العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

اغتيال السيد محمد محمد صادق الصدر في العراق: استمرار لسياسة متطرفة

اغتيال السيد محمد محمد صادق الصدر في مدينة النجف الاشرف العراقية (في 19 فبراير 1999) ليست حادثة اعتيادية. أنها تمثل سياسة متواصلة تهدف لتصفية مراكز القوة لا تتبع الدولة العراقية. فمنذ وصول حزب البعث إلى الحكم في العراق شرع برنامج متطرف استلهمه من بعض الأفكار التي كانت تعشعش في المقاهي الفرنسية.

الثورة الفرنسية حملت الكثير من الأفكار الإنسانية العظيمة ولكنها أيضا حملت معها صفتين متطرفتين: العلمانية الحادة، والدولة – السيدة. كثير من مثقفي العالم الثالث استلهم العلمانية المتطرفة منها (كما هي في تركيا)، وآخرون استلهموا مفهوم سيادة الدولة بصورة متطرفة. الذين استوردوا هذا التطرف أو ذاك لم يتأخروا كثيرا في التخلص من المفاهيم الأخرى التي جاءت بها الثورة الفرنسية، وتحديدا حقوق الإنسان والخضوع لرأي الشعب في اتخاذ القرارات المصيرية.

الدولة العراقية هي حالة متطرفة لمفهوم الدولة، وهي حالة خاصة فريدة من نوعها في العالم. إذ المخابرات على كل شيء في الحزب، وتسيطر عائلة على كل شيء في المخابرات، ويسيطر شخص على كل شيء في العائلة.

عندما استولى حزب البعث العراقي على الحكم في 1968 سعى أول شيء لمصادرة جميع مواقع القوة الاجتماعية التي لا تخضع لنفوذ الدولة. ولاقى الأكراد من جانب والطائفة الشيعية من جانب آخر صنوف الأذى بسبب ذلك. ذلك هاتين الفئتين كانت لهما خصوصية معينة بسبب الوضع السياسي وبالتالي ينتج عن تلك الخصوصية مواقع نفوذ اجتماعية.

مثلا، أراد حزب البعث إهانة الزعيم الديني السيد محسن الحكيم رحمه الله، فقام بمطاردة ابنه السيد مهدي الحكيم واتهمه بأنه جاسوس وعميل لتركيا. وكانت تلك الاتهامات موجهة أساسا لإهانة موقع ونفوذ الزعيم الديني الأعلى. ثم تحرك النظام ضد العشائر واعدم عددا من رموزنا بصورة مباغتة لكي يقول لجميع فئات المجتمع انه لا يوجد أحد لا تستطيع الدولة التدخل في حياته وحتى إعدامه.

كان الزعيم الديني السيد محسن الحكيم بخطط لإنشاء جامعة الكوفة التي أرادها نقلة نوعية وحضارية لدمج المناهج العلمية والحديثة مع المناهج الدينية التي تدرس منذ ألف سنة في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف. هذا المشروع الذي بدأ بقوة وحماس وتأسس كان أحد ضحايا العراقية المتطرفة، التي قضت على الفكرة وعلى أصحاب الفكرة.

استلمت الدولة العراقية المناهج الدراسية وغيرتها جميعها واستبدلت سورة القرآن التي كانت توضع في الصفحات الأولى للكتب المدرسية، استبدلتها جميعها بخطب قيادات الدولة ورموزها، وملأت الشوارع والمدارس بالشعارات التي مل الشعب من تكرارها لأنها لا تحمل أي معنى حقيقي خلفها.

الدولة العراقية المتطرفة أيضا تبنت مفاهيم فاشستية استوردتها من الفكر الموسوليني – الايطالي – وجراء هذه الفكرة شردت مئات الآلاف من العوائل في مطلع السبعينات وثم في مطلع الثمانينات بحجة أن أصولهم فارسية. كان المواطن العراقي يدرس في المدارس ا ناي عراقي يستطيع أن يضرب ويعتدي على أي شخص ليس أصله عربي، وإذا ذهب ذلك الشخص لتقديم الشكوى فإن الشرطة لا تسمع شكواه.

هذا النهج الفاشستي والعلماني المتطرف المؤمن بقوة الدولة وحقها في التدخل في كل صغيرة وكبيرة هو ما أوصل العراق لهذه الحالة المزرية. فعندما كانت الدولة في أوج عظمتها (نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات) كان الأب والأم العراقيان يخافان أن ينطقا بأي كلمة أمام أطفالهما، لان الطفل إذا ذهب إلى المدرسة قد يسأل عن كل شيء يدور في المنزل وماذا قال أباه وهل يحب السيد الرئيس أم لا؟!

الدولة العراقية المتطرفة حولت الثروة العراقية إلى سبيل للحروب والدمار، وأصبحت السياسة الحمقاء سببا لتدخل القوة العظمى بصورة لم يحملوا بها من قبل. الدولة المتطرفة تخشى على نفسها من ظهور شخص كالسيد محمد صادق الصدر لان عدد المصلين ازداد خلفه. الخطر على هذه الدولة المتطرفة لا يأتي من الخارج. العدوان الخارجي يقوي هذه الدولة المتطرفة، ويحرم العراق والأمة العربية والإسلامية من الثروات والبنية التحتية التي يستهدفها العدوان الخارجي.

الخطر الأساس على الدولة المتطرفة يأتي من المجتمع في الداخل، ولهذا فإن التخلص من مصادر قوة هذا المجتمع يعتبر هدفا مشروعا من وجهة نظر الماسكين بزمام الأمور.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً