العدد 3606 - السبت 21 يوليو 2012م الموافق 02 رمضان 1433هـ

صناعة الوحدة في خانة الأحزان

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

شهدت البحرين على مدى الـ 12 عاماً الماضية، ثلاث حوادث مؤثرة ترسخت في الذاكرة، الأول: حادث طائرة طيران الخليج المنكوبة بتاريخ 23 أغسطس/ آب 2000، والتي سقطت حينما كانت قادمة إلى البحرين من مطار القاهرة الدولي، وراح ضحيتها جميع من كانوا على متنها وعددهم 134، 43 بحرينياً، 36 مصرياً، 21 سعودياً، و9 فلسطينيين، و6 إماراتيين، بالإضافة لثلاثة صينيين واثنين من البريطانيين.

والثاني: غرق بانوش الدانة السياحي بتاريخ 30 مارس/آذار 2006 وكان يحمل 135 راكباً، خرجوا في رحلة بحرية للاحتفال بإنجاز مراحل مهمة تتعلق بمركز البحرين العالمي للتجارة، قضى منهم 58 غرقاً.

والثالث: اشتعال السوق الشعبي بمدينة عيسى بتاريخ 14 يوليو/تموز 2012، إثر حريق هائل أتى على محتويات نحو 500 محل وفرشة، ترك أصحابها والعشرات من الأسر التي يعيلونها في حيرة من أمرهم مع دخول شهر رمضان المبارك، والاستعداد لتجهيزات العيد.

هكذا نحن، لا نجتمع إلا في الأحزان، لا نتفق إلا حين تدنوا منّا المصائب، أما في حالات الرخاء فنبحث عن الخلافات لننبش فيها، ونستخرج منها ما يصلح للنزاع، ويشعل الخصومة، ويعزز الفرقة، ويعمق الخلاف.

قبل أشهر وقع حادث أليم في منطقة سار، راح ضحيته 6 فتيات شابات بعمر الزهور، التف حوله كل البحرينيين، من كل المذاهب، من كل المناطق، من كل فئات المجتمع. تركوا أحاديث السياسة، حجبوا أنظارهم عن المنتديات، أغلقوا مواقع التواصل الاجتماعي من هواتفهم، وراحوا يعبرون بأرق العبارات عن بالغ حزنهم وأساهم لهذا المصاب.

ورغم محاولة البعض التلاعب بالألفاظ والعبارات لتذكير الناس بأن البحرين بلد يعيش انقساماً اجتماعياً، وأن عليهم أن لا يتناسوا أحداث العام الماضي، وأن لا يتنازلوا عن موقفهم من ذلك، فيتراخوا في مقابل المكون الآخر من المجتمع، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل، فجذور هذا الشعب تتغذى من تربة الطيبة، وتشرب من ماء التسامح، وتكبر بنور الألفة والمحبة، ولا عزاء لمن يريد أن يحجب نور الشمس عن هذه الأرض ومن عليها.

قبل أيام تكرّر الأمر ذاته في حريق السوق الشعبي، والذي لم تميّز نيرانه بين دكان سني أو شيعي، من أصول عربية أو أجنبية، بل طالت كل شيء وتركته رماداً منثوراً، فيما استغل أصحاب النفوس المريضة الحدث كالعادة لتوظيفه بأسلوب طائفي فج، فلم يراعوا حجم الضرر النفسي والمادي الذي لحق بالكثير من المواطنين ممن يعتمدون في رزقهم بشكل أساسي على هذه المحلات، ولم يقفوا عند أية أبجدية لأخلاق وآداب تفرض عليهم التحدث بأسلوب إنساني مفرغ من المصالح والنزعات الفئوية.

لدينا كمجتمع يقع في قلب الخليج العربي، ويتميز بعادات وتقاليد وتاريخ عريق وصل صيته إلى أقاصي العالم، مبادئ وثوابت مشتركة، وعلاقات اجتماعية قوية، وقصص يضرب بها الأمثال في مواجهة الأزمات والشدائد، فنحن من نصدِّر العبر ونجتزئ المواعظ ونعطي الدروس، فكيف جارت علينا السنون وجعلتنا حائرين أمام مشكلاتنا؟ مقيدون أمام كل ما يجري حولنا، من استغلال لخلافاتنا من أجل توسيع الهوة وإطلاق مصطلحات الكراهية والتخوين، نسمح لكل من هبّ ودبّ بأن يتوغل بيننا في كل حين، فينثر سمومه لنتجرعها ونتألم منها، ومن ثم نعاود الكَرة ذاتها بلا وعي ولا إدراك، وهل سنبقى نترقب المصائب لكي نتوحد وننسى كل خلافاتنا، وما أن تتلاشى نعود كسابق عهدنا كما لو أن شيئاً لم يكن؟!

إن كنا نعول على معالجة الإشكال السياسي الحاصل وعامل الزمن لمداواة جراحنا، فقد نصحو يوماً على كتلة من الأحزان يصعب تطييبها، وأحقاد وضغائن يصعب نزعها من نفوس النشء. أي أننا نقود أجيالاً نحو القطيعة الاجتماعية، ونورثهم مشكلات كبيرة تفوق قدرتهم على التحمل، حينها لن تجدي أحزان أو أفراح في لم الشمل، ولن تصمد مبرراتنا أمام سيل أسئلتهم التي لا تخلو من اللوم والعتب، وسيحتفظ لنا الزمن بكل عبارات السوء والمذمة، فإما أن نتحرك في هذه اللحظة أو نتنصل عن مسئوليتنا فتضيع كل الحسابات.

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3606 - السبت 21 يوليو 2012م الموافق 02 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:25 م

      الصديق وقت الضيق

      المحن تكشف معدن الناس ،والعجب ان الناس وحتى الأهل يلقون فى المحن والأحزان فلماذا فى محنة الوطن الحاليه نحن متفرقون بل هناك من يقتات ويعيش عليها وينفخ فيها

اقرأ ايضاً