العدد 3639 - الخميس 23 أغسطس 2012م الموافق 05 شوال 1433هـ

الحلول بين العقلية الأمنية وعقلية الازدهار

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

«كن جميلاً ترَ كل ما حولك جميلاً»، جملة تعبر عن فلسفة عميقة لفكر وعقلية وروح ونفسية الإنسان. فالجمال ليس ميزة في الأشياء التي تراها، بل الجمال أيضاً ميزة فيك، جعلتك ترى الأشياء جميلة.

ومن يمتلك الجمال في داخله، لا يرى القبيح، وكذلك من في داخله قبيح لا يرى الجمال، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

فعندما يكون قلبك نقياً صافياً يؤمن بحقوق إنسان، فإنك سترى كل البشر مهما كان دينهم وعرقهم طيبين ورائعين، أما إذا كان قلبك ملوث بالوحشية، فإنك سترى البشر خصوصاً المختلفين معك أشراراً ويستحقون القتل. وفق المثل: «كل من يرى الناس بعين طبعه».

والحب في أعماق الشخص، ينعكس في سلوكه ومعاملته مع الآخرين، حيث يراهم بالصفات الإيجابية مخلصين وصادقين... إلخ، وكذلك الكره في أعماق الشخص ينعكس في سلوكه حيث يرى الآخرين بالصفات السلبية خونة وكذابين... إلخ.

وهذا توضيح وشرح لقانون أسميه «قانون الانعكاس الذاتي»، أي أنك تعكس ما بداخلك اتجاه الآخرين وأفعالهم وكلماتهم.

وهناك قانون آخر أكثر أهمية، وهو قانون التركيز، وهو يعني أن كل شيء تركز عليه يزداد، أي إذا ركزت على محاربة الكذب فإن الكذب سيزداد وينتشر في المجتمع، وإذا ركزت على الصدق فإن الصدق سيزداد وينتشر في المجتمع.

ومن أبرز الأمثلة، الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عندما ركز على التنمية والاقتصاد، كانت النتيجة أزدهر الاقتصاد، وحققت الولايات المتحدة فوائض في ميزانيتها، وعندما جاء بوش الابن وركز على حرب الإرهاب، كانت النتيجة انتشار الإرهاب في كل أنحاء العالم بل وأدى إلى ضعف أميركا.

عندما تكون مسئولاً، وتصف المحتجين بأنهم إرهابيين ومخربين وخونة، فإن هؤلاء المحتجين سيزدادون وستزداد سلوكياتهم التي تراها وفق منظورك إرهاباً وتخريباً وخيانة. وكذلك بالعكس عندما تكون محتجاً.

في سنة 2003 حضرتُ مسيرة أمام إدارة الهجرة والجوازات، كان هناك ضابط يتحدث مع المحتجين، وينظم الشارع ليفسح المجال لسير المسيرة، ويصف المحتجين بأنهم حضاريين، وفعلاً المسيرة تسير بسلاسة، وتنتهي بسلام دون أي مشاكل. لكن ماذا لو أن هذا الضابط وصف المحتجين بأنهم مخربين وإرهابيين ماذا سيحدث؟ من الطبيعي مواجهات أمنية وحجارة وطلقات الغازات، وحدوث بلبلة في تلك المنطقة. وبالتالي فإن التركيز على الحل الأمني سيدفع إلى المزيد من الانفلات والتعقيدات الأمنية مثل ما يحدث اليوم.

والحل الأمني وفق قانون «التركيز» الذي يقول إن كل شيء يتم التركيز عليه يزداد، لا يسير بالسفينة إلى بر الأمان، بل يسير بها في أمواج هائجة وطريق مليء بالصخور.

يمكن الانتقال إلى حلول أخرى بتغيير الفكر، فأعظم اكتشاف شهده العالم هو قدرة البشر على تغيير حياتهم بمجرد تغيير طريقة تفكيرهم. وكما يقال: «إذا غيرت فكرك تتغير حياتك».

وتغيير الفكر هو تغيير مِن داخل الذات، فإذا تغيرت نحو الإيجابية، ونظرت بعين التفاؤل، فإنك سترى الجمال شائع بكل ذراته، حتى القبيح سترى فيه جمالاً. وهذا الجمال وفق قانون الانعكاس سينعكس على المحيط، وسترى الجمال في كل شخص حتى المختلفين معك.

وإذا ركزت على الجمال، وفق قانون التركيز، فإنه سيزداد وسينتشر، وسينشر معه التفاؤل والخير والقيم التي تولد الطاقة الإيجابية في روح وجسم الإنسان.

ومن أروع ما قرأت هذه المقولة: «راقب أفكارك، لأنها تتحول إلى كلمات. راقب كلماتك، لأنها تتحول إلى أفعال. راقب أفعالك، لأنها تتحول إلى عادات. راقب عاداتك، لأنها تتحول إلى طباع. راقب طباعك، لأنها ستحدد مصيرك».

وهذا يعني أن الأفكار الأمنية إذا أطلق لها العنان ستحدد مصير البلد، وإذا أطلق العنان لأفكار الازدهار فإنها ستحدد مصير البلد. وهناك فرق شاسع بين المصيرين. فالأول أجواؤه التشاؤم، والثاني أجواؤه التفاؤل.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3639 - الخميس 23 أغسطس 2012م الموافق 05 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:12 م

      حبيب جعفر

      مقال رائع جدا و طرح راقي و جميل يوصف الفرق بين العقلية الامنية و الحضارية المتفائلة.
      شكرا لك على هذا الطرح المميز.

    • زائر 7 | 8:40 ص

      حل امني

      حل امني واحنا باالعكس حل رعبي حل ظلمي المشتكئ الى الله

    • زائر 6 | 8:36 ص

      انا ساكن قرب الكنسية وياريت ....

      انزين مادام الأكتشاف العظيم هو (( إذا غيرت فكرك تتغير حياتك)) خل الي يحرقون الزبالة والتواير في المناطق يغيرون طريقة تفكيرهم ويتركون عنهم هذه التصرفات الي الكل رافضها وانا شخص ساكن قرب الكنسية واهلي يعانون الأمرين وهذه حقيقة واتمنى محد يزعل (( وهذه الديموقراطية )) من هذه التصرفات من المسيلات ومن تحرق التواير والزبالة وياريت اتمنى يقرون مقالك ويفهمون هذه الجملة (( إذا غيرت فكرك تتغير حياتك )) الله يهديهم ان شاء الله وياريت تركز في مقالتك عن هذه التصرفات على تطلق عنان لأفكار الأزدهار .وشكرا

    • زائر 9 زائر 6 | 10:16 ص

      ابو يوسف

      يا اخي هذي الفكرة لازم ياخذه المسوولين علشان ينتشر الوضع السليم للبلد مو الشعب الشعب صابر من زمان وتعب و تحرك على روحة و الجمعيات المعارضة الغالب على ظن يبعوت هذي الفكرة و الشباب صاير لهم بالضبط مثل ما قال الكاتب . و الله يساعدك .

    • زائر 5 | 6:28 ص

      جميل جدا هذا المقال ولكاتبه

      جميل جدا هذا المقال ومضمونه هو واقعنا الذي نعيشه ،أتسائل كيف لمن هم في الأساس تجار وإن دخلوا مجلس الشورى أن يقول أؤيد الحل الأمني على بقية الحلول؟؟؟!!!

    • زائر 3 | 3:23 ص

      معا الى معالجة عقلانية

      مقال جميل شكرا استاذ عباس ماذا حققت الحلول الأمنية مزيدا من المعاناة وعدم الثقة وسمعة دولية سيئة نحتاج الى وقت طويل لتخلص من اثار هذه الحلول

    • زائر 2 | 2:23 ص

      الحلول الامنية انجح مو جربوها وعرفوا انها الافضل

      لا توجد الا الحلول الامنية هذا احنا من الله خلقنا على هالارض ما في الا هالعقلية وهالحلول واصلها من وين جاية من الاستعمار البريطاني ......

    • زائر 1 | 11:03 م

      تغيير الذات

      مقال جميل جدا يستفاد منه في جميع نواحي الحياة فشكرا للكاتب وشخصيته القوية

اقرأ ايضاً