العدد 3681 - الخميس 04 أكتوبر 2012م الموافق 18 ذي القعدة 1433هـ

حقّ الأمة العربية على مجلس التعاون

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

مازال الإنسان يحار تجاه تعامل مجلس التعاون الخليجي مع دوله الأعضاء كمجموعة لها مصالح واستراتيجيات وساحات أنشطة مشتركة من جهة وكدول منفردة لها قضاياها وأهدافها ومصالحها الخاصَّة بها من جهة ثانية. وعلى رغم مرور ثلاثين سنة على إنشاء المجلس فإن الحدود التي تفصل العام عن الخاص في المجلس لاتزال غامضة وغير مستقرّة في ثوابت يعرفها الجميع ويلتزم بها الجميع.

مناسبة طرح هذا الموضوع الشّائك الحسّاس هو المواقف المرتبكة والمتناقضة أحياناً تجاه ما أفرزته ثورات وحراكات الربيع العربي. لن نتعامل اليوم مع الأمثلة الواضحة التي يعرفها القاصي والدَّاني، من مثل المواقف الإعلامية المتضادة من هذه الثورة أو تلك، أو التعديلات المتباعدة من هذا الرئيس المخلوع أو ذاك، أو الاندماج الكامل في آليات التدخّلات الاستعمارية الخارجية أو رفضها، أو التّباينات في مواقف الدعم بالمال والسلاح وبالدبلوماسية النشطة الوظيفية لهذه المعارضة أو تلك، والأمثلة لا تعدُّ ولا تحصى.

لكننا اليوم نود إبراز موضوع نعتقد أنه من أخطر المواضيع لأنه ليس بعابر ولا مؤقَّت، وإنَّما سيضرب في أعماق المستقبل وستكون له تأثيراته في الأبعاد السياسية والأمنية والثقافية عبر الوطن العربي. هذا الموضوع يتعلق بصعود الإسلام السياسي في حياة مجتمعات ما بعد الثورات والحراكات.

إن ذلك الإسلام السياسي سيتمثل في نوعين مختلفين من الايديولوجية السياسية. أحدهما يريد العيش في الماضي، والانكفاء داخل تاريخ متخّيل، والتعامل مع حاضر الأمة بصلابة وتزمُّت، وإعلاء للمظهر على الجوهر، والرفض التام لأية تعددية فقهية وثقافية وسياسية واجتماعية. وهو بذلك، بقصد أو بغير قصد، يدفع نحو التطرف والعنف والاستعمال الخاطئ لمقاصد الدين الإسلامي الحق العادل المتسامح المحاور، ومن ثم إيذاء مكانة وسمعة معتنقيه.

وثانيهما بدأ يقبل الكثير مما كان في السابق يرفضه من مبادئ معقولة في الايديولوجيات الأخرى، ويتعامل مع العصر بعقل محاور وأخذ وعطاء، ويعرف أن التاريخ هو للاستفادة والعبر وليس للهيمنة على الحاضر والمستقبل، ويفهم الدين الإسلامي على أنه سيرورة قراءات متباينة بدأت ببعثة النبيّ المبلّغ المجتهد العبقري صلّى الله عليه وسلَم ولن تنتهي إلاَّ بقيام السّاعة. إنه تيار، وليس حركة واحدة، ينجح ويبدع في مكان ويفشل في مكان آخر، ولكنه كما يظهر يحاول أن يخرج من قوقعة التزمّت والتخلف التي يريد أن يحبسه فيها البعض.

أمام هذا المشهد الذي ستكون له تأثيراته الكبرى على مستقبل الأمة يتساءل الإنسان: أين سيقف مجلس التعاون الخليجي بمجموعه؟ وهو سؤال بالغ الأهمية، لأنَ بعضاَ من هذا المجلس متَّهم، بدلائل كثيرة، بأنه وراء التبشير بالايديولوجية السياسية للتيار المتزمّت الأول، وراء إسناد أصحابه بالمال والإعلام والتعاون القوي الخفي الذي يحرج أصحاب تيار الايديولوجية الثانية ويزجُّ بهم في متاهات فقهية ومسلكية غوغائية، وبالتالي ينهك قواهم السياسية والتنظيمية.

إن هذا البعض من هذا المجلس متَّهم بأنه يريد من خلال دعم التيار الأول، تقويض أو تأخير انتقال الوطن العربي إلى الديمقراطية السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية الحقيقية، المبنيّة على أسس الحرية والمساواة والعدالة والمواطنة وحقوق الإنسان، بما فيه المرأة والتوزيع العادل للثروات وتبادل السلطة.

إن مجلس التعاون يحتاج أن يتبرَّأ من هذه التهم وأن يؤكّد لأمته العربية أنه في صفّ التقدم والإصلاحات الكبيرة، وأنه ضدّ الظلم، ولذلك فهو يحترم الأشخاص والمؤسسات طالما يختارها الناخبون العرب بحريّة ونزاهة، وأنه سيضع ثرواته الهائلة في خدمة تسهيل انتقال الأقطار العربية من وضعها المفجع السابق إلى وضع حداثي ديمقراطي جديد.

إن مجلس التعاون يجب ويستطيع أن يفعل ذلك حتى لو أرادت بعض دوله ألا تنتقل في الحاضر إلى الديمقراطية، وحتى لو أرادت بعض دوله تبني الايديولوجية الإسلامية المتزمتة الأولى في مجتمعاتها هي.

ما يجب أن يكون واضحاً هو أنه ليس من الإنصاف أن يضحّى بتقدّم وتجدُّد وإصلاح المجتمعات العربية الأخرى في سبيل انتظار قد يطول، حتى تنضج بعض مجتمعات دول مجلس التعاون لتكون مهيَأة للالتحاق بركب التغيرات الكبرى التي يشهدها الوطن العربي في ربيعه الحالي.

هل نطلب المستحيل عندما نطلب تغليب العقل والمصلحة القومية والقيم وروح الإسلام العادلة عند تعامل المجلس مع ربيع إخوته في العروبة والإسلام؟ فإذا كنا لا نستطيع أن نكون معينين ومسهّلين فلنكن على الأقل غير معيقين وغير مساندين لقوى الصراعات الطائفية وأصحاب القراءات الخاطئة لرسالة السماء الإسلامية، ولقوى حرف الثورات العربية عن أهدافها الإنسانية الكبرى إلى أهداف هامشية غوغائية استبدادية.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3681 - الخميس 04 أكتوبر 2012م الموافق 18 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:38 ص

      مجلس التعاون

      فاقد الشيء لا يعطيه

    • زائر 7 | 4:44 ص

      واستفحل الإنحراف في ... الأمة

      المستبدون بالقيادة يقدرون واقعهم وواقع الإسلام،ومدى التباين بينهما،لذا كان عليهم أن يعملوا لإرفاق مستوى ذهنيتهم بمستوى واقعهم المتفسّخ،ولكي ترتبك المقاييس وتتخبط القيم،بامعان القيادات في الترهل والمآرب الفردية واشباع أطماعهم الجشعة ؛للتربّع على مقاعد القيادة ومن ثم الإرتداد عن الإتجاه المستقيم وغمط العدالة،ومن البيّن استفحال الإنحراف وتسخير الأمة لظلام لا ينبض فيه نور -أي جمود قاتم ثقيل- ولا يتنفس فيه اشعاع.وتحياتي لكم ... نهوض

    • زائر 6 | 4:39 ص

      الدمرداش

      من أعضاء مجلس التعاون الخليجي ؟هل يمثلون الشعوب ، لوكانو يمثلون الشعوب لنتج للشعوب مايرغبون .

    • زائر 5 | 3:19 ص

      ولد ستره

      اتمنى التركيز على الملف السوري وكتابت عن الملف السوري وبيان الموقف القومي من الملف السوري

    • زائر 3 | 11:11 م

      واد ستره

      ارجو من الدكتور علي فخرو بيان المواقف. مما يجري في سوريا وشرح القضية على الصحفة

    • زائر 2 | 11:10 م

      عربي عربي

      ارجو من الدكتور علي فخرو بيان المواقف. مما يجري في سوريا وشرح القضية على الصحفة

اقرأ ايضاً