في تلكم «البسطة» كان الأهل يجتمعون لتبادل أطراف الحديث... هذا يتكلم عن غلاء الأسعار في فترة ما قبل العيد، وذاك يجر أذيال ما يجري في منزله إلى الأصحاب، ولا عجب أن ينتهي المجلس الخرافي في منتصف الليل.
«لم تبق إلا أيام قلائل على العيد يا جماعة، بس إن شاء الله شيوخنه يضبطون النظام هذي المرة ونفطر كلنه جميع»... الحاج علي أحمد كان المتحدث، ولا غرو أن الحاضرين قد حاصروه بنظرهم لأنهم يعلمون علم اليقين بأن وراءه طُرَف وأحاديث لا تُمَلّ. انطلق في حديث غير مقطع «والله يا جماعة الخير، الأول كان الناس في العيد متفقين على الأقل، نعيّد في يوم واحد ونصوم في يوم واحد، لكن الله يغربل هذا الزمن... أذكر قبل سنتين نمت وكان الكل يقول أن العيد بُكرة، وطال النوم وما وعيت إلا الساعة 9 الصبح، وأنا أحسب اليوم عيد، طلعت بسرعة - وصليت قضاء بعد - عقب صلاة الصبح، ورحت الحلاق وكنت مستغرب الطريق خالية من الناس».
يأخذ الحاج «مزة» من «النارجيلة» ويعود «ما صدقت خبر، حلقت ودخلت الدكان وأنا أقول للجماعة عيدكم مبارك، ضحكوا وردوا عليي عايدين وسعيدين، صح النوم يا خوك! ردهم كان عادي وأخذت ليي غرشة كراش وأخذت أشرب وإلا أبو منصور راعي البرادة يقول لي: سوّد الله وجهك يا حجي علي، تفطر اليوم وبعدنا ما عيّدنا، فلت الغرشة من إيدي وهربت من الفشلة، وظليت في البيت أسبوع ما طلعت، ما تسوى واحد يشوفني ويقول هذا اليوم فطر قبل العيد بشيباتي»!
... وفرّ الديك بلا رأس!
هدأ الحاضرون من الضحك وممازحة الحاج علي، ولم يسكنوا حتى انتقلت دفة المجلس إلى أبوعمّار المعروف بـ «أبو شلاخ»... «هذا انتون ما تدرون ويش اللي صار في بيت أبويي يوم كنت صغير. تعرفون زمان ما كان الواحد يقدر يذبح تيس أو خروف، وَلْب الواحد على ديج أو دياجة مريضة! عموماً، الوالد كان عنده جم دياجة في البيت، وكان الديج يكسر البيض ويقتل لفروخ، وقرّب العيد وقال لازم هالديج الملعون ناكل لحمه. زين، صاد الديج وجابه الساعة 11 الظهر تقريباً، وسَنّ السكين وقرب الديج، حتى أذكر شرّبناه ماي حار... أخذ السكين وقال باسم الله وإلا راس الديج في صوب وجسمه في صوب. كنا متجمعين نطالع الرقبة وكل واحد يقول ليي، وما وعينا إلا الديج مو محله وهرب من العشة بلا راس!». الهدرة قامت في البسطة بعد «الجِزْمَه» الكبيرة اللي رماها حجي علي على الجماعة، لكن أحد الحضور قطع النزاع وسأل «وين راح الديج بلا راس؟». لم يصدق حجي علي السؤال وانطلق من جديد «والله يا خوك دورناه يوم كامل، ويوم رجعنا المغرب سمعت صوت السنانير تتهاوش ورا العشة وما رحنه إلا صاحبنه مسدوح والكل في ضروسه نتفه منّه»!
الخروف الأجرب العجيب!
الخرفان، وما أدراك ما الخرفان في الأعياد، فهي الضحية الأولى والأخيرة إذ تقدم قرابين إلى سكاكين القصابين... ولدى حسين مرهون حكاية غريبة يرويها لنا عن الخرفان في زمن العجائب. يقول مرهون: «أنا لم أشهد الحادثة، ولم أر مثلها أبداً، ولكن صديقي يؤكد لي أنها حادثة وقعت فعلاً في إحدى مناطق البحرين»... يواصل «نذر أحد الأشخاص في سند بأن يذبح خروفاً في العيد ويوزع لحمه على الفقراء إذا شافى الله والدته، وفعلاً شفيت والدته من مرضها واشترى الخروف من السوق. كان الخروف وسخاً للغاية، حتى أن أهل البيت لا يعرفونه إلا بالخروف الأجرب! مرت الأيام واقترب العيد، واقترب اليوم الموعود للذبح، كان الأهل حافّين بالخروف الأجرب، يترقبون ساعة الحقيقة حين تمر سكين القصاب على رقبة الخروف المسكين وليتحقق النذر ويكتمل العيد».
لم تكن كل المعلومات عن القصة الغريبة حاضرة لدى مرهون، فاسترجع ورجع ليكمل «سقى القصاب الخروف بالماء، وحين أراد أن يقطع رقبته صدر صوت غريب من الخروف وكأنه يقول: «لا» بطريقة الخرفان! بينما كان القصاب يهمّ بالعملية، صرخ صاحب البيت عليه: لا تقتل الخروف المبروك، لا تقتله، ألا تسمعه يقول لا، إنها معجزة، وكأني بالله أراد أن لا نذبح الخروف وقَبِل النذر»! لم تكن هذه النهاية للقصة طبعاً، يقول مرهون: «منذ ذلك اليوم، تحول اسم الخروف من الأجرب إلى الخروف المبروك تارة والخروف المعجزة تارة أخرى! وقام أهل البيت بتنظيفه وإطعامه أفضل الطعام، بل إنهم يدعونه يتحرك في الفريق بحرية تامة حتى جاء اليوم الذي دهس سائق شاحنة الخروف المبروك وتركه مذبوحاً على قارعة الطريق»!
ولعل قصص الخرفان العجيبة هي القصص التي لا تخلو منها المجالس، إذ ينقل لنا محمد إبراهيم أنه كان يسير في الشارع قبيل الإفطار في شهر رمضان في أحد الأعوام الماضية، وكان أمامه سائق شاحنة رصت فيها الخرفان رصّاً، وكان السائق متهوراً حتى أوقع أحد الخرفان في الشارع، ومن سرعة الخروف كان يسابق السيارات ودخل إحدى القرى ولم يجد أحد له أثراً منذ ذلك اليوم. يالها من خرفان، ولكن يبدو أن رفيقنا كان يتخيل لحم الثريد حين كان يهم بالرجوع إلى المنزل حتى خال له أن الخروف سيارة أو دراجة هوائية!
المفرقعات... هدية العيد!
ولدى أنور سلمان وهو بائع جوال حكاية أخرى، ومن عالم آخر إذ يقول: «في عامين متتاليين، يترصد لي مجموعة من الأطفال بالقرب من المنزل وعند الحافلة التي أتنقل فيها بالملابس الجاهزة، ويقومون بوضع الطماطم والبيض المارق، ويصبغون بها الإطارات، حتى إذا وقفت في الأسواق لا تقترب النساء من بضاعتي هرباً من الرائحة الكريهة، وفي مرة من المرات أخذت استعدادي لهذه المؤامرات الصبيانية، واشتريت سائل يطهر ويطيّب الرائحة، والغريب ما حدث بعد ذلك».
يواصل «أظن أن هناك من ينقل استعداداتي للأطفال الشريرين، وأشك في ولدي (حمدو)... عموماً، وضع الأطفال هذه المرة خليطاً من الثوم والبيض المارق الذي لا يزول حتى لو وضعت عليه (تيزاب)»!
أما نواف محمد فلديه حكاية خاصة مع المفرقعات، فبينما كان يمشي في الطريق ذاهباً في سبيله كبقية الناس في العيد، مر على فريق ورمى عليه أحدهم مفرقعات أصابته بحروق في يديه لايزال يحتفظ بها حتى يومنا هذا. الولد الذي رمى المفرقعات يقول إنه كان ينتظر ولداً قام بضربه في المدرسة، ولكن نواف أكل المكيدة وأصيبت «إيده»!
العيد يطل علينا ببهجته من جديد، يحل بحلته ويبقى عيداً وإن اختلف بين الشمال والوسط والجنوب في البحرين، وإن اختلفنا في أيامه يبقى عيداً ولا مانع من الاحتفال في يومين متتاليين... ولا ندري، هل ستكون للخرفان في هذا العيد حكايات أم لا، وهل سيكون للحاج مكي قصة مع الثيران، فهو الشخص الذي قهر الثور الهائج قبل سنين، وأمسكه قبل أن يفر في سترة وطرحه أرضاً، ولكنه لا ينسى أبداً حكايته مع الثور الذي رفسه في العين وكاد أن يفقده نظره. ولكن الحاج مكي لايزال يذكر هذا الحادث لأنه كلما أراد أن يذهب للبقالة أو الخباز يعرج على الشارع الرئيسي وفي كل مرة يسلم من دهس السيارات. ومن يدري، ربما كان لرفسة الثور العنيفة أثرها في رأس وذكريات الحاج مكي الشهير‡
العدد 1510 - الثلثاء 24 أكتوبر 2006م الموافق 01 شوال 1427هـ