العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

تعلم الحكمة من نمل الأمازون

غابات الأمازون في أميركا الجنوبية تحتوي على الكثير من العجائب في طبيعتها وقاطنيها من البشر والحيوانات والحشرات. فالنمل مثلا وفر لجامعة بريطانية مبررا لتخصيص عدد من الباحثين لنيل الدرجات العلمية العالية بالإضافة لمختبرات ومعدات دقيقة لدراسة طبيعة العلاقات بين فضائل النمل المختلفة. فالنمل الذي يبدو للإنسان وكأنه لا يختلف عن بعضه الآخر سوى في الشكل يختزن في داخل فصائله العجائب التي دفعت أساتذة ومتخصصين لملاحقة النمل في الغابات وتصويره وهو يتعاشر ويتقاتل مع بعضه البعض.

تصور عدسة الباحثين فضيلة أطلق عليها الباحثون اسم "النمل المستعبد" أي الذي يستعبد الآخرين، وفصيلة أخرى أطلق عليها اسم "النمل العبيد). ويختلف النوع الأول عن الثاني قليلا في اللون ولكنه يختلف عنه تماما في نمط الحياة. وتتابع عدسة الكاميرا القصة الكاملة لطريقة حياة الفصيلتين. فالفصيلة المستعبدة تنشط في البحث عن نمل عبيد، فهي بحاجة لنمل يخدم أطفالها قبل خروجهم من البيض وبعد خروجهم حتى يكبروا ويصبحوا قادرين على الانطلاق مع كبار النمل من فصيلتهم. وترسل فصيلة الاستعباد رسلها للبحث عن نمل يمكن استعباده، وبعد جهد استخباراتي واف يتم رص احدى الفصائل التي يمكن استبعادها. وترجع تلك الفصائل الاستخباراتية إلى فصيلتها لتخبرها بالأمر. وبعد فترة وجيزة تتجه الفصيلة بكامل قواها العددية لتحيط بجحور الفصيلة الضحية. تنتبه تلك الفصيلة وتتخذ مواقف دفاعية لحماية أبنائها الذين لم يخرجوا من بيضهم بعد. وما هي إلا فترة وجيزة أخرى حتى يبدأ الهجوم. وتستميت لفصيلة المدافعة في مقاومتها، وتصور الكاميرا عملية القتال بدقة وكيف بحاصر الأعداء تلك الفصيلة المظلومة. وتتضح الصورة بعد ذلك.

فالهجوم الأول ليس المقصود منه اختراق الصفوف وإنما "تدويخ" الفصيلة المظلومة مباغبت، (وما غزي قوم في عقر دراهم إلا ذلوا). فجأة تنسحب الفصيلة المهاجمة, بعد لحظات يقوم النمل المهاجم برش النمل المظلوم برذاذ عسلي يصيب جميع أجساده. وهنا تحدث المأساة، اي يقوم النمل المظلوم بمهاجمة بعضه الآخر لالتهام الرذاذ العسلي الذي رشه به الأعداء. وبينما تتقاتل الفصيلة المظلومة في ما بينها تنتظر الفصيلة المعتدية حتى انتهاء المعركة الداخلية الطاحنة، التي لا تنتهي إلا بموت أكثرية المظلوم على أيدي بعضه البعض.

وما أن ينتهي ذلك الفضل المأساوي حتى يستأنف النمل المهاجم هجومه بسرعة خاطفة يخترق فيه أجساد الموتى الذين سقطوا على أيدي فصيلته ويتجه مباشرة إلى البيض الذي لم يفقس بعد، ويقوم بنقله إلى جحور الفصيلة المعتدية. وبعد فترة وجيزة أخرى يتفقس البيض ويخرج النمل في أحضان الأعداء، لكي يعمل في خدمة الفصيلة المعتدية، ينقل الأمل إلى ما يخرج من بيض الأعداء ويمضي عمره لا يعرف أصله وكيف أتى ولا يعرف مهمة له في حياته سوى خدمة أسياده الذين استعبدوه.

ترى هل تنفرد فصائل نمل الأمازون بهذه الأنماط من العلاقات؟ وهل أن الإنسان أفضل من النمل الذي لا يدرك أو لا يختار ما يقوم به؟ أسئلة أخرى دارت في مخيلتي وأنا انتهي من مشاهدة الفيلم التعليمي عن النمل الأمازوني.

دعوت الله ان لا يجعلني كالنمل المظلوم أو النمل الظالم، ودعوته أيضا أن أكون في نصرة المظلوم قدر استطاعتي علني أساهم في تأكيد الفرق بين الإنسان والحيوان والحشرات. دعوته جل شأنه أن يمنحني القدرة على الاختيار وإحداث التغيير الأفضل من أجل إنسانية تنعدم فيها العبودية والتفرقة المباشرة وغير المباشرة. دعوته أن يساعدني على المساهمة كإنسان في رفع حالة الاستعباد التي يعيشها البعض والاستعلاء التي يعيشها البعض الآخر. ودعوته أخيرا أن لا يجعل في نفسي حبا للكبر والاستبداد واستعباد الآخرين والعيش على موت المستضعفين.

دروس للبشر من نمل الأمازون:

الدرس الأول: لا تعن عدوك على نفسك. يتحقق ذلك بالتخلي عن الاقتتال الداخلي في الصف الواحد، ورص الصفوف في مواجهة العدو الذي يتربص بك.

الدرس الثاني: لا تقبل بالقليل وتنس مطلبك الأكبر. فعدوك يزين لك القبول بشيء من العسل ولكنه يسعى لاستبعادك والسيطرة الكاملة على وجودك.

الدرس الثالث: لا تقبل بمنطق السادة والعبيد، فقد خلقك الله حرا فلا تكن عبدا لغيرك، وليس هناك من بني البشر من هو أعلى رتبة عند الله من الآخر إلا بالعمل الصالح. والذين يسعون لاستعباد الناس إنما يعيشون العقدة من المساواة ويخافون المحاسبة ويتلذذون من تعب غيرهم. ا

لدرس الرابع: لا تسمح لعدوك بجرك إلى معركة لست مستعدا لها، واسع لأعداد نفسك للمواجهة بشكل دائم لكي لا يستغل ضعفك من قبل عدوك.

الدرس الخامس: تعلم من غيرك من المخلوقات، حتى لو كان نملا. والدرس الأخير: أن تكون سببا لرفع القهر والاستضعاف عن أمتك وبني قومك، فتكسر الغلال التي يفرضها الإنسان على الإنسان وتبني مستقبلا قائما على الحرية وحق البشر في العيش بكرامة.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:40 م

      مخلوقات الله

      الكثير من مخلوقات الله تعطى بنى البشر دروساً يجب ان يستفاد منها لانه قد ميزنا الله عنها بالعقل ونتدبر فى خلقها وطريقة وكيفيه قضاء حياتها فى حيانتا الدنيوية ومقدرة الله فى خلقها عز وجل وتسحبيه

اقرأ ايضاً