العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

لا تهديد للحياة ممن يحلمون... التهديد من الفوبيا

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يحمل كلٌ منا أحلاماً ولا تُعدم تلك الأحلام نبوءة يتخيلها أو يرتجيها أيٌّ منا، وهي ليست ببعيد عما نسعى ونعمل من أجله كلٌّ ضمن إمكاناته وقدراته وأدوات وصوله إلى تلك الأحلام.

من دون تلك الأحلام نظلُّ مخلوقات ذاهبة إلى المجهول والذهاب إلى المجهول لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرسم طريقاً سالكةً أو أن يحدد النهايات التي يمكن الوصول إليها بشكل يشبع قناعات الذين ناضلوا وسعوا إلى ذلك.

المشكلة ليست في الحالمين في دنيانا. المشكلة في الواهمين الذين يحسبون كل صيحة عليهم. وهي كذلك في واقع الأمر لأنهم عبء على الحياة وعبء على الجنس البشري نفسه. فعدا غرقهم في الوهم يجدون في من يحلمون استهدافاً لهم وتربصاً بهم.

والذين يتشبثون بأحلامهم لا ينطلقون من فراغٍ أو وهمٍ أو عجزٍ أو حالة انتظار في جانبها السيئ. إنهم ينطلقون إلى أحلامهم تلك وقد أبلوا بلاءً حسناً في المحاولة والسعي والتجربة وتكرارها والعمل على تطوير إمكاناتهم ورفدها بما يسلحهم في مواجهة الأوقات الصعبة ومصدّاتها. لا يتركون الأمور للعبث والمصادفة والمجهول فيما المتشبثون بأوهامهم يتركون كل ذلك وراء ظهورهم ولا شأن ولا علاقة لهم به. إنهم برسم انتظار ما يأتي أو يتوهمون أن يأتي كي يغير واقعهم المعطل الذي يتوهمون أيضاً أنه في حدود سيطرتهم وهيمنتهم عليه من دون أن يملكوا حولاً أو قوة تغيير في ذلك الواقع الذي استأنسوا بثباته ومراوحته في انتظار المعجزات التي هي رهن إشارتهم كما يتوهمون أيضاً.

ثم إن المتشبثين بأحلامهم لن يضروا أحداً في المكان والزمان اللذين ينتمون إليهما. أحلامهم هي في نهاية المطاف تصب في مصلحة بشرهم وأمكنتهم وأزمنتهم. الحالمون بحواس متقدة وحاضرة لا يمكن أن تخرج في ذلك عما يحيط بها وإن بدت أحلامهم ضمن حيز خاص ومحدد ولكنها في النهاية لن تكون بمنأى عن أحلام من يشابههم أو بالأحرى لن تكون تهديداً لأحلام الآخرين وتطلعاتهم. إنها في المسار والنسق والهدف ذاته.

ما الذي يتبقى للإنسان إذا ما تمت مصادرة حقه وتركه للفراغ والوحشة وانتهاب أكثر من طرف ينتظر التجييش وإغلاق مداركه على واقعه السيئ والمحاصر؟ كيف يتمكن أن يكون فرداً فاعلاً ومحركاً ومغذياً لشريان الحياة بفعله ولمن حوله؟ وكيف يتسنى له أن يساهم أو يكون له أثر في حركة الحياة أساساً؟

هل هي ندرة الحالمين في عالمنا ما يجعل الحياة تغص وتعج بالواهمين وتبعات ذلك الوهم وأثره على تفاصيل حياتنا وما يطولنا منه؟ هل هي ندرة المساحة التي تتاح لأي واحد منا أن يتحرك فيها ضمن أفق أحلامه فيترجمها بعد زمن إلى ما يبهر من حوله ويساهم في يسْر حركة أي واحد منا؟

ثم إن هذه الأمراض والعقد والمشكلات والقلاقل والأزمات لا يمكن أن تكون نتاج أحلام سواء كانت على مستوى الفرد أو مستوى الأمة. لم يثبت أن كانت الأحلام مصدر شر وكوارث وخيبات بل يراد لها أن تكون كذلك بطبيعة الذهنيات التي تتولى الهيمنة على كل حق، مصادرة لأدنى البسيط منه والبديهي مما لا خلاف ولا جدل حوله وذلك ضمن المسار الطبيعي للعلاقات المشتركة التي من المفترض أن تكون سوية ولا تعاني من رجفة خروج عليها مادامت في مسار زمن ومكان لا يعاني من عقدة المهيمنين عليه والمتولين شئونه.

أيها الحالمون، فقط اتركوا لأحلامكم المضيّ إلى حيث ترون ضمن ما يحقق استواء حياتكم وحياة من يجاوركم وما بعد تلك المجاورة. اتركوا العنان لتلك الأحلام كي تعبّر عن نفسها وعنكم في تفاصيل ما تعايشون وتختبرون وتواجهون وكلما اضطربت الحياة من حولكم في الفاسد من القوانين والممارسات كلما ذهبت تلك الأحلام إلى مداها الأبعد والأسمى.

ما يجب ألا يُنسى أو يُتغافل عنه هنا، أن الأحلام باستماتة أصحابها وحضورهم وإصرارهم على تحقق ما رسموه وتطلعوا إليه، لا تبرز وتتصدر وتلح إلا في البيئات الخانقة والمصادرة لها وهو ما يمنحها طاقة غير عادية لمراكمة تلك الأحلام وإعادة تحديثها والتلويح بها كلما أطل يأس أو وهم برأسه.

تأكيداً لما سبق، الذين يحلمون لا يشكلون تهديداً للحياة بنبل تطلعاتهم وثقة إمكاناتهم وأخلاقية توجههم. التهديد يكمن في أعداء الأحلام والذين يصادرونها حتى وهي في ذلك الحيز والمساحة. نحن أمام فوبيا الأحلام بعد كل ما قيل.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:26 ص

      مقال رائع

      وكلما اضطربت الحياة من حولكم في الفاسد من القوانين والممارسات كلما ذهبت تلك الأحلام إلى مداها الأبعد والأسمى.


      مقال جمييل ورائع

اقرأ ايضاً