العدد 3695 - الخميس 18 أكتوبر 2012م الموافق 02 ذي الحجة 1433هـ

معركة أكتوبر... نجاح السلاح وفشل السياسة

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في السادس من هذا الشهر، احتفل العرب بالذكرى التاسعة والثلاثين لمعركة العبور الخالدة، حيث أسقط الجيشان المصري والسوري إلى الأبد، أسطورة الجيش «الإسرائيلي» الذي لا يقهر.

تمكن الجيش المصري من قهر كل العقبات التي تحول دون اقتحام الحاجز المائي المتمثل في قناة السويس، وحطم خط بارليف، ورفع العلم المصري مجدداً، فوق أرض سيناء. وبالمثل عبر الجيش السوري مرتفعات الجولان، وضربت المدفعية السورية قرب بحيرة طبريا وسهل الحولة. ورغم تمكن الإسرائيليين في الأيام الأخيرة من الحرب من استعادة زمام المبادرة على الجبهتين، فإن العرب أثبتوا قدرتهم على القتال والمبادرة.

قراءة تطورات الصراع العربي الصهيوني، على مختلف المسارات، وفي المقدمة منها، القضية الفلسطينية، بما في ذلك إجبار الفلسطينيين، على الرحيل عن بيروت بعد غزو «إسرائيل» لبنان صيف العام 1982، وانتفاضة أطفال الحجارة، وتوقيع اتفاقية أوسلو العام 1993، لن تكون منطقية وصائبة ما لم توضع في سياق النتائج التي أفرزتها معركة العبور.

فنتائج هذه الحرب، نقلت الخيار الاستراتيجي في الصراع العربي مع الصهاينة، من طابعه الصراعي المسلح، إلى التفاوض السلمي. ولم يكن ذلك مجرد انتقال في آليات وأدوات الصراع ولكنه، وذلك هو الأهم، انتقال في الأهداف وفي الرؤية العربية الرسمية إلى الصراع. فلم يعد الصراع مع الصهاينة صراع وجود، ولذلك غيبت نتائج التسويات على المشروع النهضوي الذي بشر به قادة مرحلة الانبعاث العربي، منذ منتصف القرن التاسع عشر، واستمر صعوداً حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي.

في متابعة مسار ونتائج حرب أكتوبر (تشرين) على الصعيدين، السوقي والسياسي، تحضر بقوة إلى الذهن، مقاربة بين نتائج هذه الحرب ونتائج نكسة يونيو (حزيران) العام 1967. في حرب يونيو استطاع الكيان الصهيوني، أن يضاعف مساحة الأراضي العربية التي استولى عليها إلى أكثر من ثلاث مرات. استولى على سيناء بالكامل، وقطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس، ومرتفعات الجولان. ودمرت كامل هياكل الجيوش العربية في دول المواجهة. ورغم النتائج الكارثية لهذه الحرب، فإن العرب خرجوا في القمة العربية التي عقدت بالخرطوم بعد أسابيع قليلة من النكسة، بلاءات ثلاث شهيرة، أكدت رفض المفاوضات والاعتراف والصلح بالكيان الصهيوني. فشل السلاح في هذه المعركة، وانتصرت السياسة. وكان لتبني العرب في ذلك المؤتمر قراءات بدعم دول المواجهة لإزالة آثار العدوان، الدور الأساس في التماسك العربي، وإعادة بناء القوة العسكرية العربية لإزالة آثار العدوان.

في الصورة الأخرى، أثبت المقاتل العربي، قدرته على الإمساك بزمام المبادرة، واقتحام الحصون، وتحرير الأرض وتدمير خطوط العدو وإنجاز انتصارات باهرة، على الجبهتين المصرية والسورية. وقد لعب النفط العربي، لأول مرة في تاريخ الصراع، دوراً تضامنياً وحاسماً، ومع ذلك تراجع دور السلاح، أمام السياسة التي صار لها الدور الأوفى عربياً، بل الأوحد في تقرير مصير المنطقة.

تحقق فصل قوات بين الجيشين المصري والإسرائيلي، على الجبهة المصرية، وتبعه فصل آخر للقوات، مماثل على الجبهة السورية، ثم فصل ثان للقوات على الجبهة المصرية. وقد تم ذلك كله بمسعى حثيث من مستشار الرئيس نيكسون لشئون الأمن القومي، هنري كيسنجر، الذي عرف برحلاته المكوكية إلى المنطقة، وبخطته لحل أزمة الشرق الأوسط المعروفة، وسياسة الخطوة خطوة، كمرحلة أولى قبل انعقاد مؤتمر دولي للسلام، ترعاه الإدارة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق، ويشارك فيه كل أطراف الصراع. وكان معنى ذلك، أن الإدارة الأميركية أمست الممسك الوحيد بزمام مفاتيح التسوية بالمنطقة، وأنها كما قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، تمسك بـ 99 في المئة من أوراق الحل.

على الصعيد الفلسطيني، يلتقي الرئيس المصري أنور السادات في القاهرة بوفد من منظمة التحرير، يبلغ الوفد أن قطار التسوية سيسير بسرعة، وأن كل متردد للصعود في مقصورته سيفوته اللحاق به. ويعد الرئيس السادات أنه سيكون للفلسطينيين مقعد في المؤتمر الدولي للسلام الذي سيعقد في جنيف لتسوية الصراع العربي الصهيوني. يسيل لعاب بعض القيادات الفلسطينية للمشاركة في المؤتمر الدولي المرتقب، ويعقدون اجتماعات مكثفة، يخلصون بعدها إلى سياسة القبول بالممكن، باعتبار ذلك استجابة منطقية لشعار «خذ وطالب»، فيبدأ الحديث عن دولة فلسطينية، تقام على الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» أثناء حرب 1967، والتي يتم تحريرها عن طريق القوة المسلحة، أو من خلال مفاوضات سياسية مباشرة مع العدو الصهيوني.

لكن الانتقال الحقيقي، لغلبة السياسة على المقاومة، أخذ مكانه بعد احتلال العاصمة اللبنانية بيروت من قبل الجيش الإسرائيلي في صيف 1982 فقد أحدث ذلك الغزو تغيراً كبيراً في خريطة النضال الفلسطيني، ونقل مركز جاذبيته من الشتات، حيث الحلم الفلسطيني في التحرير، كلياً وشاملاً، للأرض الفلسطينية من البحر إلى البحر، إلى الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» في عدوانها على العرب العام 1967، وتحديداً الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث هدف التحرير يقتصر على استعادة تلك الأراضي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوقها.

لم يكن الانتقال في أهداف واستراتيجيات منظمة التحرير الفلسطينية، بعد مغادرة قوات المقاومة للعاصمة بيروت، تعبيراً عن إخفاقات عسكرية فلسطينية أمام ضراوة الهجمات الإسرائيلية فحسب، بل إن له علاقة مباشرة، بانتقال مركز الجاذبية في الصراع الفلسطيني مع الصهاينة، من المخيمات الفلسطينية بالشتات، إلى الداخل الفلسطيني الذي كان العامل الرئيس فيه تضعضع المشروع النضالي للفلسطينيين بالشتات.

لقد شكلت المخيمات الفلسطينية في الأردن وسورية ولبنان العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية، منذ انطلاقتها في منتصف الستينيات من القرن الماضي. فاللاجئون الفلسطينيون الذين أجبروا على البقاء في الشتات منذ نكبة فلسطين العام 1948، كانوا هم المعين الذي لم ينضب لحركة المقاومة. وبطبيعة وجودهم خارج حدود فلسطين التاريخية، ونظراً للظروف الموضوعية التي أحاطت بالضفة الغربية وقطاع غزة، لم يكن منطقياً أن تكون تلك المناطق مراكز أساسية للعمل الفلسطيني المقاوم. فالضفة الغربية، لم تكن حتى حرب حزيران العام 1967، أرضاً محتلة، بل كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة، كذلك لم يكن محتلاً بل كان تحت سيطرة الإدارة المصرية. تغيرت هذه المعادلة رأساً على عقب، وأحدث تغيرات دراماتيكية في خريطة الصراع، وتركت ظلالها قوية عليه، وأدت في نتيجتها إلى غلبة السياسة على المقاومة، هذه الطريحة هي ما سوف نتناوله في حديثنا المقبل بإذن الله.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3695 - الخميس 18 أكتوبر 2012م الموافق 02 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً