العدد 3654 - الجمعة 07 سبتمبر 2012م الموافق 20 شوال 1433هـ

شهادة شاعر لا يجد فرقاً بين سورية وسوريالية

خيانات اللغة والصمت

لا يشير الشاعر السوري فرج بيرقدار إلى كتاب «الخروج إلى النهار» الشهير بكتاب الموتى في مصر القديمة إذ ينادى الميت باسمه «انهض فلن تفنى. لقد نوديت باسمك. لقد بعثت» حين يصف عملية تجريد المعتقل السياسي من اسمه في ظل نظام تتشابه فيه كلمتا «سورية وسوريالية» حيث العبث واللامنطق هو النظام العام.

ويقول إن سلطات الاعتقال أعطتهم في البداية أرقاماً فكان هو «السجين رقم 13» ثم أعطوه اسماً حركيّاً هو «سيف أحمد» وبعد أن فرح بالاسم الحركي تبين له أنه فخ إذ لا يوجد شيء يدل على اسمه الحقيقي ولو مات فلن يكون في السجلات «أي شيء حقيقي يدل علي».

وبيرقدار الذي ولد العام 1951 اعتقل للمرة الأولى العام 1978 بسبب مشاركته في إصدار مطبوعة أدبية في جامعة دمشق ثم اعتقل العام 1987 لانتمائه إلى حزب العمل الشيوعي، وبعد ست سنوات أحيل إلى محكمة استثنائية هي محكمة أمن الدولة العليا في دمشق التي قضت بسجنه 15 عاماً مع الأشغال الشاقة والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية، وبعد 14 عاماً من الاعتقال نجحت حملة دولية في دفع السلطات السورية للإفراج عنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2000.

ويسجل المؤلف تجربته في كتاب (خيانات اللغة والصمت... تغريبتي في سجون المخابرات السورية) قائلاً إنه في سنوات الاعتقال الست الأولى كان «مقطوعاً عن العالم الخارجي محروماً من الزيارات والأقلام والأوراق والراديو» إلى أن قدم مرافعته أمام محكمة أمن الدولة العليا العام 1993 فقضت بسجنه 15 عاماً. والكتاب الذي يقع في 182 صفحة متوسطة القطع أصدرته «دار الجديد» في بيروت ويتزامن مع تواصل الاحتجاجات الشعبية في عموم البلاد منذ أكثر من 17 شهراً والمطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وصدر للمؤلف العام 1997 خلال الاعتقال ديوان «حمامة مطلقة الجناحين» وصدر له العام الجاري ديوان «أنقاض» الذي كتب قصائده في فترة الاعتقال.

ويقول بيرقدار في كتابه «خيانات اللغة والصمت... تغريبتي في سجون المخابرات السورية» إن الشعر كان سبباً في حمايته وتحريره وإنه أدرك أن الشعر «طائر الحرية الأجمل. هو التمرين الأقصى على الحرية. وبصيغة أخرى هو ما ليس قابلاً للأسر»، وإنه لو لم يكن شاعراً لانهزم في المعتقل. وفي فصل عنوانه: «حمامتان وقمر وثلج أيضاً» يقول إن تجربة الاعتقال جعلته يعيد اكتشاف الأشياء والأدوات الأولى مثل إنسان ما قبل التاريخ في اكتشافه الألوان والخبز والخوف والنسيان والجنون والثياب... وعلى سبيل المثال خرج من سجن تدمر بذكرى وحيدة إذ كانوا يرون من إحدى الفتحات الجزء العلوى لشجرتين متجاورتين «تتهادل عليهما وقت الأصيل حمامتان عاشقتان، واحدة أكثر سواداً من آلامنا والأخرى أكثر بياضاً من أحلامنا».

ويستدرك «يا إلهي... لقد نسيت ذكرى ثانية لا تقل جمالاً.. القمر. كنا نراه بضع مرات في الشهر عندما ينحني لمستوى الشراقات وهو يعبرها واحدة واحدة متيحاً لنا أن نحمِّله ما نشاء من الرسائل والوصايا».

ويقدم المؤلف أنواعاً للتعذيب في المعتقلات السورية؛ منها: «الشبح على السلم» حيث تربط قدما السجين بالحبال ويتدلى جسده مقلوباً ويتم التحقيق معه وانتزاع الاعترافات على وقع سياط تسلخ جلده. كما يعذب السجين بالصعق الكهربائي في الأذنين أو الشفتين أو العضو التناسلي.

ويروي أن مدير السجن التقى السجناء فأخبره أحدهم أنه معتقل منذ تسع سنوات على رغم حكم قضائي بالبراءة ومنذ عامين حوكم مرة ثانية ونال أيضاً حكماً بالبراءة ولكن السلطات لا تخلي سبيله فما كان من مدير السجن إلا أن أخذ وضع من يلقي خطاباً وقال: «يا أبنائي. كونوا على ثقة تامة بأن كل بريء عندي سيخرج من هذا السجن مهما طال الزمن. نعم سيخرج ولو بعد مئة عام».

ويقول إن الجلاد «لو كان يدرك حقيقة مشاعر الضحية لتمنى أن يكون أي شيء آخر حتى لو كان هذا الشيء هو الضحية نفسها»، مشددا على أن أنواع الاغتصاب بما فيها اغتصاب الوطن قابلة للغفران «أما اغتصاب الإنسان كمفهوم. اغتصابه كوجود» فيراه عاراً يدعو لما هو أكثر من الخجل.

وفي ملحق عنوانه: «دفاع عن الحرية» يورد الكتاب نص مرافعة بيرقدار أمام محكمة أمن الدولة العليا في دمشق العام 1993 والتي سجل فيها أن «القمع السافر والمعمم هو العدالة الوحيدة... إن دولة تعتبر الكلمة فيها جريمة يحاكم عليها المرء هي دولة غير جديرة بالحياة ولا حتى الدفن».

كما وجه إلى القضاة افتراضاً «لو فشلت السلطة الحالية بانقلابها العام 1970 لكانت محكمتكم قد حاكمت رموز الانقلاب بتكليف من السلطة السابقة طبعاً بوصفهم أعداء لأهداف الدولة- الحزب» في إشارة إلى استيلاء الرئيس السوري السابق حافظ الأسد على الحكم العام 1970.

ويشدد على أنه لا يرى فرقاً جوهريّاً بين كلمتي «سورية وسوريالية». مضيفاً «إن سلطة جاءت بالعنف يصعب عليها أن تتصور إمكانية إسقاطها بغير العنف... وهل نكذب الآن إذا قلنا إن سيرة عبيد روما تتجدد في سورية... لقد رأيت بعيني إطلاق النار على رفاق لي أعرف جيداً أن سلاحهم الوحيد الذي كانوا يحملونه هو الجريدة أو البيان... فأية كوابيس هذه التي أسميها بلادي؟».

ويقول «إنه حتى الأجيال التي ستولد في سورية مستقبلا ستطرق الرأس خجلاً كلما توقفت أمام هذه الصفحات السوداء من تاريخ سورية».

العدد 3654 - الجمعة 07 سبتمبر 2012م الموافق 20 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:35 م

      تنبية

      أن هذة المعاناة التي يرويها الكاتب ليست في سوريا فقط أنما في كل الدول العربية ربما في بعض الدول تكون المعاناة أكثر حيث لا يستطيع أحد أن يروي عذابات السجن والأعتقال لأنه قد مات قبل أن يرويها .. اللهي بحق محمد وآل محمد فرج عن كل مظلوم وخفف عن كل معذب في سجون الظالمين

    • زائر 1 | 12:59 ص

      الله يحفظ سورية

      حفظها الله من كل مكروه ويحفظ شعبها من الارهاب

اقرأ ايضاً