العدد 3675 - الجمعة 28 سبتمبر 2012م الموافق 12 ذي القعدة 1433هـ

اللهجات في البحرين: حرف الياء ولهجة «النساء»

في الفصل السابق وصفنا لهجة فرعية تندرج تحت لهجة العرب، وهي لهجة تتميز بإضافة حرف الياء قبل ضمير الرفع المتصل، وكذلك إضافة همزة مكسورة في بداية الفعل (للفعل الثلاثي الصحيح فقط)، وعلى رغم أن هذه الصيغ تستعمل بكثرة من قبل العامة في الخليج العربي بصورة عامة إلا أنها تزدري من قبل المتعلمين، وقد اعتبرت صيغ سوقية في كل من البحرين والكويت ودبي (جونستن 1983، ص 207، وهامش ص 130). وقد صرح جمال المهيري في أكثر من مقال (في صحيفة «البيان» وفي اتجاهات) أن كبار السن كانوا يضربون الصبيان على نطق مثل هذه الصيغ. أما سعد مبخوت فإنه يصرح أن استعمال هذه الصيغ في البحرين مقتصر، بصورة أساسية، على النساء والمدللين و «الجنس الثالث» (مبخوت 1993، ص 135 - 136). يذكر أن هذه اللهجة غير مقتصرة على جماعة عرقية واحدة فهي موجودة أيضاً في لهجة أهل سيهات، والجش، وأم الحمام، وبعض نواحي الأحساء (القصاب 2003، الواحة العدد 28)، كذلك ليست مقتصرة على دول الخليج فقط؛ ففي اللهجة العربية الخوزستانية يقولون «كليت وشربت» (عبياوي 2010)، وكذلك في اللهجة الليبية يقولون (كليت) بدلاً من أكلتُ (أبوحديد 1959).

في الواقع أن ظاهرة إضافة الياء قبل ضمير الرفع المتصل موجودة في لهجات عربية قديمة وذلك في الفعل المضعف، وتوجد الياء بصورة طبيعية قبل الضمير في الفعل الناقص حيث تقلب الألف المقصورة إلى ياء، وبالتالي فإننا نرجح هنا ما افترضه جونستون في ستينات القرن الماضي من أن هذه اللهجة قد انتشرت بسبب تعميم العامة صورة فعل ما على جميع الأفعال الأخرى حيث جنحت عدد من اللهجات (في البحرين وقطر والكويت ودبي) لجعل كل الأفعال تتبع تصريفاً واحداً، فتضاف النهايات إلى الصيغ الثابتة للأفعال الصحيحة والمعتلة على حد سواء (جونستن 1983، الصفحات 130 و207). والخلاف بين اللهجات العامية المعاصرة ليس في وجود هذا التعميم ولكن في عدد أنواع الأفعال التي شملها هذا التعميم، وكي نوضح ذلك يجب أن نتناول أكبر عدد من الأفعال وتصريفها ومدى تأثرها بهذا التعميم.

الفعل المضعَّف والضمائر المتصلة

في اللغة العربية الفصحى عند إسناد ضمائر الرفع المتصلة إلى الفعل المضعف فإنه يتم فك التضعيف ومن ثم إضافة الضمير، كما في ردَّ تصبح رددت وعضَّ تصبح عضضتُ، أما في اللهجات العامية المعاصرة فإنه يتم تخفيف التضعيف (أي حذف أحدهما) وإضافة حرف الياء قبل الضمير المتصل باستثناء مع تاء الغائبة ومع واو الغائبين فإنه يكتفى بالتخفيف، فيقال في ردَّ: رديت، كذلك في اللهجات في البحرين تتبع هذه الظاهرة والخلاف الوحيد في البحرين بين لهجة العرب واللهجة البحرانية هو نوعية الضمير المتصل فقط فهي متفقة في إضافة حرف الياء، فلو أخذنا الفعل ردَّ فإن صوره في اللهجات في البحرين تصبح: مع تاء المتكلم والمتكلمة (رَديتْ)، ومع نون المتكلمون (رَدينا)، ومع تاء المخاطب (رَديتْ)، ومع تاء المخاطبة (رديتَي في لهجة العرب ورَديتِينْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء المخاطبون (رَديتَوا في لهجة العرب ورَديتونْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء الغائبة (رَدَتْ)، ومع واو الغائبين (رَدَوا).

وقد ورد ذكر التخفيف في كتب اللغة «وذلك بحذف أحد الحرفين المضعَّفين في الفعل المضعف عند إسناده إلى ضمائر الرفع المتحركة فيقولون في: (أحْبَبْتُ: أحَبْتُ)، وفي: (أحْسَسْتُ: أحَسْتُ)، وفي: (شدَدْتُ: شَدْتُ) وفي: (ظَلَلْتُ: ظَلْتُ)، وفي: (مَسَسْتُ: مَسْتُ)، وهي ظاهرة نسبت إلى قوم من ربيعة ومن بني عامر من قيس عيلان (الشجيري 2005، ص 72 من النسخة الإلكترونية).

وكذلك ظاهرة التخفيف وإضافة الياء قبل الضمير المتصل فقد ذكرت في كتب اللغة، وقد وصفت في باب إبدال أحد المضعفين فقد «يلجأ العرب إلى التخفيف أحياناً إذا تكرر الحرف فيبدلون الأخير منه ياء ساكنة. قال ابن جني في الخصائص (ج2، ص 91 و92): «ومنه قصَّيت أظفاري وهو من لفظ قصص... وقد عقد سيبويه في كتابه (2 /401)، فصلاً في ذلك قال فيه: «هذا باب ما شذَّ فأبدل مكان اللام ياء لكراهية التضعيف». وفعل نحو ذلك ابن السكّيت في كتابه (القلب والإبدال)، وأبو الطيب اللغوي في كتابه (الإبدال): كما ذكره ابن سيده في المخصص (ج13)» (الزعبلاوي 1994).

وهناك عدد من الكتاب المحدثين يرون أن هذه الياء هي نتيجة لعمليتين، الأولى إضافة ألف قبل الضمير المتصل، والعملية الثانية قلب الألف إلى ياء، فقد عزي إلى بعض العرب أنَّهم كانوا يدغمون الحرف المضعف في الفعل الماضي ويزيدون ألفاً قبل الضمير بعد الإدغام، قال رضي الدين الاستراباذي في كتابه (شرح شافية ابن الحاجب): «وبعضهم يزيد ألفاً بعد الإدغام نحو: (ردَّات، وردَّان)؛ ليبقى ما قبل هذه الضمائر ساكناً كما في غير المدغم نحو (ضربْتُ، وضربْنَ)» (دار الكتب العلمية 1982، ج3 ص 245)، وقد علق الشجيري على ذلك بقوله «ولعل تلك اللهجة هي أصل لهجتنا العامية حتى الآن، حيث نقول: (رَدَّيت، وشَدَّيت في: رَدَّات وشَدَّات) وكلُّ ما حدث أنَّه أميلت الفتحة نحو الكسرة، والألف نحو الياء لسهولة اللفظ» (الشجيري 2005، ص 72 من النسخة الإلكترونية).

الفعل المهموز الفاء المجرد

يوجد للفعل المهموز الفاء المجرد الصحيح (مثل: أخذ، أكل، أمر) أربع نماذج مختلفة للتصريف عند إسناده لضمائر الرفع المتصلة، نموذج واحد خاص باللهجة البحرانية والثلاثة الأخرى خاصة بلهجة العرب.

في اللهجة البحرانية

يعامل الفعل المهموز المجرد معاملة الفعل الثلاثي الصحيح عند إسناده إلى ضمائر الرفع المتصلة، فيقال في أكل: مع تاء المتكلم والمتكلمة (أكلتْ)، ومع نون المتكلمين (أكلنا)، ومع تاء المخاطب (أكلتْ)، ومع تاء المخاطبة (أكلتِينْ)، ومع تاء المخاطبين (أكلتونْ)، ومع تاء الغائبة (أَكلَتْ)، ومع واو الغائبين (أكلوا).

مع لهجة العرب

تقسم الأفعال المهموزة في لهجة العرب إلى قسمين، القسم الأول يضم الفعلين (أكل وأخذ) فلهم تصريفهم الخاص، أما باقي الأفعال مثل (أمر)، فتعامل تماماً كمعاملة الفعل الثلاثي الصحيح المتصل باستثناء مع تاء الغائبة ومع واو الغائبين فيقال في أمر: مع تاء المتكلم والمتكلمة (أَمرتْ)، ومع نون المتكلمين (أَمرنا)، ومع تاء المخاطب (أَمرتْ)، ومع تاء المخاطبة (أَمرتَي)، ومع تاء المخاطبين (أَمرتَوا)، ومع تاء الغائبة (إمِرَتْ)، ومع واو الغائبين (إمِرَوا).

أما الفعلين أخذ وأكل فلهم نموذجين في التصريف، الأول عام والآخر هو النموذج المستهجن أو الذي اعتبر سوقياً، أو ما أسماه البعض «لهجة النساء». ففي النموذج العام، تحذف الهمزة (في الغالب، وأحياناً تبقى) وتضاف الضمائر المتصلة، فيقال في أكل: مع تاء المتكلم والمتكلمة (كَلْتْ)، ومع نون المتكلمون (كَلْنا)، ومع تاء المخاطب (كَلْتْ)، ومع تاء المخاطبة (كَلْتِي)، ومع تاء المخاطبين (كَلْتُوا)، ومع تاء الغائبة (كَلَتْ)، ومع واو الغائبين (كَلَو).

أما في النموذج المستهجن أو «لهجة النساء»، فتحذف الهمزة وتضاف الياء قبل الضمير المتصل، فيقال في أكل: مع تاء المتكلم والمتكلمة (كَليتْ)، ومع نون المتكلمين (كَلينا)، ومع تاء المخاطب (كَليتْ)، ومع تاء المخاطبة (كَليتَي)، ومع تاء المخاطبين (كَليتَوا)، ومع تاء الغائبة (كَلَتْ)، ومع واو الغائبين (كَلَوْا).

وقد عمم جونستون هذا النموذج الأخير على جميع الأفعال المهموزة الفاء، وعلى رغم تأكيد جونستون أن من العامة من يعتبر هذا النموذج سوقياً إلا أنه منتشر بصورة واسعة، ويعلل جونستون وجود هذا النموذج بأن هناك ميلاً في كل لهجات شرقي الجزيرة العربية نحو مماثلة هذه الأفعال المهموزة الفاء بالأفعال الناقصة (المعتل الآخر بالياء) في حالة الماضي، وبذلك تتحول الأفعال أكل وأخذ إلى كلى وخذى (جونستن 1983، الصفحات 67 و130) وعليه عند اقتران هذه الأفعال بالضمائر المتصلة تقلب الألف المقصورة إلى ياء. ويجب التأكيد أن هذا النموذج خاص ولا يمكن تعميمه على جميع الأفعال المهموزة الفاء، على سبيل المثال الفعل (أمر) لا يتحول إلى (مرى)، وقد علق سيدشبر القصاب على ذلك بقوله:

«وهي وإن كانت موجودة، إلا أنها في كلمات محدودة، ربما لا تتعدى الفعلين أخذ، وأكل، وليست ظاهرة عامة، فإذا كان الفعل غير مسند، أو مسنداً إلى هاء الغائب، أوالغائبة، أو الغائبين فإنها تنطق في لهجتهم ألفاً، فيقولون: (كلا، وكلاه، وكلاها، وكلاهم، وخدا، وخداه، وخداها، وخداهم)، أما إذا كان الفعل مسنداً إلى تاء الفاعل أو الفاعلة فإنها تعود ياءً في النطق، فيقولون: (كليت، وخديت)، وهي لهجة أهل سيهات، والجش، وعنك (العليوات)، وهي موجودة في لهجة بعض قرى الأحساء» (القصاب 2002، الواحة العدد 24).

العدد 3675 - الجمعة 28 سبتمبر 2012م الموافق 12 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:37 ص

      موضوع رائع , بس ياريت لو تذكرون أسماء الكتب مع أسماء المؤلفين

    • زائر 2 | 10:34 ص

      من أحلى المواضيع

      إلى الأمام دائما ولا تحرمينا ياوسط من هذا الإمتاع

اقرأ ايضاً