العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ

في ذكرى استشهاده... قراءة في الفكر الاقتصادي للإمام علي (ع)

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في ضوء البحوث العميقة والقيّمة التي أثارها الإمام محمد باقر الصدر، يرى الكثير من الباحثين الإسلاميين بأصالة دور الدولة في مباشرة وممارسة الأنشطة المنتجة. ما يمكن فهمه أن السيد الشهيد الصدر كان في سياق تحديد دور الدولة من خلال ما أطلق عليه منطقة الفراغ التشريعي، وهذا قد يعني عدم أصالة دور الدولة مقارنة مع دور الأمة في هذا الشأن.

وحتى يمكن بلورة فهم أفضل لوضع سياسة التنمية الاقتصادية من وجهة النظر الإسلامية، من الضروري تحديد الطرف الموكول إليه مباشرة الأنشطة الإنتاجية في الأصل، هل هو الدولة، أم الأمة (القطاع الخاص) أم كلاهما؟ وللإجابة على هذا السؤال، نستعرض كيف تعامل الإمام علي (ع) مع بيت المال، وطرق صرف وارداته، وأسلوب التوزيع في سطور قليلة اخترنا ما يفي بالحاجة هنا. كذلك، فإن تبيان ذلك مفيد ونحن نشهد الخبط العشواء من قبل البعض حين يتحدث عن سياسة الإمام في التوزيع، إذ انه جعل سياسته الاقتصادية وفق المقولة الشيوعية «كل بحسب طاقته ولكل بحسب حاجته»، ولم يكتف بجعله- استغفر الله - مجرد اشتراكي يطبق مقولة «كل حسب طاقته ولكل بحسب عمله» وهي المقولة التي تعتبر جسرا مؤقتا للوصول إلى مرحلة المقولة الأولى أي مرحلة تحقّق المجتمع الشيوعي، هذا الجسر الذي انهار قبل الوصول لذلك المجتمع الوهمي في الضفة الأخرى من النهر الوهمي أيضاً.

سياسة الإمام تجاه بيت المال

لقد كانت عائدات بيت المال تنفق على نحوين (أنظر الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع)): المصارف العامة، مثل كفالة الفقراء والعاجزين، وأسر الشهداء، ورواتب العاملين والقضاة والجنود، والخدمات العامة، وديات المقتولين ممن ليس لهم ضامن، وقروض الغارمين وغيرها من المصارف التي تتكفل بها الدولة. وبعد دفع العطاء والحصص للمذكورين آنفا من بيت المال، يقسم الفائض عن ذلك بين عامة الناس بالسوية.

وقد سعى الإمام علي (ع) في سياسته في توزيع الثروات العامة مراعيا عدّة أمور أهمها فيما يتعلق بموضوعنا هذا أمرين: الإسراع في إنفاق ما فضل من بيت المال، ورفض مبدأ الادخار من جانب الدولة، فلم يكن الإمام ليبقي في بيت المال شيئا ولو لليلة واحدة.

الإسراع في التوزيع

بغض النظر عن وضع الدولة في العصر الراهن والحاجة لحفظ المال، فان الإمام (ع) لا يتبنى سياسة ادخار المال من قبل الدولة، وهذه السياسة نفسها كانت متبعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد اختط الخليفة الأول، أبو بكر الصديق نفس المنوال، ولكن الحال تغّير في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، عندما دوّن الدواوين، ورأى خلاف ذلك.

وعن مسألة عدم ادخار المال من قبل الإمام (ع)، يروي الإمام احمد بن حنبل « إنّ عليا كان يأمر ببيت المال فيُكنس، ثم ينضح، ثم يصلي رجاء أن يشهد له يوم القيامة أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين».

وكلما فاض بيت المال، بمال زائد عن الحاجات ووجوه المصارف التي ذُكرت آنفا، يبادر الإمام بتوزيعها. وهذا ما يرويه الامدي، وكذلك روى مثله أبو عبيد في كتابه الأموال إذ جاء فيه:» إنّ عليا أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصفهان، فقال: أغدوا إلى عطاء رابع، إني لست لكم بخازن،... «. وكان يعجل توزيع ما في بيت المال، حتى أنه لا يبقيه لليلة واحدة.

جهود التنمية الاقتصادية

على ضوء ما سبق، يبدو من قراءة سيرته عليه السلام، أنه يفضل أن تقوم الأمة وأفرادها « القطاع الخاص « بجهود التنمية الاقتصادية، فقد كانت سياسته في التوزيع تقوم على تقسيم ما يفضل من بيت المال، ولا يبقى شيئا، وكان يعتبر الاستثمار في الشعب هو خير ادخار للدولة.

النقطة المهمة هنا، إنّ ادخار الأموال في بيت المال لا معنى له من دون تثميرها في مشروعات إنتاجية، وإنّ عدم ادخارها كما كان يفعل الإمام (ع) - اذ يوزّعها فلا يبقي شئ - يعني أنّ عبء التنمية الاقتصادية وخصوصا مباشرة النشاط الإنتاجي في نظره إنّما يتم من خلال «القطاع الخاص».

وبما أن التنمية الاقتصادية، تحتاج لرأس مال لا يتكون إلا عن طريق الادخار، لذلك يحث الأفراد على التوفير والاقتصاد في حياتهم المعيشية، معتبرا الاقتصاد وسيلة للتنمية الاقتصادية. يقول الإمام في هذا الشأن: « الاقتصاد ينمي القليل «. وأكثر من ذلك، وفي سبيل الحث على الادخار، يعتبر ما زاد على الاقتصاد محسوبا على الإسراف والذي حرّمه الله، يقول: « كل ما زاد على الاقتصاد إسراف».

استنطاق التاريخ

لقد تعرّض الكثير من الباحثين الإسلاميين لدور الدولة، ورأيي أنها مسئولة عن التنمية الاقتصادية وذلك بممارسة الإنتاج واستثمار مصادر الإنتاج بشكل مباشر.وهؤلاء الباحثون ربما راعوا مسألة الإباحة والمصلحة لقيام الدولة بهذا الدور في ظروف معيّنة. أما إذا ما تم استنطاق تاريخ الإسلام، وخاصة تاريخ الدولة في عهد الإمام علي (ع)، فإنّه إذا استثنينا الخدمات وعمال الخراج، فإن إقامة المشروعات الإنتاجية وتوظيف العمّال في هذه المشروعات، لم تقم به الدولة الإسلامية-حسب ما اطلع عليه الكاتب. وفيما يتعلق بدور الدولة الخطير، فيتمثل في توجيه الحياة الاقتصادية من خلال رسم سياسة التنمية الاقتصادية، سواء على مستوى الإنتاج أو التوزيع، ومراقبة السوق والتّدخل فيها، فترسم السياسة الكفيلة بتنشيط الإنتاج، وتمارس التوزيع العادل بحسب التصورالإسلامي.وهذا يدلل على أن القيام بالنشاط الاقتصادي وخصوصا ممارسة الأنشطة المنتجة بشكل مباشر - كما يرى كاتب السطور- هو في الأصل من دور الأمة والأفراد، لا الدولة

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً