العدد 3656 - الأحد 09 سبتمبر 2012م الموافق 22 شوال 1433هـ

الذين يدفعون عجلة التاريخ

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التاريخ بُركةٌ راكدة... فيبعث الله من يقوم بتحريك المياه الراكدة من المصلحين والمفكّرين والحقوقيين وعشاق الحرية... لتنتعش الحياة وتستقيم الأمور.

وفي هذا المسار الطويل للبشرية... تركن فئاتٌ من البشر إلى جانب القديم بسبب العصبيات أو المصالح بدعوى حماية القانون والمجتمع، بينما تنحاز فئاتٌ أخرى إلى التغيير والإصلاح باعتباره الجانب الصحيح من التاريخ. والتحدي الأكبر: أين يضع المرء رجله؟

بعدما أكمل غاندي دراسته في بريطانيا، وعاد للعمل في الهند محامياً، لم ينجح في مرافعاته الأولى، فهاجر إلى جنوب افريقيا للدفاع عن شركةٍ لبعض المهاجرين الهنود، وهناك فتح عينيه على العنصرية التي يُعامل بها السود والملوّنون. ومنها التحق بالعمل السياسي، ليصبح أحد زعماء حزب المؤتمر الذي قاد النضال ضد الاستعمار البريطاني للهند. وبعد سلسلةٍ من التجارب دشّن سياسة «اللاعنف» في مواجهة أقوى امبراطوريةٍ على وجه الأرض حينها، ودخل معها في معارك سياسية استنزفتها واضطرتها إلى التسليم بحق الهنود في الاستقلال نهاية الأربعينيات. وكانت بعض الصحف البريطانية اليمينية تصفه بأبشع الأوصاف.

فلسفة «اللاعنف» تأثّر بها القس الأميركي مارتن لوثر كنغ، داعية الحقوق المدنية، الذي ناهض سياسة التمييز العنصري ضد الزنوج. وقاد حركة مدنيةً من الأربعينيات، يخطب في الكنائس والأندية، ويقيم القداسات التي يبشر فيها بحلم المساواة بين الأميركيين، ويكتب في الصحف ويجري المقابلات. وكثيراً ما تعرّض لهراوات الشرطة في المسيرات التي كان ينظّمها احتجاجاً على السياسات الخاطئة، وتعرّض أحياناً لإصابات ونزف دماء. كان يعرف ما يريد، وكان قد حسم أمره في الانحياز إلى الجانب الصحيح من التاريخ.

في إحدى عظاته الأخيرة، خاطب الجمهور: «قولوا لهم ألا يذكروا (عند موتي) أني فزت بجائزة نوبل للسلام، فذلك ليس مهماً. قولوا لهم ألا يذكروا أني فزت بثلاث مئة أو أربع مئة جائزة أخرى. لا أريد أن يكون لي مالٌ أتركه بعدي. أود أن يذكر بعضهم أني حاولت أن أطعم الجياع وأكسو العراة، وأن أحب الإنسانية وأخدمها». مثل هذا الرجل كانت بعض الصحف الأميركية اليمينية تقدّمه للقراء في صورة الشرير المتآمر على الحضارة، وتكتب ضده أحط الافتتاحيات وبلغةٍ سوقيةٍ مليئةٍ بالبذاءات.

هذا ما جرى في قارتي آسيا وأميركا الشمالية، أما في قارة افريقيا، فقد خرج محامٍ آخر في الأربعينيات، في دولة جنوب افريقيا، التي كان يحكمها نظام «الأبارتهايد»، ليقود حركة احتجاجٍ على ما يُمارس من مظالم باسم القانون. وباسم القانون اقتيد إلى زنزانةٍ صغيرةٍ في جزيرة «روبن آيلاند»، ويوم زارتها بعثة مجلة «العربي» في يناير/ كانون الثاني 2011، وجدتْ فيها مرشداً سياحياً عجوزاً، كان زميلاً لمانديلا في سجنه. وأخذ يحدثهم عن الذكريات: «لقد فعلوا بنا ما أعجز عن سرده، وكانت فترة ما قبل المحاكمة جحيماً لا يطاق. لقد أحضروا رفاقنا من النساء والفتيات وأذاقوهن مر العذاب بألوان لا يسعني اليوم استعادتها». لقد دخل السجن وعمره 24 عاماً، وخرج منه مؤرّخاً وهو فوق الستين.

حين توقف الصحافي أمام زنزانة مانديلا حيث احتجز 26 عاماً، أخذ يستذكر قصيدةً كان يردّدها مانديلا مع نفسه: «أشكر الآلهة التي وهبتني نفساً لا تقهر. حين أُسِرتُ لم أجفل ولم أصرخ، حيث كنت أرى الغضب والدموع يلوحان في الأفق».

كانت الصحف اليمينية تصف مانديلا أيضاً بالشرير، لكنه كان من الشخصيات التي ساهمت في دفع عجلة التاريخ إلى الأمام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3656 - الأحد 09 سبتمبر 2012م الموافق 22 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:33 م

      التاريخ حافل.. ولكن لا يتعظون!

      نعم تاريخ الأمم حافل بمن سلك الطريق الصحيح وجعل له ذكرى طيبة في صفحات التاريخ البيضاء، ولكننا في عصر الإنترنت والانفتاح والقرية الواحدة نرى أن أنظمة تنتمي للعصور ما قبل الوسطى لا زالت تمارس نفس الأخطاء وتحجز لها أسوأ ذكرى في أسود الصفحات...

    • زائر 6 | 8:35 ص

      أما عند بني يعرب ..

      الكثير من الامم تتغير وتنتهج أساليب جديدة تجدد دماءها بشبابها وبعنفوان مقاومتها للعيش بكرامة ويرضخ حينها لها حتى المشاكس من بني قومها ، الا قوم بني يعرب فانهم يخافون من كل جديد ودائم يحسبون كل صيحة عليهم .. واذا غلب الامر عليهم لتعاستهم قالوا .. عطنا فاصل .

    • زائر 5 | 3:18 ص

      اللاعنف مقابل عنف يحاول جرّ الشعب المسالم الى عنفه ثم يتهمه بالعنف

      لم ولا ولن يكون شعب البحرين من الشعوب المولعة بالعنف ولا الممارسة ولا الداعية له يشهد لها بذلك العالم كله، تاريخ البحرين قديمه وحديثه يشهد بذلك ومن يحاول الآن تشويه صورة شعب البحرين بسبب مطالبته فسوف يأتي عليه زمان يذكر في خانات الآفاكين الأشرين الذين يرمون الشعب بما ليس فيه.
      نحن نرى ونعي الحدث ومحاولة جرّ الناس الى العنف جرا قسريا لم تفلح الى الآن رغم ان الناس ليسوا كلهم بنفس المستوى من الوعي ليعوا كيفية ان يجرّوا جرا الى اخلاق دخيلة عليهم.
      شعب البحرين يتحرج من مسألة الدماء والاعراض ولكن؟

    • زائر 4 | 2:00 ص

      غير مسلمين

      هذا وهم غير مسلمين ، فكيف بنا نرى في أمة محمد (ص) وفيها البطش والظلم والسجن والدكتاتورية ، وفوق ذلك كله نرى (رجال دين) يدافعون عن الظلم ويبررون للدكتاتورية بأشياء ما انزل الله بها من سلطان.

    • زائر 3 | 1:21 ص

      الرسالة وصلت

      اعتقد جازماً أن المقصود من وراء المقال الحقوقي نبيل رجب في يوم محاكمته

    • زائر 7 زائر 3 | 12:07 م

      يمقن ويمقن

      ويش دراك يا خوك؟ تعلم الغيب؟ يمكن إي ويمكن لا. والله أعلم!!!!!!

    • زائر 2 | 12:40 ص

      اياك اعني واسمعي يا جاره

      متى نرتقي ونكون من فئة انا اربح وانت تربح بدل من انت تخسر وانا اربح.

    • زائر 1 | 12:21 ص

      نعم الظلم يقهر والدكتاتورية تهزم متى ما كان هناك المغيرون وعزيمة الشعوب التي لا تقهر.

      النصر آت لكل المظلومين
      والظلم زائل زائل
      والله اكبر

اقرأ ايضاً