العدد 3677 - الأحد 30 سبتمبر 2012م الموافق 14 ذي القعدة 1433هـ

هل تنتظر أرض سورية أحذية المارينز الطاهرة؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كَتَبَ كل مِن مايكل دوران وماكس بوت مقالاً «تحريضيًا» في الـ «نيويورك تايمز». الأول هو زميلٌ في معهد بروكينغز، والثاني هو مستشار حملة الانتخابات الرئاسية لميت رومني. المقال ذو التسع مئة كلمة من أوَّله إلى آخره، يشرح خمسة أسباب للتدخل الأميركي «الفوري» في سورية.

ذلك الطرح ليس غريباً أن يصدر، ويُروَّج له من أشخاص نافذين في الولايات المتحدة وأوروبا. فنحن نتذكر، أن الحرب على العراق كانت تدفعها مراوح عملاقة من البروباغندا الإعلامية الغربية، التي كانت تصوِّر سقوط نظام صدام العراق، بمثابة سقوط النازية نهاية الحرب الكونية الثانية!

الكاتبان ذكرا، أن هناك أسباباً خمسة، تدعو إلى التدخل الأميركي الفوري في سورية وهي: الحد من النفوذ الإيراني. وقف انتشار الصراع الأهلي والطائفي للمنطقة. ضرب تنظيم القاعدة. تعزيز علاقات واشنطن مع حلفائها في المنطقة. وقف «الكارثة الإنسانية التي تشهدها سورية».

وإذا ما استثنينا السبب الأول المتعلق بضرب النفوذ الإيراني في سورية (وهو أمر سنناقشه لاحقاً)، فإنني لا أرى في الأسباب الأربعة الباقية، أي وجاهة لأن تكون دفوعاً منطقية لذلك التدخل. بل هي لا تحمل أيَّ مُسوِّغ لذلك، بل ستكون تأثيراتها معاكسة لما ذَهَبَ إليه الكاتبان في مقالهما.

كما أنهما لم يذكرا (كما فَعَلَ مَنْ شَرَّع للحرب على العراق من الصحافيين في مارس/ آذار من العام 2003) موقع «إسرائيل» من ذلك التدخل.

فكلنا يعلم، أن التدخل الأميركي في العراق، كان يضع الهَمَّ الإسرائيلي في قوس أهدافه غير المعلنة، والتي بانَت لاحقاً بقرارات غاي غارنر وبول بريمر، سواءً في موضوع حلّ مؤسسات الدولة، أو حلِّ الجيش العراقي، وإنفاذ الموساد إلى داخل العراق.

إذا كان العراق، الذي كان شائخَ الدولة والمجتمع، ومثخناً بجراح شَجَّتها سنوات مديدة من الحروب والحصار الظالم، وتدمير أعمى لبناه التحتية، قد ولَّد كلَّ ذلك الدمار والدَّم الذي وقفنا عليه منذ سقوط بغداد في ابريل/ نيسان من العام 2003 ولغاية الساعة، فماذا عسانا أن نرى في سورية، التي مازالت دولتها وبناها التحتية والسياسية والأمنية والعسكرية والحزبية متماسكة؟ هذا هو الواقع.

دعونا نناقش ما ذكره الكاتبان، من دواع أربعة استندوا في مقاليهما عليها، ونسقطهما على النموذج والواقع، كي نقِف على حقيقة ما يرومانه، ونترك واحداً لمقال منفرد:

الأول: وقف انتشار الصراع الأهلي والطائفي للمنطقة: وهو داعٍ باهِت، لا يقبله عقل! فإذا كانت الحرب على العراق، قد مثَّلَت القَدَّاحة التي أشعلت ذلك الاحتراب الطائفي في الداخل والمنطقة بأسرها من قاع ناشف، ومحيط جغرافي ساكن، وبحر حصيري هادئ، فما بال الحرب على سورية أن تفعله، وقد بدأت كرة الثلج الطائفية تتعاظم في المنطقة منذ تسع سنين خَلَت؟ عندما سَقَطَت بغداد، كان أغلب جوار العراق نائماً، ولم يكن العراق قد أقام مع ذلك الجوار صِلات سياسية واجتماعية متينة وديناميكية، نظراً لظروفه التاريخية وأزماته المتتالية منذ العام 1988. ومع ذلك، بَدَت الأزمة العراقية ما بعد الاحتلال كبركان طائفي انفجر في وجه الجميع.

سورية اليوم، لديها جوار متيقظ. وهو شريك سياسي وإثني واقتصادي وطائفي معها. بجوارها العراق، ومن خلفه إيران، وبجوارها تركيا والحزام الجنوبي الشرقي، الذي بدا مضطرباً كردياً وعلوياً ومسيحياً. وبجوارها لبنان، الذي شكَّلته سورية بكيفيتها طيلة ثلاثين عاماً.

الثاني: ضرب تنظيم القاعدة: وهو أيضاً من الدواعي الساذجة، التي لا يمكن أن يعتمد عليها أيُّ محلِّل سياسي. فسورية اليوم، بها زهاء ثلاث مئة منظمة مسلحة تقاتل في حلب ودرعا وحمص وحماة ودمشق ودير الزور واللاذقية والرقة.

وآلاف من المسلحين فيها، هم من القاعدة أو هم على هواها يسيرون.

هذا الأمر مدعاةٌ للتهكُّم حقاً. فالحدود السورية التي أصبحت كالجدار المتشقق، كيف يمكن أن تجَابَه القاعدة في مثل هذا الوضع؟ أيضاً، كيف يمكن القضاء، على ذَرَاري تنظيمات القاعدة في الداخل السوري، وقد تناسَلَت من رحمها مئات التنظيمات المشابهة؟ إن هذا الادعاء محض هراء!

إذا كان تنظيم القاعدة في العراق، مازال يعمل وينشط ويتكاثر منذ تسعة أعوام، وهو يحَارَب من الأميركيين والبريطانيين والعراقيين (سنة/ شيعة/ أكراد)، فكم عسانا أن نشهد من سنين، كي نراه مقضيًّا عليه في سورية، وهي التي جاءت مع الأميركي لقتال نظام النصيريين في دمشق كما تقول؟

الثالث: تعزيز الولايات المتحدة الأميركية لعلاقاتها مع حلفائها: أوَهَلْ تعيش واشنطن أزمة في علاقاتها مع حلفائها اليوم أصلاً؟ ربما يكون هذا الاستفهام هو أفضل إجابة لذلك القول. فهذه العلاقات، هي أولاً علاقات تاريخية وليست طارئة، وبعضها يمتد إلى ما قبل الحرب الباردة حتى.

بل على العكس من ذلك، فقد يكون التدخل الأميركي في سورية، سبباً في تدهور تلك العلاقات، إذا ما استحضرنا الموقف التركي أو السعودي حينها. فالموضوع كان على مسألة التدخل، والآن قد يكون على ما بعد التدخل، وخصوصاً أن واشنطن لديها علاقات إستراتيجية مع العراق، وترتيبات أمنية واقتصادية مع الروس والصينيين، وربما إلى أن تنسج علاقات مستقبلية مع الإيرانيين، وهي أمور تلحظها جيداً، وقد تكون مدخلاً لتوتر في علاقاتها مع الحلفاء.

الرابع: وقف الكارثة الإنسانية في سورية: وهذا الموضوع لا يمكن التعويل عليه مطلقاً. فالتدخل الأميركي في العراق، والذي كان يحمل شعار حماية المدنيين، ووقف الظلم الممارَس على الشعب العراقي، قد أنتجَ مليونا ونصف المليون قتيل، ومليوني أرملة، وأربعة ملايين يتيم، وهجرة داخلية وخارجية قدَّرَتها المنظمات الإنسانية بأربعة ملايين لاجئ، وهي الأكبر منذ نكبة فلسطين.

هذا الأمر لا يمكن لأحد أن يقنعنا به مطلقاً. إذا كانت سورية اليوم تشهد قرابة المئتي ألف لاجئ على الحدود، ومليون ونصف المليون لاجئ داخلي، فماذا يُمكن أن نتوقعه عند سقوط دمشق، وتقسيم سورية، على مقاسات وديمغرافيات الأعراق والطوائف الـ 18 التي هي بجوفها؟ خاتمة القول، ان التدخل العسكري الغربي في سورية مرفوض تماماً. وإذا كان لنا موقف معارض من النظام السوري القمعي، فلا يعني ذلك أننا في وارد القبول بذلك التدخل، بالضبط مثلما حصل مع نظام صدام حسين. هذه ثابتة لا مجاملة فيها ولا مِراء. فضلاً... قليلٌ من الحياء يا سادة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3677 - الأحد 30 سبتمبر 2012م الموافق 14 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:43 ص

      علي نور

      إذا كانت سورية اليوم تشهد قرابة المئتي ألف لاجئ على الحدود، ومليون ونصف المليون لاجئ داخلي، فماذا يُمكن أن نتوقعه عند سقوط دمشق، وتقسيم سورية، ومن قال بتسقط دمشق ؟؟؟؟؟؟؟ ما حد خبرنا

    • زائر 6 | 4:19 ص

      كلام منطقي ولكن..

      عندما تقرر واشنطن التدخل فلن تحتاج الاذن من احد فهي الحكم والقاضي والجلاد في آن واحد ولن يستطع أحد ردعها لا من الحلفاء ولا حتي من الخصوم ..سوريا بلد غير نفطي قياسا بالعراق والكويت لذلك ليست بالاهمية الستراتيجة علي قائمة الالويات في السياسة الامريكية حتي الآن.

    • زائر 5 | 4:11 ص

      كن مطمئن

      يا استاذنا العزيز مادام الشعب العربي وجيشه الباسل موجودون على ارض سوريا فلم تدنس احذيه المرينز سوريا.ونصيحه مني اذا شاء الله قد ماكتبت عن سوريا الابيه فعليك ان تؤالف لنا كتاب هذا ولو تتكرم وتنصح الاخوة في دول عربية بوقف الامدادات عن التكفيرين فنحنوا بألف خير

    • زائر 4 | 3:50 ص

      مقاله رائعه كما عودتنا استاذ محمد

      نحن لا نريد اي تدخل لقوات اجنيه وبالاخص اذا كانت غير اسلاميه علي الارض ولا نريد ان ياتي بالخونه علي الدبابات الامريكيه او غيرها كما حصل في العراق.
      اسئل الله ان ينصر اخواننا المستضعفين في سوريا عل بشار ومن شايعه.
      بوهاشم

    • زائر 3 | 11:53 م

      الشيخ حسون

      البارحة قال مفتي سوريا فضيلة الشيخ أحمد بدر الدين حسون سؤالا واقعيا : من يريد أن يبني سوريا لماذا يسرق التحف الأثرية منها ويحرق أسواق حلب الأثرية

    • زائر 2 | 11:52 م

      الامر الالهي

      محتوم الامر الالهي سيدخل المارينز سوريا (الامريك) وسيضرب الزلزال ويبتلع مدن سوريه مع الجيوش والوضع الحالي غير جيد في كلا الحالتين في السلم او الحرب فالقوى الاقليميه لن تتنازل الا بسقوط القوى الاقليميه نفسها كا..وسوريا
      اليوم اصبحت مدينه لاستعراض القوه بين دول الجوار وغيرها

    • زائر 1 | 11:50 م

      thanks

      nice artical Mr Mohd

اقرأ ايضاً