العدد 3590 - الخميس 05 يوليو 2012م الموافق 15 شعبان 1433هـ

نحو مشروع وطني لإنقاذ العراق

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

من جديد عادت عمليات التفجير والقتل على الهوية، ليستمر العراق غارقاً إلى أمد مجهول في الفوضى وانعدام الاستقرار والأمن، الذي صاحبه منذ احتلاله، تحت ذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وإقامة علاقات مع تنظيم «القاعدة». ولاحقاً بعد أن تكشف للعالم زيف مسوغات الاحتلال، جرى الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، كمسوغات للعدوان ومصادرة دور العراق تاريخاً وحضوراً وهوية.

اعتمدت العملية السياسية في العراق، التي هندس لها السفير الأميركي، بول برايمرز على القسمة بين الإثنيات والطوائف. واستبعد بموجب قوانين الاحتلال، الحزب الذي قاد السلطة في الثلاثة عقود ونصف العقد التي سبقت الاحتلال، عن المشاركة فيها تحت شعار اجتثاث البعث. وكان من نتائج هذه العملية السياسية أن أصبح العراق رهينة بين الأميركيين والحكومة المعينة، من قبل الاحتلال وإيران وحلفائها.

لم تتحقق وعود إدارة الرئيس الأميركي، جورج بوش بتحويل العراق إلى واحة للديمقراطية، بل تحول العراق إلى إقطاعيات بين الطوائف، وجرى تهجير متبادل لعشرات الألوف من العراقيين من منازلهم. وكانت نتيجة ذلك هيكلة العاصمة بغداد، ومدن عراقية أخرى كثيرة على أسس طائفية، واضطر أكثر من خمسة ملايين عراقي للرحيل عن وطنهم، إلى الخارج، هرباً من فرق الموت.

سقط مئات الألوف من القتلى، جراء الصراع الطائفي وطغيان حالات الانتقام والثأر التي نفذها القادة الجدد للعراق والميليشيات السياسية التي ارتبطت بهؤلاء القادة. وشهدت سجون أبوغريب والمطار والجادرية، التي يشرف على بعضها جيش الاحتلال، وعلى بعضها الآخر، الميليشيات التابعة لتيارات مختلفة ما تقشعر له الأبدان من عمليات قمع وتعذيب، وهتك للأعراض وانتهاك للحرمات، أصبحت في حينه مواضيع رئيسية لكبريات الصحف العالمية وفضائيات التلفزة. ولم تتمكن الحكومة المعينة من ضبط الأوضاع وتحقيق الأمن والاستقرار للعراقيين.

ومن جهة أخرى، لم تتمكن المقاومة العراقية، رغم بسالتها والتضحيات الجسيمة التي قدمتها، بسبب الحصار المفروض عليها إقليمياً وعربياً ودولياً من حسم الصراع لمصلحتها رغم الإعلان عن انسحاب جيوش الاحتلال. والنتيجة أن النصر السياسي الذي حققته المقاومة لم يترجم في شرعية ثورية تمكنها من استعادة العراق العربي الحر، وتحقيق صبوات العراقيين في الحرية والكرامة والاستقلال وتقرير المصير.

بعد أكثر من تسع سنوات على احتلال أرض العراق، لم يعد من المقبول استمرار حالة التردي والضياع في هذا البلد العزيز. إن استمرار هذه الحالة، لا يشكل تهديداً للمصالح الوطنية للعراقيين فحسب، بل إنه تهديد حقيقي للأمن القومي والوطني للبلدان العربية مجتمعة، وبشكل خاص البلدان المجاورة، وفي هذا السياق، لن يكون مجدياً أن ينتصر العرب لفريق طائفي على حساب آخر، لأن ما ينتج عن ذلك لن يكون سوى تسعير الصراع وتصعيد حالات الاحتراب، وتفتيت الوحدة الوطنية، وبقاء أرض العراق في عزلة عن انتمائها القومي ومحيطها العربي.

لابد من حل خلاق ومبدع، ثابته الأول العمل على استعادة الوحدة الوطنية بين العراقيين، ولن يكون هذا الحل مجدياً ما لم ينطلق من رفض إفرازات احتلال العراق جملة وتفصيلاً، بما في ذلك العملية السياسية التي استندت على المحاصصة بين الطوائف، وإلغاء قرارات الاجتثاث التي ارتبطت بتلك العملية.

إن ذلك يعني بداهة أن يمتلك العراقيون القدرة على الإمساك بزمام مقاديرهم، ويغلبوا الهوية الوطنية على ما عداها من الهويات الجزئية، وأن يصاغ دستور جديد للبلاد، يؤكد انتماء العراق للوطن العربي، ويعيد لحضوره التاريخي الاعتبار، لتعود الانتماءات الطائفية والهويات الجزئية للخلف، لصالح الهوية الجامعة.

ويتطلع الكثير من العراقيين، أن يضطلع القادة العرب، وفي مقدمتهم قادة دول مجلس التعاون الخليجي بدور رئيسي في إنقاذ العراق وصياغة برنامج وطني لإخراج هذا البلد الشقيق من النفق الذي يغرق فيه، برنامج يؤكد المصالحة بين العراقيين، وقيام حكومة انتقالية تشارك فيها مختلف القوى الوطنية، ولتشمل مكونات النسيج العراقي كافة. ويكون من مهامها الانتقال بالعراق من الحالة السياسية التي نتجت عن القسمة بين الطوائف، إلى حالة الدولة المدنية، حيث الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وتمكين مؤسسات المجتمع المدني ومختلف التيارات الفكرية من المساهمة في بناء العراق، والإعلان عن دستور جديد، يعيد الاعتبار للهوية الوطنية، وينأى عن مشاريع القسمة والتفتيت، ويرفض الهيكلية الطائفية.

وسيكون من المهم تشكيل لجنة مستقلة لصياغة الدستور، يجري اختيارها من فقهاء ضليعين بكتابة هذا النوع من المواثيق، ركنه الأساس التسليم بالندية والتكافؤ والمساواة في الحقوق بين مختلف الطوائف والأقليات القومية، اعتماداً على سيادة وتغليب مفهوم المواطنة. وتحقيق انتخابات نيابية، برقابة دولية لضمان نزاهتها، وأن تكون الخطوات السياسية اللاحقة منسجمة مع روح الدستور ونصوصه، بعيداً عن اعتماد الهويات الجزئية، في تحديد الدوائر والمنافع.

ويحدد الدستور، طريقة انتخاب رئيس الدولة، الذي يفترض فيه أن يكون من أب وأم عراقيين، ضماناً لتجنب حدوث أي اختراقات إقليمية، خاصة في هذا المنعطف الخطير من تاريخ العراق. وسيكون مفيداً أن يجري تعميم ذلك على الانتخابات النيابية وتعيين الوزراء، والمناصب الرئيسية في الدولة.

وبالنسبة لشمال العراق، وحساسية الوضع فيه والوضعية الخاصة التي ارتبطت بقيام الحكم الذاتي في مناطقه، فإن المصلحة الوطنية تقتضي الحذر عند سن القوانين واللوائح المتعلقة بأوضاعه في الدولة المركزية. والأجدى أن تبقى علاقة المؤسسات الكردية بالدولة المركزية، كما هي عليه، إلى أن يتعافى العراق، ويتحقق التوازن في القوة لمصلحة تقوية المركز، على ألا تغيب في كل الأحوال، الأماني القومية المشروعة للشعب الكردي الشقيق، ضمن دولة عراقية قوية ومنيعة، قادرة على التصدي للعدوان، وأخذ مكانها اللائق بين شقيقاتها الدول العربية، تعزيزاً للعمل العربي المشترك، وصيانة لمستقبل الأمة.

تلك نقاط علّها تكون كفيلة باستعادة العراق، ليصبح وطناً لكل العراقيين، وليعود لممارسة دوره التاريخي على صعيد الأمة، وليخرج من حالة الفوضى وانعدام الأمن، والأمل معقود على أن يتحمل العرب مسئوليتهم القومية في حماية العراق، لأن في ذلك نصرة لبلد عربي شقيق، وشعب مظلوم، وتأكيداً على التضامن والتلاحم بين الأشقاء.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3590 - الخميس 05 يوليو 2012م الموافق 15 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:24 ص

      عاش العراق العظيم

      أستاذ ي مقال راءع بس لماذا لم تذكر دور الدول الرجعية التي تغذي الطاءفية ولا تريد ان يتعافي العراق

اقرأ ايضاً