العدد 3673 - الأربعاء 26 سبتمبر 2012م الموافق 10 ذي القعدة 1433هـ

جنيف... محطة حقوقية دولية لها نكهتها الخاصة

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

إن جلسة جنيف لحقوق الإنسان كانت محطة حقوقية، والوضع الحقوقي غير المستقر قد أكسبها أهمية كبرى، فلهذا كانت الاستعدادات كبيرة جداً من الطرفين (الحكومة والمعارضة) لليوم الموعود لهذه الجلسة، وقد استخدم الطرفان لكسب جولتها جميع الأدوات والوسائل والطرق المتاحة لهما، لاشك أن هناك فارقاً كبيراً بينهما في الإمكانيات المتوافرة لكلٍّ منهما، فالحكومة بالتأكيد إمكانياتها الاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية، لا تقارن بإمكانيات المعارضة التي تعتمد على أدواتها الذاتية المحدودة وطاقاتها الشبابية المحلية في رصد الانتهاكات الحقوقية في مختلف المناطق.

فالعالم وقف بين مفارقتين واسعتين بينهما تباين كبير في الأساليب والآليات، وفي أهدافهما الحقوقية والسياسية، طرف هيأت له إمكانيات كبيرة جداً لتحقيق أهدافه، والطرف الآخر جاء بإمكانياته الذاتية معتمداً على تفهم العالم الذي يؤمن بحقوق الإنسان وبالديمقراطية قولاً وفعلاً للقضية الحقوقية التي يحملها، وتفهم أكبر للأزمة السياسية التي خلفت الكثير من التداعيات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، هذه المفارقة لا يختلف عليها أحد من السياسيين والحقوقيين في العالم، فالطرف الأول (الحكومة) التي وقع اختيارها بالقرعة لتقديم تقريرها الدوري لحقوق الإنسان، ولم يحدد الموعد سابقاً ضمن جدولة معينة إلا بعد إجراء القرعة، ولم تخصص الجلسة في الأصل لمناقشة الأزمة الحقوقية والسياسية الحالية في البلد، ولم تذهب الحكومة لتتحدث عن الأزمة لا من بعيد ولا من قريب، لأن إطارها محدد منذ فترة بعيدة.

فالوفد الحكومي هيأ نفسه في الجلسة الأولى التي عقدت في 25 يونيو/ حزيران 2012، من الواضح أنه من خلال ما قدمه الوفد الحكومي في التقرير، بمثابة استعراض ما تم إنجازه في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الأربع الماضية بعيداً عن الأزمة الحقوقية التي يعاني منها الوطن كثيراً، والتي يتحدث عنها في جميع أنحاء العالم، ولكن أعضاء المجلس كأنهم أصروا على أن يجعلوا الأزمة الحقوقية في البحرين حاضرة في مناقشاتهم، التي لم تكن حاضرة في تقرير الحكومة، قيل إن فرض ملف الأزمة الحقوقية في الجلسة الأولى، اعتبرته الكثير من المنظمات الحقوقية العالمية إنجاز كبير للمعارضة، وإن 176 توصية التي رفعها المجلس للحكومة، إنجاز آخر تحققه المعارضة في المجال الحقوقي، في الجلسة الثانية التي قرر لها أن تعقد في يوم الأربعاء 19 سبتمبر/ أيلول 2012 في جنيف، التي ضاعفت الحكومة - من أجل كسبها - من جهودها واستعداداتها الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية والعربية والدولية بشكل لافت، واختارت لتمثيلها المسئول الأول عن السياسة الخارجية، لما يتمتع به من دبلوماسية جيدة، وما يمتلكه من خبرة واسعة في العلاقات الدولية وقدرة فائقة في التحدث أمام المنظمات الحقوقية، ليكون مقدماً لتقريرها ومتحدثاً نيابة عنها في الجلسة، وليجيب عن الأسئلة التي قد تطرح من الوفود الدولية الحاضرة فيها، والتصدي لجميع تساؤلات واستفسارات الصحافيين، ولديه الصلاحية في إعطاء الوعود والموافقة على أية التزامات حقوقية يطلبها المجلس من الحكومة، من دون الحاجة إلى طلب الرجوع إلى البلاد للتشاور، وحاولت الحكومة معالجة السلبيات التي حدثت في الجلسة الأولى التي أظهرت تشكيل الوفد الحكومي من طيف واحد من المجتمع المتنوع الأطياف أمام الوفود الدولية، فلهذا في هذه المرة حاولت الحكومة الابتعاد عن النقد بسبب هذه المسألة، بجعل الوفد المكون من عشرات الأفراد متنوع الطوائف.

والمعارضة من جانبها أيضاً كثفت من اتصالاتها وتواصلها السياسي والدبلوماسي والحقوقي مع مختلف الجهات المحلية والدولية، وحاولت أن تحشد في يوم انعقاد الجلسة أعداداً كبيرة من الحقوقيين والقانونيين والسياسيين والصحافيين، من أجل أن تنقل في اعتقادها الصورة الحقيقية عن الوضع السياسي والحقوقي في البلد إلى أوسع دائرة في العالم، والذي وصفته بأنه مأساوي إلى أبعد الحدود، وقالت إنها حاولت التفوق على الوفد الحكومي بكثرة الدلائل والأدلة الموثقة توثيقاً دقيقاً التي تدل على حجم الانتهاكات، والتي طالت أعداداً واسعة من أبناء المجتمع بمختلف الفئات والتخصصات العلمية والأدبية والإعلامية والتعليمية والإعلامية والرياضية والفنية والعمالية والطلابية والأطفال والنساء والفتيات والشابات، لأنها تعلم أن العالم لن يستمع إليها إذا ما وجدت في تقريرها أية معلومة خاطئة، وأكدت أنها كانت تتحدث في جنيف أمام الحقوقيين بكل ثقة واطمئنان بصحة ما أوردته في التقرير وفي مؤتمراتها الصحافية، وكانوا يعلمون أن المجلس سيعتمد تقرير الحكومة بعد موافقتها على قبول 156 توصية من أصل 176 توصية، وكانت المعارضة تقول في مختلف المحافل السياسية والحقوقية والاجتماعية والإنسانية، إنه بمجرد قبول الحكومة بتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وتقبلها لأجل توصيات جنيف، يعتبر إقراراً منها بوجود انتهاكات حقوقية واسعة في البلاد، وهذا ما اعتبرته المعارضة مكسباً كبيراً لها بكل المقاييس الحقوقية.

لم تكن المعارضة تنتظر من مجلس حقوق الإنسان أي إجراء يؤدي إلى عدم قبول تقرير الحكومة، لأن قبول المجلس للتقرير مسألة منفصلة تماماً عمّا يرمون إليه، في اعتقادها ونقصد المعارضة أنها حققت أهدافها الحقوقية بنسبة كبيرة، وتقول دائماً لتيارها العريض عن القضايا الحقوقية، إن دربها طويل، ويحتاج إلى صبر ومواصلة العمل من أجل الوصول إلى الأهداف التي وضعتها المنظمات الحقوقية الدولية والتي وقعت عليها الحكومة، فغرضها كما تقول تنفيذ كل بنود حقوق الإنسان بكل حذافيرها على جميع المواطنين من دون استثناء عرقي أو طائفي أو مذهبي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين جميع المواطنين بمختلف أطيافهم ومشاربهم الدينية والمذهبية، وأن يكون الأمن للجميع.

وهناك طيف ثالث لا يقف مع أسلوب الحكومة ولا مع نهج المعارضة في معالجة الأزمة، برز في الآونة الأخيرة بوضوح وبالتحديد بعد براءة الكوادر الطبية من جميع التهم التي كان الإعلام الرسمي يؤكد حدوثها على لسان كبار المسئولين في وزارتي الصحة والتنمية الاجتماعية، وزاد شكوك هذا الطيف الذي تزايد عدد أفراده في مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعه المختلفة، بعد نفي القصص التي ألفت وفبركت على وجود مؤذن قطع لسانه، واتضح لهؤلاء أن القصد من ورائها، كان إثارة المشاعر الطائفية بين أبناء المجتمع الواحد، هؤلاء وقفوا بسلبية مع ما أعلن في الإعلام عن إنجازات الوفد الحكومي في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وهم ينتظرون المؤشرات الحقيقية لتلك الإنجازات التي تداولها الإعلام بصورة واسعة، وكأنهم يوافقون على الرأي القائل، إن قبول الوفد بالتوصيات وتعهده بالالتزامات الحقوقية التي طلبها المجلس منه، يعطي مؤشرات حقوقية، جديرة بالاهتمام والتأمل قبل الحكم عليها، وكأنهم يقولون إنه ليس لأحد أن ينفي أحقية الحكومة في الدفاع عن إجراءاتها وأحكامها وقراراتها، كما يرون أن من حق المعارضة أن تبرز المعلومات الحقوقية التي تراها أنها حقائق، فتتركها أمام العالم ليحكم على صحتها من عدمها.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 3673 - الأربعاء 26 سبتمبر 2012م الموافق 10 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً