العدد 3662 - السبت 15 سبتمبر 2012م الموافق 28 شوال 1433هـ

هكذا يُسمِع العراقيون أصواتَهم في برامج محو الأمية!

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

«كنتُ أشبه بعمياء يصعب عليها الذهاب إلى أي مكان من دون قراءة اللافتات واللوحات، وأذكر عندما ذهبت ذات مرة إلى طبيب العيون، وعندما دخلت إلى الطبيب وقلت إن عينيّ تؤلماني بالليل، فصرخ الطبيب وقال: هذا ليس طبيب العيون، هذا طبيب أسنان»!

هكذا وصفت إحدى السيدات العراقيات حالتها عندما ذهبت يوماً ما إلى احد المستشفيات.

فبعض الأميين كانوا يعيشون الحزن والأسى عند مشاهدتهم لأقرانهم وهم يذهبون إلى المدرسة، أما البعض الآخر فقد شبَّه نفسه بالإنسان الضرير الذي لا يرى إلا نفسه، ولا يرى الأشياء من حوله!

تلك انطباعات عفوية لعيِّنة من الأفراد الذين اكتسبوا مهارات القراءة من برامج اليونسكو لمحو الأمية في العراق في الوثيقة المعنونة بـ «قوة محو الأمية: شهادات من العراق»، إذ تعدُّ هذه الوثيقة بمثابة دليل وتأكيد على أهمية محو الأمية في إحداث التغييرات الإيجابية الملموسة التي يمكن لأنشطة محو الأمية أن تحدثها في حياة الأشخاص.

معظم الأخبار والتقارير الأممية عن المشهد التعليمي في العراق تشير إلى توجّه المجتمع العراقي نحو إعادة تشكيل نواة التعليم، ففي شهر أغسطس/ آب الماضي 2012م أصدر قطاع التربية بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تقريراً مهماً بعنوان «العراق: حديثو العهد بتعلّم القراءة والكتابة يُسمِعون أصواتهم».

تضمّن التقرير شهادات محفّزة لقدرة العراقيين على تقليص معدل الأمية الذي يبلغ على الصعيد الوطني 22 في المئة، مع تزايد أعداد الأميات من النساء الريفيات وهن القطاع الأكبر المتأثر بهذا الواقع.

الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة الأمّية في المجتمع العراقي عديدة، من أهمها: الظروف الأمنية والاقتصادية المتدهورة في البلد وتهجير ملايين العراقيين، ما دفع بالكثيرين من أبناء العائلات الفقيرة إلى ترك مقاعد الدراسة والبحث عن عمل لتوفير لقمة العيش، وتسرّب آلاف الأطفال من المدارس الذي ساهم في تفشّي ظاهرة خطيرة، ألا وهي «عمالة الأطفال» التي تطرّق إليها مندوب العراق في اجتماع مائدة مستديرة رفيع المستوى عُقد في مقر منظمة اليونسكو في باريس بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية بشأن التصدي لتحديات الأمية في 41 بلداً هي أبعد ما تكون عن تحقيق أهداف التعليم للجميع، بعنوان «تحقيق هدف محو الأمية بحلول عام 2015: الوفاء بالتعهدات» يومي 6 و7 سبتمبر/ أيلول 2012م بأن «المشكلة الرئيسية المتصلة بالأشخاص المفتقرين إلى مهارات القرائية هي أن الاندفاع للحصول على عمل هو أقوى بكثير من الاندفاع للتعلّم».

هذا إلى جانب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية العام 1980م مروراً بالحصار الذي فرض على العراق العام 1990م والذي أسفر عن تسرّب فئات كثيرة من المدرسة، والأخطر من ذلك كله هو توقّف العمل بقانون إلزامية التعليم وظهور النقص الشديد في البنى الأساسية للتعليم.

إن معالجة ظاهرة الأمية تعدّ من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة العراقية لإصلاح النظام التعليمي على جميع المستويات، لذا فقد قامت وزارة التربية في العراق وبالتعاون مع منظمة اليونسكو ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص بتنفيذ سياسات واسعة النطاق في السنوات الأخيرة لتحقيق أهداف التعليم للجميع، والارتقاء بدور المنظمات غير الحكومية الوطنية وتنمية وعي الجماهير والفئات المحرومة بأهمية محو الأمية بوسائل عدة، منها: منح الجوائز للطلبة المتفوقين في برامج محو الأمية، وبث فقرات تلفزيونية ترويجية، والاضطلاع بأنشطة توعية موجهة إلى أشد المجتمعات المحلية ضعفاً في المناطق الريفية الفقيرة.

من المتوقع أن تقوم منظمة اليونسكو بدور كبير في تعزيز القدرات والكفاءات العراقية بتقديم المشورة والخبرات وإعداد مواد تعليمية ومناهج دراسية لمحو الأمية، ولا أدل على ذلك من قيام كل من اليونسكو ووزارة التربية العراقية في مارس/ آذار 2012م بإطلاق حملة لإنشاء 125 مركزاً مجتمعياً لمحو الأمية وتطوير المهارات الحياتية، وإنشاء أربعة مراكز تعلّم خاصة بالمجتمعات المحلية في كل من محافظات بغداد والمثنى وديالى، وقيام وزارتي الدفاع والداخلية بفتح دورات محو أمية لأفراد الجيش والشرطة وغير ذلك.

كما أن رؤية اليونسكو تقوم على تشجيع جميع الأطراف الرسمية والأهلية لمعالجة ظاهرة الأمية، فمنذ أن أطلق مكتب يونسكو العراق في العام 2010م مشروع مبادرة محو الأمية من أجل التمكين (life) في إطار عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية (2003-2012) وهو يهدف إلى حثّ مؤسسات المجتمع المدني المعنية والقطاع الخاص على المشاركة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بتعزيز محو الأمية والتعليم غير النظامي في العراق.

لقد قامت وزارة التربية في العراق بتخصيص 28 مليار دينار عراقي لمحو الأمية، والذي من المفترض أن يغطي 200 ألف دارس أمي في جميع المحافظات العراقية، لتشمل هذه المخصصات المالية تهيئة المستلزمات الدراسية من الكتب والدفاتر وتأمين وسائل نقل الدارسين الأميين من وإلى مراكز محو الأمية، وإمكانية تحمل الصفوف الدراسية أكثر من طاقتها الاستيعابية؛ نظراً للإقبال الكبير على الالتحاق ببرامج محو الأمية، ما يعكس تطلع شعب تواق للمعرفة والبناء.

يذكر أن هذا العام 2012م يصادف نهاية عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية الذي أُعلن في العام 2002م؛ لتحفيز العمل في حكومات العالم كافة من أجل محو الأمية مع وجود 775 مليون شخص يفتقرون إلى مهارات القرائية.

ما من شك أن إقرار قانون محو الأمية الجديد سيفتح الآفاق نحو إيصال التعليم إلى الفئات المنسية والمهمشة من أطياف المجتمع العراقي، وخصوصاً أن هذا القانون يلزم الأميين بالانخراط في صفوف التعليم، فضلاً عن إقرار حوافز مادية للمتميزين منهم؛ بقصد تشجيعهم على الانتظام والمواظبة على مقاعد الدراسة.

حتى الآن، ومع كل الجهود المبذولة لمحو الأمية في العراق، فإن الطريق لايزال صعباً وشاقاً، إلا أن ثمة أمل وجدته وأنا أستمع لأم محمد، تلك السيدة العراقية الملتحقة ببرنامج محو الأمية في العقد الرابع من عمرها وهي تحاول أن تنطق ببعض الكلمات التالية التي ضمّنتها (مونت كارلو الدولية) في تقريرها:

كان عندي عزاء فبكى معي

هو شريكي في العسر واليسر

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3662 - السبت 15 سبتمبر 2012م الموافق 28 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:22 م

      على العكس يا عزيزي

      ليتسم الكاتب بالموضوعية الموضوع على العكس من ذك عزيزي زائر1 فلا شك من جهود النظام العراقي السابق في مكافحة الامية واعلان العراق عام 1990 إنهاء الامية في العراق إلا أن نظام البعث مسؤول بشكل كبير جدا عن تدهور التعليم بسبب الحروب التي شنها على جيرانه وشعبه في الشمال والجنوب وما انعكس عنها من تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار العملة العراقية في التسعينيات حيث كان المدرس العراقي يتقاضى 5000 دينار عراقي وهو ما كان يساوي دينار بحريني إضافة إلى توقف التنمية بعد حرب العراق الأولى (تحرير الكويت)

    • زائر 1 | 1:10 ص

      هي براقش جنت على نفسها

      في تسعينات القرن الماضي اختفت الأمية من العراق بفضل السياسة التي وضعتها الحكومة السابقة للقضاء على الأمية وفعلا نجحت وتخلص العراق من الأمية وبشهادة اليونسكو والتي اشادت بتجربة العراق وحثت بقية الدول على الاقتداء بهذه التجرية ، ولكن هذا لم يعجب اعداء العراق وكيف يكون العراق بلا أميا واحدا ، فنسجوا له خيوط التآمر والتدمير وإرجاعه 70 سنة للوراء ، لا تقل إن الحكومة الحالية تعمل على محو الأمية فهم من ساعدوا على احتلاله وتدمير العراق وتدمير علمائه وهدم البينة التحتية له ،العراق لن يرجع كما كان .

اقرأ ايضاً