحسب ..هي الام الحنون..بنظراتها وقلبها النقي الناصع كقلوب الاطفال..استاذتي لازلت اذكر كلماتك ..وانت كلك حرص على مظهر الممرضات امام الملا..لا ضحك ولا شعارات ..فقط ابتسمن ..الناس هنا ليشكروكم فقط ابتسموا ..اعطوهم الفرصه لشكركم..قد تكون الازمه ظلم لنا جمعيا..لكن سبحان الله بات التمريض ونظرة الناس اليه ليست كالسابق ..هي الان نظرة احترام وتقدير لفئة وقفت وجاهدت وعانت وعاشت الآم الشعب.

    • زائر 13 | 5:28 ص

      سيدنا العزيز

      الله يحفظك فن كل سوء وعين الحسود فيها عود كبير انت ياسيد وامثالك الوطنين الغيورين ومبروك لملاك الرحمة رولا الصفار والله ينصرها على الحاقدين ورد كيدهم في نحورهم 00 ومنصورين والناصر الله

    • زائر 11 | 4:27 ص

      تستاهل الاستاذة رولا

      مبروك لها و لنا

    • زائر 3 | 2:08 ص

      هذه الذره في يد فحام

      من الصعب ان تدمع عين الرجل، ولكن مقالك سيدنا ادمع عيني.
      رولا انتي تاج على راسنا وسيرفعك الله مهما حاول الساقطون النيل منك.

    • زائر 2 | 1:37 ص

      راااااااائع

      راااااااائع القلم الذي يصوغ قطرات قلوبنا قلائداً من لؤلؤ تعلق على أعناق الأمة ... دمتَ قاسماً ملهَما
      زهرة عبد العزيز

اقرأ ايضاً