العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ

الامتداد الآرامي الأكدي لألفاظ «ثقافة النخلة»

تناولنا في الفصول السابقة العديد من الألفاظ التي أمكن أن نعيد أصلها إلى اللغة الآرامية أو اللغة الأكدية, وأياً كانت نسبة تلك الألفاظ من مجموع الألفاظ السائدة على السن العامة إلا أنها تكفي لتكون دليلاً على وجود لهجات عربية متأثرة باللغتين الآرامية والأكدية وهي اللهجات التي عرفت باللهجات العربية الحضرية وهي المنتشرة في مملكة البحرين وعلى طوال الساحل الشرقي للجزيرة العربية وصولاً إلى سلطنة عمان. وسنلاحظ في فصول قادمة أن هذه اللهجات العربية الحضرية لم تتأثر فقط ألفاظها باللغات السامية الأخرى بل إن خصائصها كذلك تأثرت بتلك اللغات وخصوصاً باللغة الآرامية. أما في هذا الفصل فسنتناول ألفاظ ثقافة النخلة ومنتجاتها وتشابه عدد من تلك الألفاظ, لفظاً ومعنى, بألفاظ آرامية وأكدية, وسيكون هذا الفصل هو الفصل الأخير الذي نتناول فيه ألفاظ اللهجات العربية الحضرية, والتي تنتمي لها اللهجة البحرانية, وسنبدأ في الفصول القادمة بتناول خصائص اللهجات الحضرية وتطورها.

القروف والتلتال والكفري

يعرف الوعاء الذي يغطي طلع النخلة في اللغة الأكدية باسمين هما: كَپَرُّ Kaparru وتَلتَلُّ Taltallu, انظر معجم شيكاغو المجلد الثامن (CAD 2008, v. 8, p. 177) والمجلد الثامن عشر (CAD 2006, v. 18, p. 104). ومن هذين الاسمين تم اشتقاق الأسماء الآرامية والعربية والعامية المعاصرة. ففي السريانية يسمى گوفرا (أغناطيوس يعقوب الثالث 1969, ص 24), وعند العامة في البحرين يسمى گروف وتلتال, والاسم «التلتال» منتشر في شرق الجزيرة العربية وقليل الاستخدام في البحرين وهو سائد عند أهل الصنعة, على سبيل المثال ذكر هذا الاسم فيصل الكامل (صاحب مصنع الكامل) في مقابلته المنشورة في صحيفة «الوسط» بتاريخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009. أما في المعاجم العربية فقد ذكر لهذا الغلاف عدة أسماء منها الكفر والكفري والجفر والجفري والقفور, جاء في معجم تاج العروس مادة «كفر»: «الكفَرُ: وِعاءُ طَلْعِ النَّخْلِ وقِشْرُهُ الأَعلى، كالكافورِ والكافِرِ... والكُفُرَّى».

وفي مادة «قفر» من المعجم نفسه: «والقَفُّورُ، كتَنُّور: وِعَاءُ طَلْعِ النَّخْل، وقال الأَصْمَعِيُّ: الكَافُورُ: وِعَاءُ النَّخْل. ويُقَال أَيضاً: قَفُّورٌ، كالقَافُورِ، لغةٌ في الكافُورِ».

وفي مادة «جفر»: «الجُفُرِّى ككُفُرَّى وَزْناً ومعنًى».

أما الاسم تلتال فلم يذكر بمعنى غلاف الطلع بل جاء بمعنى وعاء يصنع من هذا الغلاف, جاء في معجم تاج العروس مادة «تلل»: «التَّلْتَلَةُ: مَشْرَبَةٌ مِن قِيقاءِ الطَّلْعِ... تُتَّخذ من جُفِّ النَّخلة، يُشْرَب بها النَّبِيذ». ويبدو أنه حدث نوع من الانتقال الدلالي للفظة.

القفة والقفير والزبيل

هناك ثلاثة أوعية تصنع من خوص النخيل في اللغة الأكدية ذكرت في معجم شيكاغو وهي: قَپيرُ Qapiru وقَپَّتُ Qappatu وزَبّيلُ Zabbilu, انظر معجم شيكاغو المجلد الثالث عشر (CAD 1995, v. 13, pp. 91 - 92) والمجلد الثامن عشر (CAD 1998, v. 21, p. 6), وهي كذلك في اللغة الآرامية, أما في اللهجة العامية المعاصرة ومعاجم اللغة فهي القفير والقفة والزبيل. فأما الزبيل ويقال أيضاً زنبيل (كلا اللفظين وردا في معاجم اللغة العربية) فهو وعاء خوصي يستخدم لوضع الأشياء فيه أو نقلها ويتفاوت حجمه بحسب نوعية الاستعمال, منه ما يعمل من الخوص الأبيض والملون ويكون له غطاء وهو ما يستخدم لحفظ الملابس ومنه ما يعمل من الخوص اليابس ويستخدم لتوضع به القمامة.

وأما القفير فتسمية العامة أيضاً الجفير وكلا اللفظتين قفير وجفير وردتا في معاجم اللغة العربية بمعنى الزبيل أو الجلة, جاء في معجم تاج العروس مادة «قفر»:

«القَفِيرُ، كأَمِير: الزَّبِيلُ، قال ابنُ دُرَيْد: لغةٌ يَمَانِيَةٌ... وقال أَبوعَمْروٍ: القَفِيرُ والقَلِيفُ: الجُلَّةُ العَظِيمةُ البَحْرانِيّة التي يُحْمَلُ فيها القُبَابُ، وهو الكَنْعَدُ المالِح».

أما عند العامة فهو وعاء دائري كبير وعادة ما تكون قاعدته أضيق بقليل من الفتحة وأحياناً يخاط به عروتان جانبيتان أو عروة واحدة علوية ويستخدم لنقل الأتربة والأسمدة.

وأما القفة فهي وعاء خوصي صغير لوضع الأغراض الشخصية أو يستخدم لنقل الرطب. وفي معجم تاج العروس (مادة قفف) فهي كهيئة القرعة تُتَّخذ من الخوص، وتضع فيها النساء قطنهم وغزلهن.

الفسيلة والكاروب

تتكاثر النخلة خضرياً وذلك بتكوين نخلة جديدة من أحد البراعم الطرفية التي تنمو بها, وهناك نوعان من النخيل الجديدة التي تتكون, الأول ويتكون من برعم طرفي قريب من قاعدة النخلة الأم وهو الأجود للتكاثر ويسمى الفسيلة الأرضية, وقد ينمو برعم أبطي وهو برعم يوجد في إبط السعفة أي عند الكربة من الداخل وينمو هذا البرعم ليصبح نخلة, وتكون مرتفعة عن قاعدة النخلة وهذا يسمى (راكوب) وتسميه العامة (الكاروب) وهو لا يصلح للإكثار, جاء في معجم تاج العروس مادة «ركب»

«الرَّاكِبُ والرَّاكِبَةُ والرَّاكُوبُ والرَّاكُوبَةُ والرَّكَّابَةُ، مُشَدَّدَةً: فَسِيلَةٌ تَكُونُ فِي أَعْلَى النَّخْلِ مُتَدَلِّيَة لا تَبْلُغُ الأَرْضَ، وفي (الصحاح): الرَّاكِبُ ما يَنْبُتُ مِنَ الفَسِيلِ في جُذُوع النَّخْلِ ولَيْسَ له في الأَرْضِ عِرْقٌ، وهي الرَّاكُوبَةُ والرَّاكُوبُ».

وفي اللغة الأكدية هناك لفظتان قريبتان من هاتين اللفظتين وهما بمعنى أجزاء من النخلة, أما الأولى فهي رِكبُ Rikbu وتعني الجزء العلوي أو جزء من النخلة (CAD 1999, v. 14, p. 343), أما اللفظة الأخرى فهي پَسلُ Paslu وتعني جزء من النخلة (CAD 2005, v. 12, p. 222).

ألفاظ حضرية أخرى

هناك العديد من الألفاظ التي نسبت لأصول فارسية أو يونانية في العديد من المعاجم بينما حققها بعض الباحثين وأعادها لأصول أكدية, وللأسف هناك ندرة في مثل هذه الدراسات الأخيرة, وهنا نعطي بعضاً من الألفاظ الذي توهم البعض أن أصلها غير سامي, منها اللجانة وهي وعاء يستخدم في غسل الملابس وقد كان يصنع من الفخار أما حالياً فتصنع اللجانة من البلاستيك بأحجام وألوان مختلفة, وتسمى في العراق إجانة وإنجانة (بالمغايرة), وهي في الآرامية إجانة وأصل اللفظة من الأكدية أگنُّ Agannu (الجبوري 2006, ج1 ص 51, وسليمان 2005, ص 57).

ومن تلك الألفاظ أيضاً اللگن أي اللقن وهو شبيه باللجانه إلا أنه من المعدن وقد تعارفت عليه العامة حالياً باسم الطشت وهو وارد في اللغة, جاء في لسان العرب مادة لقن: «اللَّقَنُ: إِعرابُ لَكَنٍ شِبْه طَسْتٍ من صُفْر». وأصل الاسم من الأكدية لِگنُ أو لِكنُ lignu or liknu وهي بمعنى وعاء خشبي, ولم تذكر هذه اللفظة في معجم شيكاغو ولكنها ذكرت في المعجم الأكدي (CAD 2000, p. 182), ومن الأكدية اشتُقَت اللفظة اليونانية «لكن» (الجبوري 2006, ج2 ص 662).

ومن أسماء الأوعية أيضاً «المشخال» الذي يستخدم في تصفية أو بزل الرز, واللفظة واردة في كتب اللغة العربية وهي في الأكدية مَشخَلُ (CAD 2004, v. 10, part 1, p. 365). ويرجح أن أصلها أكدي فتصريف اللفظة في الأكدي شبيه لتصريفه في العامة, على سبيل المثال تشتق العامة في البحرين من الجذر «شخل» لفظة الشخيل أو ماء المشاخيل أي الماء الذي يتسرب من السكار الذي يوضع في الساقية ومنها عمم على الماء الذي يتقاطر من قطعة القماش المبلولة بالماء ومنها الفعل «يشخل» بمعنى يتقاطر, وهذه الاشتقاقات لا توجد في كتب اللغة العربية لكنها وردت في الأكدية منها شاخِلُ وشِخِلتُ (CAD 2004, v. 17, part1, p. 77).

وأخيراً, السلة, وهي وعاء كان يصنع من القصب أو الخشب وحالياً يصنع من البلاستك واللفظة واردة في الأكدية سِلُّ وسَلُ Sellu, Sillu or Sallu بنفس المعنى (CAD 2000, v. 15, p. 217).

العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً