العدد 3686 - الثلثاء 09 أكتوبر 2012م الموافق 23 ذي القعدة 1433هـ

جنوب إفريقيا قبل 70 عاماً

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كانت هناك دولةٌ تقبع في ذيل القارة الإفريقية تسمى جنوب إفريقيا قبل سبعين عاماً، تعيش فيها جماعاتٌ وقبائل مختلفة الألوان واللغات والأشكال والأصول.

كانت الأكثرية بطبيعة الحال من أصول إفريقية، حيث عاش أجدادهم آلاف السنين. وكان بعضهم من أصول أوروبية، لجأوا قبل أربعة قرون إلى تلك الأرض النائية هرباً من الاضطهاد الديني والمذابح المذهبية التي كانت تنشب باستمرار بين البروتستانت والكاثوليك في أوروبا.

وكان هناك ملوّنون جاء بهم البيض قبل قرن ونصف القرن، من دول القارة الآسيوية، وخصوصاً الهند، ليشغلوا الوظائف ويقوموا ببعض المهن، فأصبحوا جزءًا أساسياً من النسيج الاجتماعي في هذا البلد.

البيض كانوا من أصول مختلفة أيضاً، فقد جاءوا من بريطانيا وألمانيا وهولندا ودول أخرى، وكانت بينهم حروب استمرت عشرات السنين، حتى استقروا أخيراً على نظام سياسي مغلق، يضمن سيطرتهم على بقية الأعراق، وإخضاعها بقوة البارود، وحصّنوا ذلك بقوة القانون. وهكذا أقاموا دولة، ذات قانون عنصري، ومؤسسات عنصرية، وانتخابات عنصرية، وشعب ممزق تحكمه الكراهية والبغضاء.

كانت مؤسسات الدولة ووزاراتها ومناصبها خاصةً بالبيض، وكان الجيش خاصاً بالبيض لا يدخله السود ولا الملونون. وكان القضاء مسيّساًً، يُستخدم في قهر السود وإخضاعهم، وتطبيق القانون عليهم وحدهم. وكان السود والملوّنون لا يثقون بالقضاء وأحكامه وإجراءاته، وإذا اشتكى أحدهم لرفع ظلمٍ أو استرجاع حقٍ، عادة ما يتحوّل إلى جانٍ أو مجرم، والقاتل يتحوّل إلى بريء. وكان على الأسود أو الملون أن يبلع مختلف الإهانات ويصبر على سوء المعاملة والتحقير، ليوفّر على نفسه مزيداً من الألم والمعاناة. حتى المهاتما غاندي، وكان محامياً منتدباً لصالح شركة هندية يملكها مسلمون مهاجرون هناك، أثناء انتقاله بالحافلة، تعرّض له أحد الأوباش البيض، وطلب منه القيام ليجلس مكانه، فلما رفض انهال عليه بالضرب. وهي حادثةٌ فتحت عيني غاندي على الظلم المستوطن في تلك البلاد، وغيّرت مجرى حياته فجعلته يخوض غمار السياسة من أوسع الأبواب.

في تلك البلاد الشقية، كان التمييز يتم بالقانون، وكانت التشريعات تقنن الظلم وتحمي ممارسته ضد بني البشر بعد أن قسمتهم إلى طبقات ودرجات، حتى تغلغل إلى مختلف حياة الشعب، حيث تحكم الأقلية البيضاء ملايين البشر وفق قانون لا ترضاه الأرض ولا السماء. ولم تفلح الكنائس ولا المواعظ الدينية أيام الآحاد ولا التذكير بسيرة السيد المسيح (ع) في ثني الأقلية البيضاء عن هذا الضلال المبين.

كان مشروعاً سلطوياً يصطدم مع المنطق وتوجّه طبيعة البشر الأسوياء، الذين خلقهم الله إخواناً وأقراناًً. وكان كلما اعترض معترضٌ وطالب بالمساواة عُوقب أو سُجن، حتى لو كان من البيض من ذوي النزعة الإنسانية والنفوس النقية التي ترفض الظلم واضطهاد وقتل الآخرين. وهذه الفئة القليلة التي لم تتلوث بالعنصرية والمصلحة، كانت تتعرض لضغوط شديدة من المجتمع لمنع أي تعاطفٍ أو تعاطٍ مع الآخرين.

وكانت الصحافة تقوم بالمهمات القذرة، من تبرير الظلم والدفاع عن الممارسات العنصرية كمنع توظيف السود في أجهزة الدولة، وتشويه صورة المطالبين بإلغاء نظام الفصل العنصري، وتقديمهم في صورة الشياطين والإرهابيين. ومن بين هؤلاء نلسون مانديلا، الذي كان يومها محامياً شاباً ألقي القبض عليه وسُجن 28 عاماً، بتهمة السفر للخارج بوثائق مزوّرة، وقيادة حركة سياسية تريد تغيير النظام العنصري إلى نظام ديمقراطي يحترم البشر.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3686 - الثلثاء 09 أكتوبر 2012م الموافق 23 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 45 | 10:01 م

      في البحرين

      الزمن يعيد نفسه هذا حالنا في البحرين

    • زائر 44 | 3:57 م

      وكأنك تشير إلى ما نعاني منه منذ سنين، أتفق معك تماماً
      وشكراً على مقالك هذا

    • زائر 43 | 10:09 ص

      مقال رائع

      مقال رائع .. واستشهادات موفقة

    • زائر 40 | 6:06 ص

      لسعة

      أحبك يا سيد .. مقالاتك تلسع ..

    • زائر 42 زائر 40 | 7:49 ص

      يالخو

      ماتلسع الا الحية ويش هذا سيد

    • زائر 39 | 5:57 ص

      مهما طال الليل لا بد من شمس الصباح

      مهما طال أمد الظلم وأقبح الظلم التمييز الطائفي والمذهبي والارقي فإن الخلاص منه سنة كونية إللهية سوف تتحقق رغم أنوف أرباب هذه السياسة القبيحة التي تدمر البلاد والعباد.. ونحن ننتظر بأمل الواثقين بالله ناصر المستضعفين بمستقبل أفضل لوطننا الحبيب بعيدا عن المفتنين المتمصلحين وإن غدا لناظره لقريب.

    • زائر 38 | 5:18 ص

      الأبيض عندما لم يقم غاندي ويجلس محله إنهال عليه ضرباً

      هذه الحادثة جعلت غاندي يفتح عينيه وإحنه من القتل في الشوارع والسجون والتعذيب والإهانات تفتحت أعيوننا ترى ما جرى في جنوب أفريقيا من النظام العنصري نفس مايجري عندنا في البحرين يعني سيذهب كل نظام عنصري مشابه لنظام جنوب أفريقيا وكلهم عنصريون جاين من القرون الوسطى.

    • زائر 35 | 4:13 ص

      باقة ورد للمشرفين

      في الوسط علا ما نراه من التنوع والرأي والرأي الأخر واضح هذه الأيام في جريدتكم..نشكركم ونشد علا يدكم بأن تواصلو أراء كل الناس ولاأطياف

    • زائر 34 | 3:59 ص

      الناس تختار ,,,,سيد,,,,,

      ما اعتقد الموضوع مرتبط بالاسود او الابيض او الملون,,,,,
      من اختار فاليتحمل مسؤلية اختياره,,,,,
      و الدنيا لمن غلبا,,,,,

    • زائر 33 | 3:41 ص

      الفصل الطائفي وطائفية الفصل

      من العجائب أنه لا توجد مشكلة في الفصول الأربعة، إلا أن فصول أخرى منتشرة ومشهورة ومنشورة في أرجاء المعمورة. فهناك الكثير والمتعدد والمتنوع مثل الفصل الدراسي والفصل بين الجنسين....
      لكن لما الفصل بين الأنام والأنعام وجد؟

    • زائر 31 | 3:34 ص

      دلل بقرتك ولا تحلبها بنفسك متى ما أمرتك بسوء

      تدليل الأبقار قد لا يحتاج معرفة الدسم. لكن في بعض البلدان لا تدين الحصول على الزبدة والحليب واللبن والقشطة من البقر. فلا ذيل ولا دليل عليها. بينما الإذلال وذل الآخرين قد يحتاج الى نظر. فتدليل البقرة بأكثر ما في البال حضر من الرفاهية التي تعيشها البقرة الحلوب.
      فهل نحتاج الى دليل لتوزيع حليب الأبقار أم زرع المزارع ؟

    • زائر 29 | 3:22 ص

      فكروا وكونوا احرار في دنياكم

      غريب والله. بعض الناس مصرين على العنصرية. الرجال كاتب لكم يطريقة ذكية يمكن تفكرون بالجرائم اللي ترتكب وانتون رايحين تبررون تماما مثل ما تفعل صحف جنوب افريقيا قبل 70 سنة. اعتبروا يا أصحاب العقول. عاد فكروا ولو ليوم واحد أو ساعة وحدة. كفى استغباء لنفوسكم.

    • زائر 30 زائر 29 | 3:28 ص

      استغباء ؟ وليش ما تكون انت يحتاج النصيحة

      نفكر في ماذا؟ نسلم رقابنا لجمهورية المجد التي يحلم الكثير بها.... اتريد عراق ثاني بعد العراق؟ انتون لين متا ما بتصحون وتعرفون الي مو قادرين ولا راضين تعرفونه او تعترفون به

    • زائر 36 زائر 29 | 4:54 ص

      زائر 30

      طبعاً لا نريد عراق صدام الديكتاتور المجرم ولا نريد عراق به مجرمين دخلوا لتدمير اللاد وقتل أهله الأصليين على الهوية بإسم الجهاد والعشاء مع النبي الأكرم (ص) بعد قتل الأبرياء في مجالس العزاء أو تنتظر رزقها في الأسواق..

    • زائر 28 | 3:20 ص

      من 22 الى 24

      الدكاترة نو سووا علشان يسجنونهم؟ لأنهم عالجوا المصابين بالرصاص وانقذوا حياتهم ولذلك احترمهم العالم بينما هنا سجنوهم. صج قلة حيا ودفاع عن باطل. بس ظلوا على افكاركم العنصرية. عمركم ما راح تتخلون عن عنصريتكم مثل جنوب افريقيا.

    • زائر 25 | 3:13 ص

      الحكم بالظلم والجور

      لن يدوم واذا ثار البركان مره اخرى سيدمر كل شي بعدها لا ينفع الندم بعد ضياع الوطن وضياع كل شي

    • زائر 27 زائر 25 | 3:18 ص

      هذا حلم ايران محور الشر وعلا من تسميها الشيطان الاكبر

      ان اخر شي يدمر الوطن وعلا يدمن؟ لا تقولي الحكومة والتجمع

    • زائر 23 | 2:59 ص

      تجربتي في جنوب افريقيا

      كنت جالس في مطعم احدى الجامعات مع بعض زملاء ورشة العمل من البيض ، و رأيت كيف انهم كان يستهزئون بالعامل الاسود (بالفن)
      و كيف كانو ينظرون له بازدراء و كأنهم يتعاملون مع كائن اقل من حيوان كما يتم التعامل معنا هنا
      سحقا

    • زائر 26 زائر 23 | 3:13 ص

      يا اخي

      في ناس ذاله نفسها بنفسها ...ولو محد ذلة يحس بالمذلة تعرف ليش؟ لأن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء

    • زائر 20 | 2:30 ص

      ماشا الله عليك

      سيدنا كل يوم تثري معلوماتنا وكأنك وضعت يدك على الجرح هانحن اليوم في وطننا غرباء الاجنبي يمشي وينظر لنا وكأننا وافدين وهو ابن البلد لكن اقولها حسبي الله على من كان السبب والحق بيرجع لاصحابه ان شا الله

    • زائر 18 | 1:48 ص

      البحرين قبل 70 عام

      رجال الغصوص والتجارة والكثافة السكانية علي بعض السواحل المعروفة ...والباقي الزراعين والفلاحين (العكاكير) في المزارع

    • زائر 22 زائر 18 | 2:54 ص

      الدنيا دول

      الغواصين والتجار من جميع الطوائف وابناء الفلاحين اليوم صاروا اطباء ومهندسين وراح ينتزعون حقوقهم اللي يناضلون من اجلها من قبل 80 سنة .

    • زائر 24 زائر 18 | 3:11 ص

      رقم 22

      كل مرة حطيتو تواريخ علي كيفك يا أخي...بعدين لما صارو دكاترة المفروض يردون الجميل...وش اكثر من يصلون لدكاترة اي حق باقي ينتزعونه ..ان أكرمت الكريم ملكته وان اكرمت الأيم تمردا..اهذا الذي ينطبق ام طقني وبكا وسبقني وشتكا

    • زائر 17 | 1:08 ص

      لا وجه للمقارنة بيننا وبينهم

      وهل لدينا شخص مثل مانديلا مستعد للسجن 28 عاما يخرج بعدها وينشر العدل في الأرض ويرجع الحقوق، كان الشعب الجنوب أفريقي يمارس التمييز العرقي والعنصري ولكن عندما جاء لهم رجل رشيد رجعوا إلى جادة الصواب ، هل نحن لدينا رجل رشيد يستطيع أن يحول الرجال التي أصبحت وحوشا يحولهم إلى بشر ويرجعهم إلى جادة الصواب، في جنوب أفريقيا لم تتدخل دول أخرى في شئونهم كما عندنا عندهم لم تتعرض معابدهم للهدم كما عندنا، لا وجه للمقارنة بيننا وبينهم ، هم دياناتهم مختلفة ولكنهم في الآخر توحدوا ونحن يجمعنا الإسلام ولكن تفرقنا.

    • زائر 21 زائر 17 | 2:34 ص

      بل لايوجد وجه

      اكيد لان جنوب افريقيا ضحى من اجلها مانديلا اما البحريننين ففيها ما فاض السجون من عقلاء وقادة سياسيين نكن لهم الاحترام على تضحياتهم من اجلنا بدء بأخونا في الوطن ابراهيم شريف وصولا لاصغر معتقل ظلماً وبهتانا لك الله ياشعبي

    • زائر 16 | 1:03 ص

      أينهم الآن؟؟

      نظام الآبارتهايد "الفصل العنصري" ذهب إلى الجحيم وأصبح من كانوا يمارسون تلك الممارسات العنصرية القمعية في مزبلة التاريخ وأصبحوا لعنة الأمم..

    • زائر 15 | 12:59 ص

      البحرين أولا

      نعم نعول على الله سبحانه وتعالى فليتمادوا في ظلمهم وطغيانهم نحن فقط نعتمد على ماجاء في قرآننا الكريم ولابد للظلم يوم قبل الآخرة

    • زائر 11 | 12:15 ص

      يستنكر العنصرية كل سوي

      العنصرية كأي جريمة اخرى لا يجب اقتصار الاستنكار على المتضررين منها فالواجب الاخلاقي استنكار ممارستها على الغير كما لو تمارس ضدي و رفض تحصيل مكتسباتها او التكسب بها .انه موقف اخلاقي تفرضه الشرائع الدينية جميعها و الديانات غير السماوية و الانظمة الانسانية ولا يقبل بها سوي

    • زائر 10 | 12:11 ص

      صدقت يا سيد

      هذا ما يحدث الآن في بعض الدول التي تعرفونها. وكل شيئ حسب القانون، طبعاً الغير عادل.

    • زائر 8 | 12:03 ص

      صباح الخير

      تسلم يا ابو هاشم على هذا المقال الجميل, و كأن التاريخ يعيد نفسه الدنيا دوارة و اللي ما عاش تلك الايام يعشها هالايام و يرى بالصوت و الصورة ما حدث ذاك اليوم و ما يحدث هذه الايام .
      (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
      شكرا يا سيدنا

    • زائر 7 | 11:59 م

      ابو كرار

      هذه حال الدنيا ولاكن ابا الله ان يتم نوره سبحانه باظهار الحق وسينفرج حت مع طول السنين كرب البحرينين من التضحيات ليس با الدم فقط ونما التضحيات حق اولادهم ومستقبلهم

    • زائر 6 | 11:48 م

      وصلت

      المقارنة واضحة لكل فطين. و نعرف نهاية هذا الفصل العنصري و الذي شره سواء على الظالم و المظلوم. فظلم الظالم ملاحقه دنيا و آخرة، و آهة المظلوم يتردد صداها و لا تنتهي.

    • زائر 5 | 11:30 م

      كان ي ما كان

      ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين\\\\r\\\\n

    • زائر 4 | 11:29 م

      كان ي ما كان

      ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين\\r\\n

    • زائر 3 | 11:19 م

      صدقت يا سيد

      هذا ما يحدث الآن في بعض الدول التي تعرفونها. وكل شيئ حسب القانون، طبعاً الغير عادل.

    • زائر 2 | 11:12 م

      بعد هم افضل

      رغم ذلك لم تهدم كنائس السود ولم يطلق عليهم بأنهم مجوس وأبناء متعة اعتقد ان قانون جنوب افريقيا العنصري يعتبر متقدم على القانون لدينا .....

    • زائر 1 | 10:30 م

      كاسر الصمت

      صباح التفائل سيدنا لا تستغرب فقبل

اقرأ ايضاً