العدد 3704 - السبت 27 أكتوبر 2012م الموافق 11 ذي الحجة 1433هـ

خرافات استقرت طويلاً في أذهاننا (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

الخرافة الثانية التي استقرت طويلاً وعميقاً في أذهان الشعوب العربية، أن الشرطة في خدمة الشعب، وهو الشعار المكتوب على واجهات مراكز الشرطة في البلدان العربية.

ويقصد بالشرطة هنا كل قوى الأمن ومكافحة الشغب والأجهزة المفترض أن تكون جميعها في خدمة الشعب، والحارس على أمنه واستقراره، والحامي لحقوقه، والضامن لتنفيذ القانون على الجميع.

لكن الواقع في البلدان العربية غير ذلك تماماً؛ فمنذ أيام الدول الإسلامية الأولى، وبعد أن برزت المعارضات للخليفة الحاكم، جرى بناء جهاز العَسَس المناطة به مهمة التجسس على المواطنين، والشرطة لقمع العامة، إضافة إلى محترفي التعذيب (راجع كتاب هادي العلوي «التعذيب في الإسلام»).

من يومها أخذت تترسخ تقاليد الشرطة لحماية الحكام وقمع الشعوب، وإذا كان مفهوماً استخدام المستعمر للمخابرات والشرطة لقمع الثورات والحركات الوطنية، فقد باتت الشعوب العربية تترحم على قمع المستعمر، فقد كان على الأقل محكوماً بضوابط وتقاليد غربية. لكن أنظمة الاستقلال جمعت ما بين التكتيكات الحديثة المكتسبة من الدول الاستعمارية ومن الدول الاشتراكية الاستبدادية الصديقة، وفنون التجسس والتعذيب والقمع الحديثة مع أعرق تقاليد القمع في التراث العربي. من ذلك استخدام الفلقة في التعذيب، والتهديد بهتك العرض، بل وهتكه فعلاً، مع ما يعني ذلك بالنسبة للعربي، مسلماً كان أم مسيحياً، من ضربٍ لكرامته، واستخدام الخازوق في القتل والتعذيب، واحتجاز الأقارب، وخصوصاً النساء والأطفال، كرهائن للمطلوبين أو لانتزاع الاعترافات، والحبس بالقيود في الأقبية التي لا تصل إليها الشمس ولا يتجدد فيها الهواء، إلى حدّ الموت كما في سجن «تزما مارت» في المغرب مثلاً.

وتستخدم الأنظمة العربية قواعد لا خلقية في ملاحقة الخصوم، مثل الاقتحام والترويع عند الفجر مع ضرب الأقارب وتحطيم الممتلكات ومصادرة الغالي منها، والاعتداء على المعتقل منذ لحظة اعتقاله حتى تقديمه للمحكمة وما بعدها، في وجبات من الضرب والشتم والإهانة والتعذيب الجسدي والمعنوي بصنوف مبتكرة تفوقت على المستعمر، والحبس لسنواتٍ دون محاكمة، والحرمان من زيارة الأقارب، والمحامين والأطباء.

لقد أبدع الكاتب الراحل عبدالرحمن منيف في وصف عذابات المعتقل العربي في روايتيه «شرق المتوسط» و«شرق المتوسط مرة أخرى»، وما يخلّفه السجن من ندوب عميقة في نفسية المعتقل لا تندمل.

لقد مسخت الأنظمة العربية شخصية رجل الأمن وحولته إلى وحش كاسر ضد إخوته وإخوانه وأبناء شعبه، بحيث أضحى يتلذذ بإهانتهم وضربهم وتعذيبهم.

ففي وطننا العربي لا تفيد الشعارات الطنانة وبرامج الإصلاح والتدريب على حقوق الإنسان، وما شابه من كليشيهات؛ فالهوة عميقة، حيث يفصل بين الشرطة والمواطن نهرٌ من الدماء وسجّل من العذابات.

إن استعادة العلاقة الطبيعية تحتاج إلى تغيير عميق في المجتمع والدولة، وعندها فقط يتحقق شعار «الشرطة في خدمة الشعب».

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3704 - السبت 27 أكتوبر 2012م الموافق 11 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:06 م

      هناك خرافة متأصلة لعلك تكتب عنها !

      كلامك صحيح هي خرافة فعلاً ولكننا لا نصدقها ولا نعتقد بها... ولكن هناك خرافة يعتقد بها كثير من العرب وهي طاعة ولي الأمر!

    • زائر 7 | 8:06 ص

      اي والله خرافات .... كلها خرافات في خرافات الله يعين المواطن العربي

      الله يخلصه من هذه الخرافات

    • زائر 6 | 7:49 ص

      أحسنت كلام مهم جدا يشرح واقع الحال لكل الشعوب العربية المغلوبة على امرها

      الله فك هذه الغمة عن هذه الامة

    • زائر 5 | 2:35 ص

      كأنني سمعت بنفس هذه العبارات في تقرير بسيوني..

      وتستخدم الأنظمة العربية قواعد لا خلقية في ملاحقة الخصوم، مثل الاقتحام والترويع عند الفجر مع ضرب الأقارب وتحطيم الممتلكات ومصادرة الغالي منها، والاعتداء على المعتقل منذ لحظة اعتقاله حتى تقديمه للمحكمة وما بعدها، في وجبات من الضرب والشتم والإهانة والتعذيب الجسدي والمعنوي بصنوف مبتكرة..

    • زائر 4 | 1:30 ص

      الواقع رسخ لدينا مفهوما آخر معاكس لمفهوم الشرطة في خدمة الشعب

      من المفروض ان كل المسؤلين في الدولة هم في خدمة الشعب ولكن بالطبع هذا المفهوم في كل البلاد العربية بلا استثناء الشرطة والجيش وكل مؤسسات الدولة في خدمة المسئولين الكبار فقط وبقائهم .... لذلك كل الشعوب العربية لديها احساس بالكراهية للأجهزة الامنية التي لم تفلح ولم تظهر قدراتها الا على شعوبها وقمعها عدى ذلك فهذه الاجهزة متخلّفة. شطارة هذه الاجهزة في اماكن محددة بالذات والشواهد كثيرة على ذلك

    • زائر 3 | 1:24 ص

      حقاً هذا هو حال الواقع

      مقال رائع يسحق التأمل في كلماته وحقائقه

اقرأ ايضاً