العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ

الشاعر محمد النبهان... رجلٌ من أقصى الحلم

قراءة في آخر دواوينه

«امراة من أقصى المدينة» هي إحدى قصائد الديوان الأخير للشاعر محمد النبهان المعنونة بالعنوان ذاته، والذي يأتي أيضاً، متناصّاً مع آيةٍ قرآنية «وجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى» (القصص: 20)، وذلك عبر تغيير طفيف في الجملة، فعوضاً عن رجل ـ تحضر في قصيدة النبهان «امرأة»، في الآية القرآنية يسعى الرجل لإخبار موسى بالمكائد التي تنصب له، فهل هذه وظيفة تلك المراة في قصيدة النبهان؟

أن نسعى للإجابة هنا، يعني أن نقرأ قصيدة «امرأة من أقصى المدينة» التي تشكل العمود الفقري، أو بوابة الدخول لعوالم نصوص الشاعر، والتي تبدأ بـ:

هكذا نلتقي..

رجلٌ من أقصى سفرٍ

وامرأةٌ من ماء

رجلٌ من سفرٍ

وامرأة من أقصى الماء

رجلٌ..

وامرأةٌ من أقصى سفر الماء.

من إحدى دلالات الماء «الاستقرار» حيث إن أول الحضارات أو المدن نشأت على ضفاف الأنهار أو الينابيع، والمفارقة هنا بين السفر حتى أقصاه الذي يجسده الشاعر وبين المدينة حتى أقصاها التي تجسدها امرأة النص، حتى يلتقيا، ومع اندماجهما في سفر الماء تتخلق لدينا مدينة جديدة «لها سمات الحضارة أو الاستقرار لكنها في سفرٍ دائم».

ولكلمة أقصى ـ معنى البعد أو بلوغ الشيء منتهاه، لكنها تستخدم أيضاً للدلالة على علو المكانة، وبين هذين المعنيين ندخل في تأويل القصيدة، حيث أزعم أن المرأة في قصائد الديوان هي المعادل الأنثوي لذات الشاعر الغريبة في المدينة أو خارجها أو في المسافات ما بينها، ما يجعله يتوق لإيجاد لغة تكون بمثابة الجسر بين تلك (المرأة / المدينة) التي يحلم بها الشاعر وبين شعوره بالغربة في جميع المدن التي عبرها، وهذه المسافة بين الحلم والواقع «أفعى»

المسافةُ أفعى..

وتلك البلاد ترقط جلد المسافة

بالموت..

فهي أقصى «كونها بعيدة المنال» وكونها في منزلةٍ عالية أيضاً.

(الغريب يؤثث الجسر)

تعد المدينة في الشعر العربي بشكلٍ عام، مكاناً للغربة، وذلك كونها مخالفة للحياة البسيطة والفطرية ولافتقارها إلى العلاقات الإنسانية الحميمة، لكنها عند النبهان على عكس ذلك، فشعوره بالغربة نابع من كونة يحلم بـ «مدينةٍ أخرى» حيث الحرية والتنوع

يعبر الجسر إلى حلمِ جزيرته المأهول بأسماءٍ ولغات

وتوارخ دفن الموتى

يعبرُ الجسر خفيفاً، لم يمت في البحر

والجزيرة طريقٌ إلى البحر قبل الموت

لا تظهر كلمة الوطن في الديوان إلا لماماً وعوضاً عن ذلك تظهر كلمة «المدينة « بأضعاف ذلك، ومرد ذلك إلى أن الوطن لدى الشاعر هو تلك المدينة التي يصنعها في عزلته، ويرتب لها الجسر، كما تظهر المدينة أحياناً بوجهها الواقعي جدّاً «التي هي عانس» أو تظهر أسماء مدن وعواصم «باريس» مثلاً،

فالجميل لدى النبهان أنه حوّل حياته الخاصة المتنقلة من مدينةٍ إلى أخرى، إلى عالمٍ شعري متكامل يناقش فيه قضية كونية، وفي هذهِ الرحلة، تتزاحم مفردات السفر ـ «الحقائب» «المحطات» «قاعات الانتظار»

أو «الغربة»

ثمةً ظلٌ يلحقني

في كل مدينة.

العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً