العدد 3617 - الأربعاء 01 أغسطس 2012م الموافق 13 رمضان 1433هـ

احترام الحرية الدينية للآخرين يتماشى مع الحقوق الفردية للمرء (1)

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

يسعدني بالفعل أن انضم إليكم في هذا اليوم للتحدث حول مسألة باتت تصوغ حياة الناس عبر أنحاء العالم بنفس قدر أية مسألة أخرى، ألا وهي الحرية الدينية. وأود أن أشكر جسيكا ماثيوز لقيادتها كرئيسة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

قبل خمسة عشر عامًا، كانت جسيكا تكتب حول تلك الاتجاهات التي كانت قد بدأت تجذب اهتمام الناس، مثل بروز تكنولوجيا المعلومات، وإنشاء شبكات عالمية تعمل خارج نطاق الحكومات. أكدت في ذلك الوقت أن هذه التغييرات ستصوغ شكل الأحداث العالمية بطرق جيدة وسيئة على حدٍ سواء، وأن على الحكومات أن تتكيف معها إذا كانت ترغب في البقاء مسيطرة على التغير العالمي. وبالفعل، لقد عملتُ على جعل التكامل بين التكنولوجيات الجديدة والتواصل مع فئات المجتمع المدني والقطاع الخاص، ومجموعات جاليات المهجر، ومنظمات غير حكومية أخرى سمة مميزة لفترة توليّ لوزارة الخارجية بحيث لم تشكل هذه المسألة مجرد فكرة إضافية طارئة، بل كانت مدمجة في العمل الذي نقوم به.

والآن، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية أحدث تقرير لها حول الحرية الدينية الدولية. يُفتتح هذا التقرير بكلماته التي أرشدت عملنا وعمل الحكومات والأفراد الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن حرية الدين حول العالم. إنها كلمات المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأرجو أن تستمعوا إلى تلك الكلمات مرة أخرى، لأن الكثير مما سأقوله اليوم هو متجذر بالطبع في دستورنا، في إيماننا بأهمية الممارسة الحرة للدين. ولكن من المهم أن نتذكر أنه تم تبنّي هذه الكلمات من جانب المجتمع الدولي، وليس من جانب الولايات المتحدة وحسب.

هذه هي الكلمات بحرفيتها: لكل إنسان الحق في حرية الفكر، والضمير، والدين. يشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، سواء بمفرده أو مع آخرين، في العلن والسر، وفي إبراز دينه أو معتقده من خلال التعليم، والممارسة، وإقامة الشعائر، والالتزام بها.

والآن، هذه مبادئ واضحة وصريحة تجمع الناس سوية ضمن وحدة قلبية حقيقية مع معارضة غاضبة في نفس الوقت. وبالطبع، بالنسبة للولايات المتحدة، تمثل الحرية الدينية قيمة دستورية نعتز بها، ومصلحة قومية استراتيجية، وأولوية في السياسة الخارجية.

من الأمور الملحة بشكل خاص أن نقوم بتسليط الأضواء على الحرية الدينية، لأننا عندما نأخذ في الاعتبار الصورة العالمية بمجملها ونتساءل عما إذا كانت الحرية الدينية تتوسع أو تنكمش، يكون الجواب مثيرًا للقلق. يعيش أكثر من بليون إنسان في ظل حكومات تقمع بشكل منتظم الحرية الدينية. وقد وفّرت التكنولوجيات الجديدة للحكومات القمعية أدوات إضافية لتضييق الخناق على التعبير الديني. أبلغ أعضاء في مجتمعات أهلية دينية بأنهم كانوا خاضعين للضغط منذ فترة طويلة وأن الضغوط عليهم في تزايد. وحتى أن بعض البلدان التي تحقق تقدمًا في توسيع نطاق الحرية السياسية أصبحت تتجمد في مكانها عندما يتعلق الأمر بالحرية الدينية. وهكذا عندما يتعلق الأمر بهذا الحق الإنساني، وبهذه السمة الأساسية من سمات المجتمعات الأهلية المستقرة، والآمنة، والمسالمة، يصبح العالم منزلقًا إلى الوراء.

وفي نفس الوقت، أصبحت عدة بلدان تعيش فيها طوائف دينية مختلفة في طور الانتقال نحو الديمقراطية. وتتصارع هذه البلدان مع مسائل حول ما إذا كان عليها حماية الحرية الدينية لمواطنيها وكيفية القيام بذلك. ينطبق هذا الأمر على تونس وصولاً إلى بورما وعلى العديد من الأماكن بينهما. ولكن لنأخذ على سبيل المثال، ما يحصل في مصر، التي قمت بزيارتها قبل أسبوعين. وكانت لي محادثة عاطفية جدًا، وشخصية جدًا مع مسيحيين قلقين بشدة حول ما يخبئه المستقبل لهم ولبلادهم. فما ستقرره مصر وغيرها من البلدان الأخرى سيكون له تأثير كبير على حياة الناس، وسيقطع شوطًا طويلاً تجاه تحديد ما إذا كانت هذه البلدان قادرة على تحقيق ديمقراطية حقيقية.

وهكذا، فإنها مسألة تتجاوز الانقسامات الدينية. تملك جميع الأديان في كل مكان مصلحة في الدفاع عن الحرية الدينية وتوسيعها. وأنا شخصيًا لدي شعور قوي تجاه هذا الموضوع، لأنني شاهدت بنفسي كيف تشكل الحرية الدينية عنصرًا أساسيًا في الكرامة الإنسانية وكذلك الأمر بالنسبة لقيام مجتمعات آمنة ومزدهرة. لقد ارتبطت الحرية الدينية إحصائيًا بالتنمية الاقتصادية والاستقرار الديمقراطي، وهي تخلق المناخ الذي يستطيع فيه الناس من مختلف الأديان تجاوز عدم الثقة والعمل سوية لحل مشاكلهم المشتركة.

لقد رأيت أيضًا كيف يكون ما هو عكس ذلك. بإمكان غياب الحرية الدينية أن يخلق مناخًا من الخوف والشك يضعف التماسك الاجتماعي وينفر المواطنين من قادتهم. وهذا، بطبيعة الحال، من الممكن أن يجعل تحقيق التقدم الوطني شأنًا أكثر صعوبة. ولأن تأثير الحرية الدينية يمتد إلى أبعد من عالم الدين وله تداعيات على أمن البلاد وتقدمها الاقتصادي والسياسي، يجب على عدد أكبر من طلاب السياسة الخارجية وممارسيها تركيز وقت أطول واهتمام أعظم على ذلك.

واليوم، أريد أن أدافع عن الحرية الدينية ولماذا يتوجب على كل الناس والحكومات دعمها. وأريد أن أعالج بصورة مباشرة الحجج التي يلجأ إليها الناس الذين يقفون في وجه الحرية الدينية لتبرير أعمالهم.

اسمحوا لي أن أبدأ بما تعنيه الحياة للعديد من الناس المحرومين من هذه الحرية. ففي أكثر الأماكن قسرًا، تُحرّم بالكامل ممارسة ديانات معينة، ويمكن الحكم بالموت على المؤمنين بها. تحرم القوانين الصارمة التجديف وازدراء الأديان. وعندما يجري تفسير كلماتك على أنها انتهاكات لهذه القوانين، يمكن أن يُحكم عليك بالإعدام. تهمل في أحيان كثيرة السلطات معاقبة العنف الممارس تجاه الأقليات الدينية وتغضّ نظرها عنه. وهكذا، فالرسالة تكون واضحة: احترس في حال كانت معتقداتك لا تحصل على قبول الحكومة.

وتبعث الحكومات نفس الرسالة التي تسعى إلى التأكيد على وهم الحرية وذلك من خلال إنشاء مؤسسات دينية رسمية توافق عليها الدولة. تقول: «انظروا، يستطيع مواطنونا ممارسة أي دين يختارونه شرط الموافقة عليه مُسبقًا». ولكن يمكن أن يسجن كل من يقبض عليه من الناس الذين يخرجون من هذه المؤسسات ليشكلوا جالية خاصة بهم أو الذين يتلقون التعليمات من قادتهم الدينيين.

لا تتعلق الحرية الدينية بالدين فقط. ولا تتعلق ببساطة بحق أفراد من طائفة الكاثوليك بإقامة قداس، أو بحق أفراد مسلمين في إقامة جنازة دينية، أو بحق أفراد من طائفة البهائيين الاجتماع في منازل بعضهم البعض لتأدية الصلاة، أو بحق اليهود بالاحتفال سوية بالأيام العالية القدسية- بغض النظر عن قدر أهمية هذه الشعائر. فالحرية الدينية تتعلق أيضًا بحق الناس في التفكير بما يرغبون به، وقول ما يفكرون به، والاجتماع سوية في زمالة بدون أن تراقب الدولة أعمالهم.

ولهذا السبب، كانت حرية ممارسة الدين أول حرية ترسخت في التعديل الأول لدستورنا، بالترافق مع حريات الكلام والرأي والاجتماع. لأنه حيثما وجدت الحرية الدينية ستتواجد الحريات الأخرى.ولهذا السبب أيضًا يحمي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرية الفكر، والضمير، والدين - الثلاثة سوية – لأنها تتحدث جميعًا حول نفس القدرة الداخلية لكل إنسان في اتباع ضمائرنا، واتخاذ الخيارات الأخلاقية لأنفسنا، ولعائلاتنا، ولمجتمعاتنا الأهلية.

تعطي هذه الحقوق لحياتنا وكرامتنا معناها، مهما كان الدين الذي ننتمي إليه، أو في حال لم نكن ننتمي إلى أي دين على الإطلاق. فهي، كما بالنسبة لجميع بني البشر وكافة حقوق الإنسان، تمثل حقًا مكتسبًا لنا بالولادة بفعل كوننا ما نحن عليه – بشر نفكر ونعمل- نساء ورجالاً على حدٍ سواء. لم تمنحنا هذا الحق أية حكومة. بل بالأحرى تقع على عاتق الحكومة مسئولية حمايتها.

والآن، لا يشكل هذا، بالطبع، وجهة النظر التي توافق عليها الأنظمة الحكومية التي تمنع الحرية الدينية. فهي اختارت رؤية الأشياء بصورة مختلفة. وعلى وجه الخصوص، لديها نوعان من الحجج لتبرير أعمالها. وكلاهما جديران بالتفحص.

الحجة الأولى هي أنه لا يجب السماح سوى لبعض الناس بممارسة شعائرهم الدينية – أولئك الذين ينتمون إلى الدين الصحيح. تُعرّف هذه الأنظمة الدين بحيث أنك إذا لم تكن تؤمن بما يريدون منك أن تؤمن به، فإن ما تفعله لا يعتبر بمثابة ممارسة للدين، وذلك لأن ليس هناك سوى تعريف واحد للدين. فهم، وهم فقط كما القادة الدينيون الذين يعملون معهم، يملكون الحقيقة المطلقة. وكل إنسان آخر، بمن في ذلك الناس الذين ينتمون إلى نفس الدين ولكنهم يختلفون حول بعض التفسيرات للشرع أو التقاليد الدينية، هو مخطئ، وكافر، وزنديق، لا يستحق حماية القانون. وربما لا يستحق حتى البقاء على قيد الحياة.

ولأن هذه قضية تشعل العواطف، فإنه قد يكون من الصعب التحدث حولها بطريقة بناءة. لا يمكنك مناقشة إنسان يعتقد بأن أي واحد لا يتفق معه فإنه بالتحديد يكون مختلفًا مع الله. لذلك اسمحوا لي أن أقول ببساطة:

باستطاعة الناس الاعتقاد بأنهم هم، والذين هم مثلهم فقط، يملكون الحقيقة الواحدة والوحيدة. وهذا حق لهم. بيد أنهم لا يملكون الحق بإيذاء الذين يعتبرونهم بأنهم يتبعون وجهات نظر غير صحيحة. ولكن مجتمعاتهم هي التي تدفع الثمن عندما يختارون النظر إلى الآخرين بكراهية أو اشمئزاز. فحقوق الإنسان لا تصبح حقيقية بمجرد إيجاد تفاعلات بين المواطنين وحكوماتهم فحسب، بل وأيضًا من خلال تلك الملايين من اللحظات التي تجري اعتياديًا بين الجيران، وزملاء الدراسة، وزملاء العمل، وحتى الغرباء في الشارع. في كل مرة يختار فيها الناس التسامح والاحترام بدلاً من الخوف والعداء، فإنهم يعززون حقوق الإنسان لأنفسهم كما لكل إنسان آخر، لأنهم بذلك يؤكدون على إنسانيتهم المشتركة. هذه هي ما تتحول إليه الحرية الدينية المكرسة في القانون كي تحقق انسجامًا دينيًا يزدهر عبر المجتمع بكامله.

والآن يكون للقيادات الدينية دور ذو أهمية حاسمة في هذه العملية. ونحن بحاجة إليهم لتشجيع أتباعهم على اعتناق مبادئ السلام والاحترام، والتي لا تشكل فقط تعاليم كل دين تقريبًا، ولكنها أيضًا مبادئ قائمة في صميم الحرية الدينية. ومن ثم، وبصورة أكثر أهمية، نحتاج إلى قادة يثبتون بأن احترام الحرية الدينية للآخرين يتماشى مع – ولا يتعارض مع - الحقوق الفردية للمرء. عندما يتمكن الناس من جميع الأديان ممارسة دينهم بحرية، فإن ذلك يخلق بيئة تكون فيها حرية الجميع مؤمّنة بدرجة أكبر.

لكن، وفي نفس الوقت، يبقى على عاتق القادة والحكومات مسئوليات. يستطيع الناس التفكير بما يرغبون به، ولكن على الحكومات أن تعمل لصالح حماية حقوق الجميع.

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 3617 - الأربعاء 01 أغسطس 2012م الموافق 13 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:52 م

      كفو

      زائر 4 كفو عليك كفيت ووفيت بارك الله فيك

    • زائر 7 | 10:42 ص

      وأين الحقوق والحرية الدينية للفلسطينين

      اين لاسانك السليط عندم تتبجحي بالحرية الفردية الدينية وماذا عن حقوق الشعب الفلسطيني التى تنتهك ليلا ونهارا وتعرض على شاشات القنوات كل يوم ؟ اين لاسانك لماذا لا تتفوهي بكلمة واحدة بما يمارسة الصهاينة ضد اخواننا في القدس ؟ اين لاسانك !؟ هل بلعتيه او اكله القط ايتها المنافقة البلاهاء الصهيونية الهواء انتم اعتى اعداء الانسامية وانتم السبب في مشاكل الشعوب في كل مكان ، لا تتبجحوا بحبكم للحرية والانسانية للشعوب فانتم من يكرس الدكتاتوريات والظلم وقتل الشعوب من اجل التسلط على مقدراتهم ومصادرت حرياتهم .

    • زائر 6 | 9:39 ص

      حرية الضمير وتمثال الحرية

      رغم الظروف الطبيعية وعوامل التعرية الا أن تمثال أبو الهول كما تمتال الحرية يقفان بصمو وبلا كلل ولا ملل ولا حتى لديهم احتجاج على سلب حرية عدم الحركة والصيانة الدورية.
      فمن المعلوم أن الدين واحد ولا حرية فيه الا حرية الضمير؟ فهل في الدين حرية أم أن هناك حرية دينية لم تذكر في أصل الأنواع ولا في الجدول الدوري للعناصر الطبيعية؟
      أو ليس الأولى إحترام الانسان قبل صيانة صنم لا علاقة له بالحرية سوى بالاسم؟

    • زائر 5 | 7:43 ص

      تضحكون علي من

      عندكم كل مسلم أرهابي حتي من مظهرة تحكموا علية وما اجرائتكم من اذلال في نقاط التفتيش الا دليل علي ذلك ومع هذا لا نلومكم حفظاً لامنكم لاكن لماذا تنكرون علينا أجراتنا في حفظ امننا

    • زائر 4 | 6:57 ص

      كإدارة لاتهتمون لإحترام الحرية الدينية للآخرين

      المهم عندكم مصالحكم الإقتصادية و الحصول على النفط بأرخص الأسعار و الدليل أن السعودية هي أوضح مثال في العالم على التضييق على حرية ممارسة الأديان فيها و تعتبرونها حليفكم !! لماذا؟ من أجل النفط و من أجل أن تنعشوا أقتصادكم ببيعكم أسلحة لهم بمليارات الدولارات

اقرأ ايضاً