العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

الاتحاد الأوروبي يتحقق، فمتى سيولد الاتحاد المشرقي؟

في العام القادم (1999) سيتحول الحلم الأوروبي لتوحيد العملة المالية إلى حقيقة وستدخل 12 دولة أوروبية من أصل 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي عهداً جديداً لن يقتصر أثره على أوروبا فقط. العملة الأوروبية الجديدة تم تحديد أسمها "يورو" ويتوقع أن تعادل الدولار الأميركي في قيمتها. العملة الأوروبية ستمثل تحديا مباشرا لهيمنة الدولار الأميركي واقتصاد السوق الأميركية. فأميركا بعدد نسماتها الـ 260 مليون وحجم اقتصادها البالغ 7 تريليون دولار ستصبح أصغر من الإتحاد الأوروبي الذي يحتوي على أكثر من 400 مليون نسمة وحجم اقتصاد موحد يزيد على 7 تريليون دولار.

الحلم الأوروبي يتحقق بعد أكثر من أربعين عاما من توقيع اتفاقية روما التي أسست السوق الأوروبية المشتركة. تلك السوق التي تأسست بستة أعضاء مبتدئة بتوحيد سوق الحديد والفحم ثم توسعت خطوة خطوة مع السنين.

وفي الستينات تم تعزيز السوق من خلال إنشاء مؤسسات تنفيذية، تطورت مع الأيام لتشمل مؤسسات فضائية وبرلمانية. وفي الثمانينات تم تغيير طريقة التصويت من "الاجماع" إلى "الأكثرية" وتم تخصيص الدول الكبرى بأصوات تناسب "بصورة تقريبية" حجم السكان في تلك الدول (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا خصص 15 صوت لكل واحد منها بينما تحصلت دولة مثل لوكسمبرغ على صوتين). هذا التغيير في طريقة التصويت وتحويله من الاجماع إلى الأكثرية خلق سوقا أوروبية "موحدة" (بدلا من مشتركة) وتم على أساسها تبديل أسم السوق الأوروبية المشتركة إلى المجموعة الأوروبية المشتركة في العام 1987. ذلك النجاح دفع بألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول التي تؤيد نهجهما الدول الأوروبية الأخرى للتوقيع على اتفاقية ماستريخت التاريخية. تلك الاتفاقية شخصت أن المجموعة الأوروبية لا بد لها من تطوير سوقها الموحدة إلى "اتحاد أوروبي".

وهذا الإتحاد الأوروبي يقوم على توحيد السياسة المالية وتوحيد السياسة الداخلية (عبور الحدود بدون جوازات شرطة أوروبية، الخ) وتوحيد السياسات الخاصة بالعمل والعمال وغيرها، ووصل الطموح إلى الدعوة لتوحيد السياسة الخارجية والدفاعية. والمواضيع الأخيرة لازالت على طاولة النقاش.

وحسب برنامج "اتفاقية ماستريخت" فإن الدولة التي ستدخل ضمن إطار العملة الموحدة سيتم تحديد قيمة عملتها مقابل عملة "اليورو" في العام 1999 وسوف يتم إصدار عملة اليورو ومستقاتها في كانون الثاني (يناير) 2002.

بريطانيا، كانت ولازالت، الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتكأ في الدخول بصورة كاملة في الاتفاقيات. فالمحافظون البريطانيون يؤمنون بصورة "عقائدية" أن بريطانيا العظمى كانت دائما خارج أوروبا واستطاعت دائما أن تحدد مسيرة أوروبيا ومسيرة العالم. هكذا كانت بريطانيا منذ ظهورها بقوة في القرون الماضية. فهي الجزيرة الصغيرة التي وقفت أمام الأسبان والفرنسيين والألمان وحافظت على التوازن وخرجت منتصرة. هذه النظرة كلفت حزب مصدرا للاشمئزاز بالنسبة للساسة الأوروبيين ومدراء الشركات العالمية الكبرى. والانجاز الوحيد الذي حققه حزب العمال هو تحويل القرار لدخول بريطانيا في العملة قال بأنه يريد أن تدخل بريطانيا ولكن ليس في الدفعة الأولى، وإنما الدفعات التالية، بحسب بعض المواصفات الاقتصادية.

الاتحاد الأوروبي يعتبر مثالا ناجحا لتحقيق الوحدة بين دول مترامية الأطراف، تختلف في لغاتها وثقافاتها ومذاهبها المسيحية وعاداتها وتقاليدها. والاتحاد الأوروبي تحقق (بصورته الحالية الآخذة في التطور) بعد أن فشلت المحاولات السابقة خلال العقود المنصرمة. فالحرب العالمية الأولى والثانية قامتا بسبب سعي طرف أوروبي لتوحيد أوروبا على أسس "قومية" وصلت في بعض الأحيان للاعتقاد بسمو العنصرية والنازية والفاشية. قيام "الدولة القومية" بشكلها الحديث في أوروبا في القرن التاسع عشر جاء بعد صراع فكري ونهضة علمية وثورات متتالية ضد تسلط رجال الكنسية والملوك المتسلطين بصورة مطلقة وأصحاب الثروات المحتكرين. الدولة الأوروبية القديمة التي اعتمدت على تحالف الملوك مع رجال الكنيسة فشلت والدولة الأوروبية التي قامت على مبادئ قومية متطرفة فشلت، ونحن نشهد اليوم قيام كيان أوروبي يعتمد على توحيد الاقتصاد ويعتمد على ضمان الحقوق الاجتماعية غير أن المطارحات الفكرية والتجربة الأوروبية لازالت مثقلة بتركات الماضي.

فبريطانيا تعارض الاتجاه الفيدرالي لأنه يقلل من شأن السيادة "القومية" وألمانيا تعارض الطلب التركي للدخول في الاتحاد الأوروبي متعذرة بسوء ملف حقوق الإنسان في تركيا. ولان الاتحاد الأوروبي يعتمد على الاقتصاد والحقوق فإن تركيا يتم إبعادها لأن اقتصادها ضعيف والحقوق فيها منتكهة.

إلا أن الواقع يقول إنه حتى لو تحسن الوضع الاقتصادية التركي واحترمت حقوق الإنسان فإن ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية سوف يعارضون دخول تركيا للاتحاد الأوروبي. والسبب في ذلك انتماء الشعب التركي للإسلام، ومهما حاول العسكر والنظام العلماني المتطرف معاداة الدين الإسلامي، فإن المستقبل التركي واقترابه من الدين الإسلامي أمر وارد في أذهان الأوروبيين. وبالتالي فإنهم يخشون دخول "الإسلام" في عقر الدار الأوروبية "بحقوق" كاملة.

وهذا الحديث يجرنا لطرح تساؤلات معينة. فهل صحيح أن الدين لم يعد يلعب دورا في التكوين السياسي بحسب المفهوم العلماني المتطرف! وإذا كان كذلك فلماذا التناقض في قبول ورفض عضوية دول معينة للاتحاد الأوروبي على أساس ديني؟ هل صحيح أن سيادة الدولة القومية تنغمر مع الأيام تحت ظلال سيادة الدولة "المناطقية" المشتقة من منطقة اقتصادية موحدة؟ هل صحيح أن أوروبا التي قادت الطروحات الفكرية الإنسانية خلال القرون الخمسة الماضية تتصدر العالم حاليا في تأسيس كيان دولي جديد يقوم على أسس جديدة؟ بغض النظر عن الأجوبة والمطارحات الخاصة بالأجوبة فإننا كمسلمين بعيدين عن التأثير العالمي البناء والمشارك في صياغة الطروحات الفكرية، وإننا كعرب وكقوميات مختلفة لازلنا متقوقعين في "إقليميتنا" وفي مبادئنا الإسلامية على ضرورة التفكير بصورة عالمية منفتحة على الجميع، وعلى أنفسنا بصورة أولية.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً