العدد 3595 - الثلثاء 10 يوليو 2012م الموافق 20 شعبان 1433هـ

جامعة الدول العربية بين التمكين والإصلاح

نجلاء ثامر محمود

القائم باعمال سفارة جمهورية العراق

على مر الزمان الذي رسم تشكل وتبلور عقودها، ومنذ أن كانت فتية الأداء والسلوك والقرار، وحتى ولوجها مرحلة الشيخوخة الأدائية والقرارية في زمننا الحاضر، تعددت الطروحات والأصوات المنادية بإصلاح جامعة الدول العربية، للحد الذي بات به الجانب التنظيري يملأ الرفوف والأدراج في مقر المبنى الرئيس لهذه المؤسسة الرائدة عالمياً من حيث القدم، خاصةً وإنها تزامنت مع عصر فجر جديد للعلاقات الدولية، تجلى بانتهاء واحدة من المغامرات الأوروبية -الأوروبية التي أرشفت باسم «الحرب العالمية الثانية»، وانبثاق وحدة قرار عالمي جديدة تصون السلم، وتحافظ على الأمن والاستقرار الأممي الضائع في كنف التجارب الاستعمارية، والصراع الغربي حول الشرق وبقية أجزاء المعمورة، فما كان لتمخض الحاجة والرغبة والعوز العالمي إلا أن جعل لنا حافظ استقرار ينوب عن أسلافه في أداء هذه المهام والأدوار، فكانت الأمم المتحدة هي الملاذ!

ومن حيث الزمان كان عام 1945 تاريخ الانبثاق لجامعتنا ولأمميتنا، والأخيرة ليست مدار بحثنا مع قناعتنا هي أحوج ما تكون للإصلاح، والإصلاح الاستراتيجي، ولكن التحديات العالمية المعاصرة هي أقوى من الإصلاح وطروحاته. ولا نريد أن نوغل إسهاباً بما لا يغني ولا يسمن من جوع!

وعودة على بدء، جامعتنا شملنا، لحمتنا، ملاذنا، هي همنا، تقودنا الواقعية السياسية ولا غيرها بطرح تسأل، أما آن الأوان للأصلح لهذا الكيان الذي يزحف باتجاه العقد السابع على تأسيسه، ولازال بعيداً عن طموحنا وحتى آلامنا؟ فأكثر من 7 قمم عربية سنوية دورية طرحت مشاريع الإصلاح، والعديد من المؤتمرات والندوات التي أشبعت بأفكار الإصلاح، والتنظير هو التنظير، ولا يتعدى حدود العقل، والقلب، والأدراج الحافظة.

في زمن أو عصر يمكن أن نسميه الفرصة السانحة لهذه المؤسسة لأن تجد ذاتها، وتبرهن عن سر وجودها وانبثاقها الذي طال عدة عقود، وفي خضم جغرافية لهيب الأحداث العربية واحتدامها، لم نسمع لها قراراً، ونحن نبحث عن قرار استراتيجي لا رأي أو موقف، كون المواقف والآراء لا تعبر عن الإلزام أو الاحتكام، فتمر المحن والأزمات، والجامعة تحوِّل، وتدوِّل، وتنقل قضايانا، وأزماتنا، ومشاكلنا، ومصائرنا إلى الباحات الدولية، وأما أدوار الكومبارس فكانت حصتها الحاضرة بأهم المشاهد المصيرية.

وحسبكم أن هذا الزمن زمن الجامعة وأدوارها وإثبات مالها وما عليها، في تأسيس المواقف وبناء المدركات وتطبيق القرارات، وإلا فما هي الحاجة لاستمرارية مؤسسة أنشأت على أساس أنها حاضنة استراتيجية، ولا تضطلع بالقرارات المصيرية؟!

وحسبكم ثانياً، أنها تبقى مهمة وضرورة في عالم اليوم، عالم يمتاز بالتكتلات، والاندماجات، والتحالفات، سبيلاً لتعزيز المصالح والأدوار في بيئة النظام الدولي الحالي، ولكن ما هو السبيل لأن تضطلع بمهامها وأدوارها؟

لا نريد أن نقلب صفحات المطالبة، والمناشدة، ودعوات الإصلاح على مر العقود السابقة، ولنجعل منها تراكم خبرات وصلت لمرحلة النضج المصيري، ولنبدأ مما نحن عليه الآن... ألا وهو آخر دعوانا لإتمام بنائنا وإصلاحنا، من أجل لملمت أحوالنا، والمتجسد في بنود إعلان بغداد 2012 بمواده «الرابعة والخامسة» وللتذكير ندرجها كالآتي:

أشارت المادة الرابعة إلى «التأكيد على أن الإصلاح المطلوب لجامعة الدول العربية يتطلب دعماً مالياً لموازنتها، يتمثل كمرحلة أولى في إعادة النظر في هيكلها التنظيمي من أجل تطوير مؤسساتها المتعددة، وإعادة تشكيلها وتفعيل أدائها والالتزام بقراراتها، ونشيد بجهود اللجنة المستقلة لبحث تطوير منظومة العمل العربي المشترك، والعمل على توفير الإمكانيات اللازمة لمواصلة عملها، حتى يتحقق الهدف من إنشائها في تعزيز مكانة جامعة الدول العربية بين كافة المنظمات الإقليمية والدولية، ومواكبة التحديات التي تواجه الشعوب العربية في هذه المرحلة».

أما المادة الخامسة انبرت إلى «تبني رؤية شاملة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي بما يضمن صون كرامة المواطن العربي وتعزيز حقوقه، في ظل عالم يشهد تطوراً متسارعاً في وسائل الاتصال، وبما يُلبي مطالب الشعوب العربية في الحرية والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية، التي جسدتها التطورات التي تعيشها شعوبنا العربية، والدعوة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي للنهوض باقتصاديات الدول التي شهدت هذه التغيرات مما يتطلب دعماً عربياً يؤمن مستقبلاً آمناً وزاهراً لأجيالها».

مراجعة تحليلية لمضامين المواد أعلاه نجدها، ترتكز وتنطلق من التمكين أولاً من أجل الوصول للإصلاح. ومن أجل توضيح أعمق لابد من تحديد المفاهيم (ما هو المقصود بالتمكين؟ وما هو المقصود بالإصلاح؟ )

في مفهوم التمكين يرى أصحاب الاختصاص من المفيد تشخيص وتأشير ما هو ضده، فالأشياء تعرف بأضدادها، وعكس ما يعني بالتمكين هو التهميش أو الإهمال أو الاستبعاد أو الإقصاء المتعمّد أو غير المتعمد لشرائح معينة، أو فئات معينة من الناس، أو لأدوار مؤسسات أو كيانات معينة.

ومن أعلاه نتفق مع الرأي القائل إن التمكين هو زيادة القدرة الروحية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية للأفراد والمؤسسات.

أما مفهوم الإصلاح السياسي ينظر له على أساس أنه التغيير أو التعديل نحو الأحسن لوضع سيء أو غير طبيعي، أو تصحيح خطأ، أو تصويب اعوجاج، والإصلاح السياسي يجب أن يكون ذاتياً من الداخل، وليس مفروضاً من الخارج، ذا طابع شمولي يحمل في طياته صفة الاستمرارية، ويركز فيه على المضمون والجوهر لا الشكل.

وعليه نجد أن الحاجة أو الخطوة الأولى التي أحوج لها جامعة الدول العربية هو التمكين أي الدعم الاقتصادي - المالي، الذي على أساسه يتشكل القرار واستقلاليته، بعبارة أخرى حاجتها إلى ميزانية واشتراكات مبرمجة ومستقلة لا تتخذ من طبيعة القرارات ومواقيتها أوراقاً ضاغطة للدعم من عدمه، هذا السلوك الذي عطّل الأدوار والاضطلاع بالمسئوليات منذ نشأتها وحتى سطورنا هذه.

وهذا ما وقفت عنده وأكدته المادة الرابعة من إعلان بغداد أعلاه... فمتى ما حصل التمكين الشامل والمهني، لا السياسي أو المواقفي ستبدأ مرحلة الإصلاح التي تحتاج إلى زمن ليس بالقصير، وإنما مراحل التغيير التي ستأتي لربما تكون عاصفة بالتحديات، لذا تستلزم عامل الزمن كمتغير داعم لها، واستراتيجية الخطوة خطوة منهج لصيرورة الهدف.

وزبد الطرح أعلاه يتمحور حول، التمكين هو أساس الإصلاح... وخطوة التمكين سابقة ولا يسبق عليها، وقمة بغداد وإعلانها كان دقيقاً وواضحاً ومشخصاً لضرورات الإصلاح عن طريق بوابة التمكين.

وختاماً إصلاح جامعة الدول العربية خيار مطروح منذ عقود، أما تمكين الجامعة العربية فهو ضرورة من أجل الإصلاح، ومقررات إعلان بغداد لازالت حية ترزق حتى يومنا هذا… فدعوانا أن يُتخذ منها منطلقاً.

إقرأ أيضا لـ "نجلاء ثامر محمود"

العدد 3595 - الثلثاء 10 يوليو 2012م الموافق 20 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً