العدد 3713 - الإثنين 05 نوفمبر 2012م الموافق 20 ذي الحجة 1433هـ

الفقر والفقر البشري

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

طرحت أدبيّات الأمم المتحدة جملة من المصطلحات الجديدة، التي سرعان ما صارت بمثابة الكلمات المفاتيح، سواء في التقارير الدولية والوطنية عن التنمية، أم في نشرات الأخبار والتحاليل الإعلامية العالمية أو المحليّة لمظاهر التخلف والتقدم في المجتمعات الحديثة.

وفي إطار استقصاء هذه المفاهيم وتوضيحها للقراء، نقترح في هذا المقال مفهوم «الفقر البشريّ». فما المفهوم المألوف للفقر؟ وما أهمّ مؤشرات الفقر البشريّ؟ في اللغة، الفقر ضدّ الغنى، وذلك أن يصبح الإنسان محتاجاً وليس له ما يكفيه، والفقر، في اللغة أيضاً، الهَمُّ، ومنه الفاقرة أي الداهية الشديدة، والفقير هو المحتاج، ومنه الفقير إلى ربه أي المحتاج إليه. وفي الاصطلاح، عادةً ما يعرف الفقر على أنه عدم كفاية الدخل، ولكن الفقر يعرف بكيفيات تتجاوز عدم كفاية الدخل حيث جاء في باب محاربة الفقر في تقرير التنمية البشرية 2000 - 2001: «يتمثل الفقر إلى حدّ كبير، في انعدام الفرص بسبب عدم كفاية التعليم والتغذية، وضعف الحالة الصحية، وقصور التدريب، أو بسبب عدم القدرة على العثور على عمل يجزي القدرات الموجودة لدى الشخص.

كما أنّ الفقر يتمثّل أيضاً في الضعف (بسبب عدم كفاية الأصول) أمام الصدمات الاقتصادية المفاجئة الواسعة المدى، أو حتى الصدمات الفرديّة، كأن يفقد العامل البسيط قدرته على كسب قوت يومه، ويعتبر الفقر كذلك حالةً من انعدام القدرة على تغيير القوى الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على استمرار حالة الضعف أمام الصدمات».

ومن خلال هذه التعاريف يظلّ انخفاض الدخل، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بهذه الخصائص، ومن ثَمَّ فهو يعتبر معياراً سليماً لتحديد طبيعة الفقر ومداه.

ولغاية التوضيح والتبسيط، يمكن اعتبار الفقر حالةً من الحرمان من المزايا أو الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وتشمل الأصول الاقتصادية والمادية الأرض والماشية والسكن والصحة الجيدة والعمل وغيرها من العناصر المادية التي توفر قاعدةً لتوليد الدخل والإنتاج سواء في الحاضر أم في المستقبل. أمّا الركائز البشرية فتشمل المهارات والمواهب. وتبعاً لذلك، فإنّ التعليم والتدريب يتيحان المزيد من الفرص للفرد ليتمكن من مجابهة الفقر. أمّا الأفراد الذين ينقصهم التعليم الرسمي فلديهم مهاراتٌ أخرى مثل المعارف التقليدية وغيرها من المهارات البدنية والعقلية التي يمكن توظيفها في مكافحة الفقر.

وببساطةٍ أكثر، يمكن تعريف الفقر البشري بأنه عدم القدرة على الوصول إلى حدّ أدنى من الاحتياجات الأساسية، وقد عرفت الاحتياجات الأساسية بأنها تشتمل على حاجات ماديّة كالطعام والسكن والملابس والمياه النقية ووسائل التعليم والصحة، وحاجات غير مادية مثل حقّ المشاركة والحريّة الإنسانيّة والعدالة الاجتماعية.

ولذلك جاء مؤشر الفقر مختلفاً في تقرير التنمية البشرية الصادر العام 1997 عن برنامج الأمم المتحدة، حيث لا يركز فقط على فقر الدخول، ولكن أيضاً على الفقر بوصفه أحد وجوه الحرمان من الخيارات / الفرص في عيش حياة محتملة ومقبولة. ويمكن قياس مدى الفقر البشري بثلاثة مؤشرات أساسية هي: مؤشر للحرمان من حياة طويلة بصحة جيدة: وهو يتمثل في نسبة الأفراد الذين يتوقع ألاّ يعيشوا حتى سن الأربعين، والمؤشر الثاني هو مؤشر تعليميّ معرفيّ يتمثّل في نسبة الأميّة، وتعبر هذه النسبة عن درجة الحرمان من التسلّح بالعلم والمعرفة. والمؤشر الثالث يقيس درجة الحرمان من مستوى معيشيّ لائق، وهو يتكون من مؤشر مركب من نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه مأمونة ومؤشر غذائي صحي يتمثل في نسبة ناقصي الوزن من الأطفال دون سن الخامسة، وتعبر هذه النسبة عن درجة القصور في القدرة على تأمين الغذاء الجيد وما يرتبط به من حالة صحية جيدة.

ولم تكن الدول العربية بمنأى عن هذه التقارير، وقد تكاتفت جهود العديد من المهتمّين بقياسات الفقر في الدول العربية خلال العقدين الأخيرين، وبدعم من العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي، وبعض المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة، وقامت بتطوير مجموعة من مؤشرات قياس الفقر التي تتفق مع المفاهيم والطرق المتفق عليها دولياً.

وكما أن دول المنطقة العربية تتباين من حيث مستويات الدخل بها وكذلك مستوى التنمية البشرية، فإنّها تتفاوت أيضاً في مستويات الفقر وخصوصاً الفقر البشري.

والملاحظ أنه «تفصلنا الآن أقلّ من ثلاث سنوات عن العام 2015، وهو التاريخ الافتراضي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفيّة، وهي الأهداف التي حدّدها المجتمع الدولي ووضع لها إطاراً زمنياً للحدّ من الفقر والجوع البالغين، وخفض معدّل وفيات الأطفال، وتوفير فرصة التعليم للأطفال، والتغلب على التفاوتات بين الجنسين» كما جاء في تقرير التنمية البشرية للعام 2006 (ص 4)، فهل استطاعت الدول العربية الخروج مجتمعةً أو منفردةً من خط الفقر البشري ونحن على أعتاب العام 2015... هذا الموعد التاريخي للبشرية؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3713 - الإثنين 05 نوفمبر 2012م الموافق 20 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:15 م

      العام 2015،

      التاريخ الافتراضي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفيّة، وهي الأهداف التي حدّدها المجتمع الدولي ووضع لها إطاراً زمنياً للحدّ من الفقر والجوع البالغين، وخفض معدّل وفيات الأطفال، وتوفير فرصة التعليم للأطفال، والتغلب على التفاوتات بين الجنسين
      لاأعتقد أن العرب استعدوا جيدا لهذا

    • زائر 3 | 2:35 م

      يعجبني

      اعتمادك على هذه المراجع المهمة مثل تقارير الأمم المتحدة وغيرها

    • زائر 2 | 2:13 م

      شكرا على اختيار هذه المواضيع

      مواضيع قيمة ولكن قراءها قليلون
      لا يهم المفيد أن محتواها قيم

    • زائر 1 | 2:11 م

      سؤال يعرف الجميع جوابه

      فهل استطاعت الدول العربية الخروج مجتمعةً أو منفردةً من خط الفقر البشري ونحن على أعتاب العام 2015... هذا الموعد التاريخي للبشرية؟

اقرأ ايضاً