العدد 3670 - الأحد 23 سبتمبر 2012م الموافق 07 ذي القعدة 1433هـ

أيها الغرب لا تختصر مصالحك في أمننا وخيراتنا ومشاعرنا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خلال أسبوعيْن انصرَفا، بَدَا العالم الإسلامي، غاضباً على فيلم مسيء للرسول محمد (ص)، تلاه إعلان مجلة فرنسية وأخرى ألمانية، عزمَهما نشرَ رسومات مسيئة أيضاً، فزاد الاحتقان على الاحتقان، وتدافَعَ المسلمون كيفما اتفق مُعبِّرين عن سَخَطِهِم وامتعاضهن على هذا الاستفزاز.

هنا نتساءل: هل حَصَلَ ذلك ضمن سِيَاق يحمل في طيَّاته البراءة، أم هو السِّيَاق ذاته الذي يحمل على أنيابه المؤامرة بعينها كما نحب أن نختصر الأمور فيها؟ ثم نتساءل أيضاً: هل يجهل الغرب ذو الطبائع (العقلية) الراديكالية طبائِعَ الشرق (الروحيَّة) الفاقعة، لكي يجعل العقل الغربي والروح الشرقية في تناطحٍ دامٍ لا يؤدي إلاَّ للمواجهة والتكاره والخصام؟

ما أتصوره أن هذا الغرب، الذي يرصد ملياريْ دولار على بحوثٍ لمسبارِ فضاءٍ ذاهبٍ إلى المريخ، لابد أنه يرصد أضعافَ ذلك لبحث شئون الشرق، الذي تكتنز أرضه بنفط العالم ومعادنه وخيراته، ويحوي أهم المضايق المائية في العالم، وخطوط الملاحة الدولية، وثلاثٍ من ديانات الكون الرئيسية: البوذية، الهندوسية والإسلام. إذاً الموضوع لا يمكن أن ينتهي بمؤامرة أو براءة فقط، فهذا تبسيط.

كثيرون منا قرأوا وكَتَبَوا وبَحَثَوا في التاريخ الغربي. وهذا الكثير يُدرك، كيف تحوَّل الدِّين، في أوروبا من شيء أشبه بالسماء، لا يستطيع أحدٌ التهرُّب منه، إلى حَسَكٍ للسَّعْدَان يُداس ويُهان. الغرب الذي خاضَ قرنين من الحروب الدينية بسبب تجاوز اللوثريَّة على حرمة البابوية بآراء رأى فيها تجديفاً واضحاً كما يصفها، أصبح يبصق على المسيحية، ويبيع كنائسها بثمن بخس.

لقد جاء روبرت أوين وتوماس بين، لِيَرمِيَا بالكتاب المقدَّس (الإنجيل) أرضاً. ثم تطوَّر الأمر، عندما تطرَّفت البروليتاريا والحركات العُمَّاليَّة الجديدة ضدَّ الدِّين، حتى أصبحت مرادفاً للإلحاد. ولم تأت ثلاثينيات القرن التاسع عشر، إلاَّ والإنجيل بات يُنظَر له على أنه مجرَّد وثائق تاريخية مُعَابَة. ثم جاء لاكمان ليشكِّك حتى في نبوَّة عيسى (ع). ثم جاء شتراوس وداروين ليكمِلا ذلك النهج ضد الدِّين أكثر وأكثر. هذا ما يذكره كبار المؤرخين الغربيين، الذين رَصَدوا تلك الحقبة لحظة بلحظة.

هذا الأمر نفهمه في أوروبا. ونفهم أيضاً، أن النظام السياسي والاجتماعي الأميركي، استخدم الدِّين في مواطن عِدَّة، لتحقيق أهداف روحيَّة حقيقية، وسياسية، وبالتحديد البروتستانتية المتشددة، التي حَمَلتها جمعيات أميركية، منذ نهايات القرن الثامن عشر. ورغم ذلك فإننا نقول، ان هذا شأنهم.

فما يعنينا هو النظرة إلى هذا الشرق، إنهم يُدركون (الغربيون) أنه لايزال شرقاً روحياً بامتياز. حتى موطن البوذية والهندوسية، مازالت الروحيَّة، تلعب دورها فيهما. ويفهم الغربيون ما قد يؤدِّيه هَدم مسجد، كالمسجد البابري في الهند، الذي خلَّف ألفاً وست مئة قتيل، في فتنة إسلامية – هندوسية رهيبة في العام 1992، وما قد تفعله جماعة أوم شنريكيو في اليابان أيضاً.

فإذا كانوا يُدركون ذلك، فلماذا الاستفزاز إذاً؟ إذا كانوا قادرين، أن يعاقبوا الفيلسوف روجيه غارودي، ويكسروا فَكَّ المؤرخ الكبير روبرت فيرسون، لأنهما تحدثا عن الهولوكوست، أفلا يستطيعون أن يضبطوا نفراً من الضُؤلاء، أمثال نقولا باسيلي، أو مجلة شالي إيبدو المغمورة، لكي لا يتحدثا فيثيرا مشاعر مليار ونصف المليار من البشر؟

هذا الأمر غير مقبول، ولا يُمكن تصديقه. بل إن الدول الغربية، تدرك أكثر من أيِّ وعاء سياسي واجتماعي في العالم، مدى خطورة العَبَث بالديانات؛ وخصوصاً أنه عاش تلك التجربة وخَبرَها جيداً عندما كانت مجتمعاته منتفخة روحياً، ومنقسمة على أساس ديني طائفي خطير.

الغرب اليوم، يساعد على تولُّد الكراهية ضده. وهو يغذّي أسبابها بحجَّة واهية تسمَّى حرية التعبير. هذه الحرية التي غابت في تعامله مع الأحزاب الشيوعية الأوروبية والأميركية خلال الحرب الباردة. وغابت مع أي مراجعة للعلاقة الغربية مع الصهيونية، وكلّ ما يتصل بتاريخ اليهود في أوروبا.

هو يُدرك، أن هذا الشرق المسلم، ومنذ انكفاء الدولة العثمانية، ثم تحطُّمِها، لم يكن يوماً رائداً لمشروع إمبريالي توسُّعي. ولم يُشعِل حروباً دينية مع الديانات الأخرى، أو صراعات كونيَّة. بل على العكس، فقد جاءته الصهيونية إلى حَدِّه، وشرَّدت شعباً كاملاً من دياره. كما أن الاستعمار لم ينفك عنه وعن أرضه، إلاَّ في مطلع السبعينيات من القرن الماضي.

وحتى عندما جاء تنظيم القاعدة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، لم يحظ هذا الفصيل المتشدد بتأييد الرأي العام عربياً وإسلامياً. وعندما قامت القاعدة بعمليات إرهابية في أميركا، شَجَبَها المسلمون من أول ساعة حدوثها ولم يترددوا في ذلك. هذا هو الشرق.

إن الدوافع الإمبريالية للغرب هي التي أوجَدَت خمسة ملايين لاجئ في أوروبا خلال ثمانية أعوام فقط أثناء سنوات الحرب العالمية الأولى وما تلاها. ثم وصَلَ العدد إلى 40 مليونا ونصف المليون لاجئ أوروبي خلال الحرب الثانية. هذه الأرقام، لم يكن للعرب ولا للمسلمين يدٌ فيها.

وعندما حُوصِرَت لينينغراد مدة عاميْن ونصف العام، حتى هَلَكَ فيها مليون إنسان، لم يكن للشرق العربي والمسلم دور في مأساتها. وعندما قتَلَ الألمان ثلاثة ملايين وربع المليون أسير روسي خلال الحرب لم يكن للعرب ولا للمسلمين وجود حينها في معسكرات برلين الفظيعة. وعندما قَتَلَت وجرَحَت وشرَّدت القنبلتان الذرِّيتان الأميركيتان مئات الآلاف من اليابانيين الأبرياء لم يكن ذلك من صنيع العرب أو المسلمين. كما لم تأت الفاشية ولا النازية من أرضهم ولا من ديارهم.

هذه البلاد العربية والإسلامية، احتضَنَت في السابق المستشرقين، وغَفَرَت للغرب حقبته الاستعمارية، وبالتحديد جرائمه في الجزائر، وتلقفت منه حتى النزعة العلمانية، وأقامت معه أفضل العلاقات، لكنه مازال يسيء إليها بشكل فج، من مِخرَز هو من أبسط حقوقه.

على الغربيين أن يدركوا، أنهم يساهمون في إذكاء نار التعصُّب. أيها الغرب، إنك صَنَعتَ المدنية والحضارة والتقدم، فلا تفشل فيما هو أدنى منها. أن تفهم الشعوب، وألا تختصر مصالحك في أمنهم وخيراتهم ومشاعرهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3670 - الأحد 23 سبتمبر 2012م الموافق 07 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:30 ص

      عيسى بن مريم

      الغرب الذي أهان عيسى بن مريم هل تظن أنه سيحترم غيره؟؟؟؟؟؟

اقرأ ايضاً