العدد 1507 - السبت 21 أكتوبر 2006م الموافق 28 رمضان 1427هـ

يا عمال القطاع العام (الحكومة) استظلوا

وداد كيكسو comments [at] alwasatnews.com

بات الحديث عن الحركة النقابية في مؤسسات القطاع العام شأناً عاماً ملحاً على ساحة العمل الوطني. بعد التطورات المتلاحقة وقبل أن نخوض في الأسباب الموجبة، وددت أن أذكر القارئ بان تاريخ العمل النقابي في القطاع الحكومي يرجع إلى ما قبل الاستقلال ومنه ما حدث في العام 1968 حين أضرب عمال وزارة الكهرباء في وقفة شجاعة رغبة في زيادة أجورهم وتحسين ظروف العمل وتوفير المواصلات وأدوات السلامة والمطالبة بنقابة عمالية وضمان اجتماعي، وتحققت لهم معظم مطالبهم إلا المطلبين الأخيرين، إذ إن عقلية الحكام قبل وبعد الاستقلال ذاتها ترتعب مما يسمى النقابات وتعتبرها مرادفة للأحزاب في درجة خطورتها على النظام واستمر حراك العمل النقابي في القطاع الحكومي متأثراً ومؤثراً في الحراك النقابي العام واشتدت جذوته بعد الاستقلال ومنه حراك عمال وموظفي وزارة الصحة في العام 1974 الذي تمثل في تشكيل مؤتمر تأسيسي صدق على مسودة نظام أساسي لتنظيمه النقابي، وذلك قبل الضربة التي تلقتها الحركة العمالية من السلطة في يونيو/ حزيران من العام نفسه.

على رغم قانون أمن الدولة الذي صدر في العام 1973 إثر حل المجلس النيابي فقد ظل حراك عمال وموظفي القطاع العام مشهوداً له، والذي يوثقه نص الرسالة التي وجهتها نقابة عمال الكهرباء في أكتوبر/ تشرين الأول العام 1976 إلى وزير العمل والشئون الاجتماعية التي تضمنت مطالبهم من بينها إطلاق حرية العمل ومساواة العمال البحرينيين بالأجانب فيما يتعلق بمطلق الامتيازات الممنوحة لهم وغيرها من مطالب، وتم إرسال نسخة من تلك الرسالة إلى سكرتير الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية واتحاد العمال العالمي ولجنة حقوق الإنسان والأمين العام لجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات ومنها العمالية العربية والدولية.

وخلاصة القول إن العاملين في القطاع العام لم يستثنوا من تاريخ الحراك العمالي ونضالاته عبر العقود الماضية وكانت مساهمتهم بارزة في تشكيل ودعم اللجنة التأسيسية لاتحاد العمال والموظفين (المستخدمين) وأصحاب المهن الحرة في العام 1971 وكذلك في اتحاد عمال البحرين في الداخل والخارج الذي شكل في العام 1978 بعد حل اللجنة التأسيسية في العام 1972 إثر موجة الحراك والإضرابات التي شملت الكثير من الشركات ومؤسسات الدولة. كما لا يفوتنا التنويه بالدور الرائد الذي مثله اتحاد العمل البحراني في الخمسينات من القرن الماضي.

إذا تقصينا الحراك النقابي في القطاع العام في الآونة الأخيرة فسنجد أنه قد نشط في سبع من وزارات الدولة حتى كتابة هذه السطور ابتداء بـ “الكهرباء” وانتهاء بوزارة المالية (قطاع الموانئ).

إن تاريخ العمل النقابي ونضالاته ومنذ الثلاثينات من القرن الماضي قد تمحور في نقطة رئيسية مهمة مفادها تأكيد حق العمل النقابي ومع الإشهار به كحق من حقوق الإنسان وحق من حقوق المواطن والتأكيد الضمني لحق الممارسة الديمقراطية في إيصال آراء العمال وتثبيت مصالحهم كطرف في المعادلة الثلاثية لعملية الإنتاج أسوةً بأرباب العمل والحكومات ولا أدلّ على ذلك إلا طبيعة التمثيل لهذا المثلث في الجهاز التنفيذي لمنظمة العمل الدولية ومنذ تأسيسها في العام 1919 ومع تنامي الثورة الصناعية وما فرضه واقع الحال من تداخل مصالح الأطراف الثلاثة في عملية التنمية ومخرجاتها.

وعودةً إلى نقطة البدء وهي الأسباب والدوافع الموجبة لتنظيم العاملين في القطاع الحكومي (العام) تحت مظلة نقابية واحدة تكون جزءاً من الاتحاد العام لعمال البحرين... نذكر الآتي:

1- في مقابل وحدة الحكومة (كمنشأة) كرب عمل لمجموع عمال وموظفي القطاع العام فإن واقع الحال يؤدي إلى وحدة هؤلاء المستخدمين في شكل تنظيمهم وتمثيلهم وذلك لغرض التوازن في مبدأ التفاوضية.

2- إن قوانين ما يسمى الخدمة المدنية من شروط توظيف وسلم رواتب وإجازات وتدريب وترقٍ وفصل... حتى قوانين مظلة التقاعد تشمل هؤلاء المستخدمين جميعاً في كفة واحدة، ما يعني ان حقوقهم وواجباتهم الموحدة في الحصيلة ترفضها وتحددها الكفة الأخرى - أي الحكومة - من دون تمثيل لهم وبالتالي لمصالحهم الحقيقية.

3- إن ديناميكية التنمية وعلى رأسها تطوير وتحسين الإنتاج والإنتاجية تتطلب توافق وقبول مصالح جميع أطراف الإنتاج.

4- إنه وفي ظل تفعيل إرادة العمل الإصلاحي الذي شرعه الدستور وميثاق العمل الوطني، أضحى العمل النقابي في مؤسسات القطاع العام عاملا مهماً ومسانداً في تقويم الانحرافات عن خطوط المصلحة العامة للوطن والمواطنين وعلى رأسها التصدي للفسادين الإداري والمالي بأنواعهما ولسياسة التمييز بأشكالها العشائرية والطائفية وذلك في التعيين والترقي والتدريب وغيرها التي تشمل إحالات التقاعد والمعاشات التقاعدية وما يتعلق بها.

5- إن سياسة الحكومة الاقتصادية فيما يتعلق بتحرير الأسواق والتزاماتها المترتبة على اتفاق منظمة التجارة الخارجية وكذلك الاتفاقات الثنائية بينها وبين الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية يدفعها إلى تطبيق وتنفيذ التزاماتها ومنها الخصخصة وإلغاء الإعانات وغيرها... وقد شهدنا فعلاً تطبيق سياسة الخصخصة في بعض مؤسسات الدولة الإنتاجية - من بينها الخدمية - ولمّا كانت الحكومة - للأسف - انتقائية في تطبيق التزاماتها وواجباتها فيما يتعلق بهذه الاتفاقات فتسرع نحو تحقيق التزاماتها تجاه الخارج - نتيجة لضغوطه - وتتقاعس عن التزاماتها تجاه الداخل الذي يمثل مصالح الوطن والمواطنين، فقد أصبح لزاما على مستخدمي وموظفي القطاع العام الإسراع في تأسيس وتوحيد نقاباتهم على مستوى القطاع قبل فوات الأوان وكما يقول المثل “قبل ما يطيح الفاس على الراس”.

6- لاشك في أن وجود نقابات في مؤسسات القطاع العام أو تأسيسها وحدة واحدة على مستوى القطاع فهي تكمل حلقة مفقودة في العمل النقابي العام على مستوى الوطن لا تستقيم ولا تقوى دعائم هذا العمل النقابي إلا بتوحيد مظلته... فإن ما هو قطاع عام قد يصبح قطاعاً خاصاً والعكس صحيح؛ لأن متغيرات مصالح قوى النفوذ وقوى السوق العالمية لابد ان تفرض نفسها، كما تستجيب قوة العمل لمصالحها في الانتقال من العام إلى الخاص أو العكس.

من جهة أخرى، إن هموم قوة العمل واحدة وعلى رأسها الأجور - على سبيل المثال - ولا يخفى على أصغر عامل أو مواطن مدى تصلب أرباب العمل بما فيها الحكومة في التصدي للمطالبة بزيادة الأجور على مدى العقود الماضية.

7- إن الممارسة الحقة والكاملة للعمل النقابي في المجتمع الاقتصادي تؤدي إلى تنمية أفكار السلوك الديمقراطي منها ما يتعلق بمبدأ التفاوضية الجماعية وقبول مع الإقرار آراء ومصالح الطرف الآخر، وكذلك الفهم المتبادل، والمشترك لظروف وموجبات عمل طرفي التفاوض وكلفة ذلك على الأسعار والأداء الاقتصادي.

8- إن قراءة متأنية لتاريخ النضال من أجل إقرار الحق النقابي ومنذ اكتشاف النفط في العقد الثالث من القرن الماضي حتى اليوم نجد أن طرف أرباب العمل وعلى رأسه الحكومة يلعب دور القط مع فأر يصبح ممثلا لطرف قوة العمل (العمال والموظفون) فان أجبر الطرف الأول على سن وتشريع قوانين للعمل تحقق مصالح الطرف الثاني فما يكون من الطرف الأول إلا أن يخلب بأظافره ومن خلال القرارات والسياسات ذات الوجهين.

على سبيل المثال... لمّا بدأ عمال شركة النفط البحرينيون مطالبهم بتحسين ظروف عملهم أسوة بالعمال الأجانب استصدرت الحكومة قرارات استيراد العمالة الأجنبية (الهندية خصوصاً) لتقفز على مطالب وحركة العمال البحرينيين ومطالبهم المشروعة وبدأ تسريحهم مع الاستغناء الجزئي والتدريجي عن العمال الوطنيين ثم بعد ذلك وتحت شعار مرحلة إنشاء البنية التحتية وما تتطلبه من وفرة في العمالة النوعية تم إغراق السوق المحلية بالعمالة الأجنبية... كان ذلك منذ الأربعينات حتى منتصف السبعينات... عندما بدأت مؤشرات بطالة غير طبيعية تنمو بشكل مطرد في المجتمع الاقتصادي (قوة العمل) - لمزيد من التفاصيل راجع كتاب المؤلفة “واقع اقتصاد العمل في ظل برامج التنمية السياسية والاقتصادية في دولة البحرين”، مركز البحرين للدراسات والبحوث -.

وكرد فعل من جانب الحكومة للحد من نمو معدلات البطالة بين البحرينيين لجأت إلى ما يسمى “سياسة وخطة البحرنة” التي بدأت بالقطاع العام تلاه القطاع الخاص على مراحل تدريجية ولكن للأسف لدى تقييم هذه السياسة بخططها المزعومة وبما رافقها من موازنات التدريب (بلعها القائمون على تنفيذها) فإن ما أفرزته بطالة مقنعة للعمالة البحرينية قابلها نمو في حجم العمالة الأجنبية أدت في نهاية المطاف وبعد عقدين من الزمن إلى تفاقم مشكلة البطالة حتى أضحت ظاهره سياسية اجتماعية في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي.

9- وكاستمرار في سياسة لعبة القط والفأر من جانب الحكومة وللقفز على تفعيل وإحقاق المطالب المستحقة عبر سياسة البحرنة، لجأت إلى سياسة التجنيس مستعينة بمخلبها عبر القرارات المشروعة ذات الوجهين... دائماً ذات الوجهين (ظاهر وباطن) وانه ليخيل للمراقب ان حكومة نصف قرن قد تملك من الإمكانات ما يؤهلها لـ “الشروع” في تغيير طبيعة مكونات قوة العمل التي هي في الغالب القوة الانتخابية في المجتمع قبل أن تتمكن هذه الأخيرة من امتلاك شرعية تغيير الأولى.

للأسف إن لعبة القط والفأر الكسيح لاتزال تأخذ وجوهاً متعددةً آخرها ما يسمى “سياسة توطين الوظائف” لمكافحة البطالة بدول الخليج. إن الدعوة إلى مثل هذه السياسة الآن كمثل الدعوة إلى حق أريد به باطل! إن الدارس والمراقب لمثل هذه الدعوة التي تنطلق من البحرين وتبدأ الأخيرة بوضع أطرها الشرعية وتنفيذها لابد ان يطرح أسئلة عدة من أهمها: ما الهدف من هذه السياسة الآن وقد مضت عقود عدة على إنشاء مجلس التعاون الخليجي؟ كما أن البحرين خصوصاً والمنطقة عموماً كانت ولاتزال تعاني من معدلات بطالة عالية بين مواطنيها منذ ما يقارب الربع قرن!

ما الهدف من هذه السياسة التي في ظاهرها الدعوة إلى التوحيد وإلغاء الحدود في الوقت الذي مازال المواطن الخليجي ينتقل بين دولة وأخرى من دول مجلس التعاون كما ينتقل إلى دول خارج هذا المجلس؟ ما الهدف من هذه السياسة على واقع مكونات المجتمع البحريني خصوصاً على المديين المتوسط والبعيد وذلك في ظل سياسات التمييز والإقصاء والتجنيس المعلنة وغير المعلنة التي تنتجها مملكة البحرين؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في مواجهة سياسات قائمة الآن أو في المستقبل لا تصبح فاعلةً إلا من خلال حسم نقابي قوي موحد على مستوى الوطن يشمل القطاعين العام والخاص ويكون في مستوى المجابهة لواقع اقتصادي محلي وعالمي متغيرين يحكم موازين القوى

إقرأ أيضا لـ "وداد كيكسو"

العدد 1507 - السبت 21 أكتوبر 2006م الموافق 28 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً