العدد 3664 - الإثنين 17 سبتمبر 2012م الموافق 01 ذي القعدة 1433هـ

إنا كفيناك المستهزئين

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

ليس من الصعوبة في شيء أن نقول: «هناك هجمة صليبية صهيونية عامة شرسة ممنهجة من الغرب المتحضّر ضد الإسلام والمسلمين تختلف من مكان إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى ولكنّ الهدف واحد الإساءة للإسلام والمسلمين». ولكن من الصعوبة بمكان وخصوصاً في عصرنا، تحديد ردة الفعل المناسبة للرد على مثل هذه الاعتداءات على مقدساتنا.

فقد يقول قائل: «إذا كان السحاب لا يضره نبح الكلاب فهل يضر سيد الأنبياء سخرية من هنا أو هناك؟»، وقد لا يكتفي بهذا بل يدعم رأيه بما ورد في الآية الكريمة: «إنا كفيناك المستهزئين» (الحجر، 95)، حيث تبين الآية أن الله سبحانه وتعالى كفى رسوله الكريم ممن استهزأ به، وهذا ماضٍ إلى قيام الساعة دائماً وأبداً. لكن قد يحتجّ عليه محتجّ وينعته بالجهل وضعف الإيمان وعدم الإخلاص للنبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام: أمّا الجهل فلأن الآية نزلت في ملابسات معيّنة، فسورة «الحِجْر» مكيّة، وقد كان المسلمون يتعرضون للأذى والاضطهاد في مكة، ومعلوم أن المسلمين في مكة ما كان لهم قوة ولا دولة، وأنهم تعرّضوا لكثير من الأذى الجسدي والاستهزاء، لذلك تعهّد الله سبحانه وتعالى بكفّ الأذى وسخرية الساخرين عن نبيّه، وأمّا ضعف الإيمان وعدم الإخلاص فيتجلى حين ينسى المسلمون اليوم أو يتناسون بعض مواقف البطولة في الذود والدفاع عن النبيّ محمد (ص)، فانظر إلى غزوة أحد تجد مصداق تلك البطولات وممّن؟ من سبعة من الأنصار حيث أفرد صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلمّا رهقوه تداعى له الأنصار الواحد تلو الآخر للذود عنه، وردّ أذى الكافرين حتى استشهدوا الواحد تلو الآخر. وانظر إلى واقعة حطّين حين قال صلاح الدين الأيوبي لأرناط «أنا أنوب عن رسول الله».

فأين يتموقع المسلم في مثل هذه المواقف التي تنزل به وكيف ينصر نبيه؟ ما موقفه من الساخرين والمستهزئين؟ كيف يتصرف وماذا يفعل؟ إن الاستهزاء خلقٌ من أخلاق أعداء الله تخلّق به الكفار والمشركون، وتخلّق به المنافقون الذين احترقت أحشاؤهم على دين الله، وقد صرّحت الآيات بكفر هؤلاء المستهزئين، وانعقد إجماع علماء الأمة على أن الاستهزاء بالله ودينه وبرسوله كفرٌ بواحٌ يُخرج من الملة بالكلية.

ومن أهم بواعث الاستهزاء الكبر والنظر للنفس بالعجب والإكبار، والكره والحقد على هذا الدين العظيم. أما كيف يتصرف المسلم فإن أمهات الكتب الإسلامية تشير إلى ضرورة أن يتحلى المسلم بالصبر على الأذى في سبيل الله وأن يأخذ العبرة ممن هم خيرٌ منا. فتاريخ الرسل عليهم السلام حافلٌ بالاستهزاء كما جاء في الآية: «ولقد استهزئ برسل من قبلك...» (الأنبياء، 41)، كما يغدو المسلم مدعوّاً إلى عدم موالاة الساخرين والمستهزئين والإعراض عنهم وعدم مجالستهم.

لكن ما وصل إليه الأمر نهاية الأسبوع الماضي في الردّ على الإساءة والسخرية من شخص الرسول (ص) من خلال الفيلم الأميركي الذي أخرجه وأنتجه وكتبه إسرائيليّ وموّله قبطي يعيش في المهجر، ما وصل إليه الأمر أبعد من الخيال وتجاوز حدود المنطق: فما ذنب السفير الأميركي في ليبيا؟ هل كان مخرجاً ومن ماتوا معه ممثلون في الفيلم؟ هل كان يعرف أصلاً بوجود هذا الفيلم؟ هذا الاعتداء على الآمنين ولو كانوا من أهل الكتاب لا يجد له تبريراً في واقعة الحال وإنما خدم التيار المتشدد في الغرب لمزيد الترويج إلى افتراءاتهم عن الرسول الأكرم والدين الحنيف.

ثمّ ما ذنب المسلم الذي خرج لنصرة نبيه حاملاً شعارات سلمية وألواحاً ما ذنبه أن يموت بأيدي رجال الأمن المسلمين من بلاده؟ هل مات شهيداً؟ هل ألقى بنفسه إلى التهلكة حين أخذته الحمية وغرّر به بعضهم للاعتداء على مقرات السفارات للدبلوماسيين الآمنين؟ ما ذنب المواطن الأميركي المسيحي العادي والمسلم العادي هل يتحملان أوزار سياسة أميركية خاطئة أو اندفاعات بعض التيارات المشددة هنا وهناك؟

لئن كان الأصل في التعامل مع المسيئين عدم مجالستهم كما أسلف علماؤنا، فإن ردة الفعل التي حصلت شجعت المسلمين صغاراً وكباراً على مجالسة المستهزئين! فبمجرد سماع الأحداث وأسبابها حتى يهب الصغير قبل الكبير للاطلاع على المقطع السينمائي من خلال اليوتيوب، وهكذا قمنا بعملية ترويج مجانية للفيلم. وعوض أن يرتاد السينما ألف أو ألفان، سيرتاده مليون أو اثنان! أليس ذلك ما وقع مع كتاب «الآيات الشيطانية» لسليمان رشدي؟

إن الردّ في الحكمة وبها، وفي الوسائل التي لا تسيء لسمعة الإسلام والمسلمين والإسلاميين الذين يديرون الحياة السياسية اليوم في بعض بلدان الربيع العربي حيث وقعت هذه الأحداث. نعم للرد الشعبي الانفعالي إن كان مؤطّراً مسيطراً عليه أمنياً فهو ورقة ضغط قوية، لكن أيضاً الرد الرسمي لابد أن يرتقي إلى مطالب الشعوب وأن يعطيه صيغةً رسميةً كما حصل في تونس ومصر، حيث قدّمت حكومتا البلدين قضيةً مشتركةً لدى المحاكم الدولية في البحث عن المسئولين عن هذه الزوبعة.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3664 - الإثنين 17 سبتمبر 2012م الموافق 01 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:38 ص

      عفاوا لكن ...

      لا بد من تنقية تراثنا الإسلامي نظرا لوجود كثير من الخرافات والروايات الضعيفة والغريبة

    • زائر 7 | 4:57 م

      الرد الرسمي ما قيمته؟؟؟

      الرد الرسمي لابد أن يرتقي إلى مطالب الشعوب وأن يعطيه صيغةً رسميةً كما حصل في تونس ومصر، حيث قدّمت حكومتا البلدين قضيةً مشتركةً لدى المحاكم الدولية في البحث عن المسئولين عن هذه الزوبعة.

    • زائر 6 | 8:16 ص

      الأصل في التعامل مع المسيئين عدم مجالستهم

      لكن للأسف أبنؤنا وبناتنا أكثر من تبادلوا هذا المقطع وتفرجوا عليه سواء عن حب اطلاع أو أيضا لنوايا أخرى

    • زائر 5 | 3:33 ص

      إنا كفيناك المستهزئين

      على الدول الاسلامية العمل بجدية أكثر لكف يد المعتدين والساخرين حتى نمتص غضب الشعب

    • زائر 4 | 2:42 ص

      هي كذلك ولا بد من الحذر

      هناك هجمة صليبية صهيونية عامة شرسة ممنهجة من الغرب المتحضّر ضد الإسلام والمسلمين تختلف من مكان إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى ولكنّ الهدف واحد الإساءة للإسلام والمسلمين

    • زائر 3 | 2:35 ص

      أحسنت صدقت

      إن الردّ في الحكمة وبها، وفي الوسائل التي لا تسيء لسمعة الإسلام والمسلمين والإسلاميين الذين يديرون الحياة السياسية اليوم في بعض بلدان الربيع العربي حيث وقعت هذه الأحداث

    • زائر 2 | 2:02 ص

      هكذا حالنا0

      الذى أساء الى الرسول ألأعظم حصل على مبتغاه الذي يريده ليقول لهم شوفوا المسلمين ماذا فعلوا ليزيد الطين بله وكان ألأحرى بنا تفعيل محامين أكفاء لمقضاة من قام بأنتاج هذا الفيلم وليعلم العالم مدى قوة وحضارة ألأسلام الذي هو دين للسلام ولنبين لهم بأنهم مخطئين وكذابين امام الراي العام والمضاهرة السلمية لأستنكار ذلك لابأس بها لأنها من حرية التعبير الذي يؤمنون بها 0

    • زائر 1 | 12:22 ص

      الله يحفظ الإسلام

      يحفظ الله دينه ولكن دون فوضى

اقرأ ايضاً