العدد 3717 - الجمعة 09 نوفمبر 2012م الموافق 24 ذي الحجة 1433هـ

حرق الإطارات أعظم من فساد المال

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«المال محدود، والعمر محدود، والله موجود».

يحكي المؤرخون العرب أن الأمين ابن هارون العباسي أنفق ثلاثة ملايين درهم من خزانة بيت مال المسلمين في بناء حراقة بنهر دجلة، فقلّ ماله حتى أنه في حصار أخيه المأمون له وهو في بغداد أمر ببيع كل ما في الخزائن من الأمتعة، وضرب من أواني الذهب والفضة دنانير ودارهم لينفق منها على أصحابه وعلى نفقاته الخاصة!

أما أخوه المأمون ابن هارون العباسي فقد بلغ من إسرافه أنه أعطى فقط، من جاءه برأس شقيقه الأمين بعد مقتله، ومن خزينة الدولة ألف ألف درهم.

إلا أن أطرف وأهم تعليق قرأته لأحد القراء المتابعين لـ «الوسط» عن تقرير الرقابة المالية، ليس في الدولة العباسية بالطبع، بل التقرير المحلي وهو يطفئ شمعة عامه التاسع بنجاح كبير! هو «لا تبرير لحرق الإطارات في الشارع، فمع أن المفسدين في المال العام يجب محاسبتهم؛ إلا أن حرق الإطارات أعظم إفساداً في الطريق من أولئك»!

ومع إيماننا بضرورة إماطة الأذى عن الطريق؛ فهل هذا صحيح بالنسبة لإماطة الأذى عن المال العام؟ تعالوا بعيداً عن اللغو والثرثرة، واحتراماً لرأي جميع القراء والمتابعين، لا لنقف عند كبرى قضايا الفساد المالي التي ذكرها تقرير الرقابة المالية في نسخته التاسعة فقد أشبعها الزملاء ذكراً وتعليقاً؛ لكن دعونا نقف عند بعض أبواب ما يمكن تسميته بـ «الفساد الخفيف» إن جاز التعبير.

وهنا أمامنا فقط قضيتان من قضايا «الفساد الخفيف»، وردت في موضعين ضمن عشرات المخالفات التي وعد الوزراء والمسئولون بتصحيحها قريباً بإذن الله! الموضع الأول ما حدث بين شئون الجمارك والإسكان في قمة هذا النوع. وتتمحور السالفة وما فيها، بقلم كاتب التقرير، في قيام وزارة الإسكان بتعيين بعض الموظفين، من العاملين في شئون الجمارك، بعقود توظيف جزئية لمدة سنة واحدة ابتداءً من 3 مايو/ أيار 2011 وصرف رواتب شهرية لهم باعتبارهم موظفين في وزارة الإسكان، وذلك على رغم أن الصفة المتفق عليها فيما بين وزارة الإسكان وشئون الجمارك لانتقال أولئك الموظفين هي الانتداب فقط. وبقية السالفة البريئة تذكر، أن شئون الجمارك استمرت في صرف رواتب أولئك الموظفين خلال فترة عملهم بوزارة الإسكان. ويوضح التقرير، أن الوظائف التي تم تعيين الموظفين عليها بوزارة الإسكان تعد من الوظائف الدائمة والتي لا يعتبر العمل فيها بنظام القطعة (توظيف جزئي)، حيث إن طبيعتها تتطلب العمل خلال أوقات الدوام الرسمي بصورة دائمة! وبناءً عليه يتضح عدم صحة إجراءات تعيينهم في وزارة الإسكان بعقود عمل جزئية، هذه واحدة لا ندري كيف سيتم استرجاع المال الضائع بها.

أما الثانية، وكما ورد في ص 121 من التقرير بأن شركة بابكو، التي اختصت بصفحات طويلة من التقرير من 110-145، فهي تخص السياسة المتعلقة بإجراءات توظيف البحرينيين وغير البحرينيين بالشركة، حيث تنص على أنه «يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف، أن يجتاز الامتحان المقرر للوظيفة، وتحدد الامتحانات وفقاً لطبيعة الوظيفة المراد شغلها». غير أنه لوحظ، كما ذكر التقرير، أن الشركة خالفت السياستين أعلاه عند تعيينها على سبيل المثال لبعض الموظفين، حيث تم تعيينهم بتعليمات من الرئيس التنفيذي دون القيام بالإجراءات المتعلقة باجتياز الامتحان المقرر للوظيفة. ومن غريب أمر هذا الإجراء غير القانوني أن رئيس مشروع التفوق الإداري، تصوروا، والمحاسب، كما هو اختصاصي تدريب وموارد بشرية؛ هؤلاء الثلاثة قد عُينوا بهذه الطريقة المخالفة لسياسة الشركة في التوظيف. والأغرب أن هذا الإجراء تم في فترة بحرينية حرجة بين سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول من العام 2011! وقِسْ عليها بقية المخالفات في التقرير المذكور، وبالله المستعان.

فأيهما أعظم إفساداً في الطريق ويجب إماطة الأذى عنه؟

أضف إلى ذلك، في جانب «الفساد الثقيل جداً»، وعلى رغم ذكر الملاحظة نفسها في التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية والإدارية للعام 2005 والتشديد على أهميتها، إلا أنه لم يتم فصل العمليات المالية لشركة نفط البحرين (بابكو) عن وزارة المالية، إذ لاتزال وزارة المالية تمول مصروفات الشركة وفي الوقت نفسه تقوم بتسجيل مبيعاتها - بابكو - من المشتقات النفطية ضمن إيراداتها!

كما لوحظ تأخر هيئة الكهرباء والماء عن سداد الفواتير المستحقة عليها لشركة (بابكو) مقابل شرائها الغاز الطبيعي من الشركة، فوصل إجمالي المبالغ المستحقة عليها لغاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 (71.4 مليون دينار) فقط لا غير! كما لوحظ استمرار تراكم المبالغ المستحقة للشركة عن مبيعات وقود الطائرات لطيران الخليج وطيران البحرين لتبلغ نحو 160 مليون دولار فقط لا غير!

كما لوحظ إعفاء عددٍ من المباني والمنشآت في المنطقة الوسطى من الرسوم البلدية من دون أن تنطبق عليها شروط الإعفاء طبقاً للمادة (67) من اللائحة التنفيذية لقانون البلديات.

ويبقى دائماً السؤال الذي لا نعرف من يستطيع الإجابة عليه حتى اللحظة: كيف سيتم إعادة الأموال المهدورة في جميع مرافق الدولة، وهى بالملايين أو بالمليارات إذا أضفنا قضية ألبا والأراضي المدفونة في البحر؛ إلى خزينة الناس أو الدولة باعتبار أن أموال الدولة هي أموال الناس جميعاً في الدولة العصرية، أليس كذلك؟

وإذا تركنا البشر والمفسدين منهم وهم كُثر؛ فإننا نجد الآيات القرآنية الكريمة والروايات النبوية الشريفة تؤكد دائماً على ضرورة ترشيد الإدارة المالية الفردية والجمعية، وهي تتجلى في النهي عن الفساد في المال والإسراف والتبذير وإضاعة المال، إلى جانب الأمر بالقصد في إنفاقه، واستثماره، وإصلاحه، واستصلاح المال لا إفساده. فإن الأموال جُعِلت للناس قياماً كما في قوله تعالى: «لا تُؤْتُوا السُّفهاء أموالكم التي جعل اللهُ لكم قياماً» (النساء: 5)، وقول الرسول الأكـرم محمد (ص): «من المروءة استصلاح المال». وقول الإمام علي بن أبي طالب (ع) «لم يكسب مالاً من لم يُصلِحه»، و «من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير وإسراف». كما أن ما يمنع فساد المال كما أوضح الإمام على (ع)، وهو رائد الإدارة القديمة والحديثة في العالم، هو الإدارة حيث «إنها جهاز منظم وليس خليطاً من الفوضى، وإن لهذا الجهاز هدفاً سامياً، فالتنظيم لم يوجد عبثاً، بل من أجل تحقيق أهداف كبيرة في الحياة»، ليس من بينها الفساد بالطبع.

والخلاصة، أيهما أعظم أذىً للطريق وللعباد يا ترى؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3717 - الجمعة 09 نوفمبر 2012م الموافق 24 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:24 ص

      حرام اللي يصير بالبحرين يا ناس

      الفساد موجود بالعالم كله وقد سمعنا بالامس عن قضيه وزير الدفاع الروسي وغيرها من القضايا الفساد , ولكن عندما تحرق اطار او تسكب الزيت بالطريق العام او قذف الملتوف والاسياخ الحديديه هل يعرف من سيقع ضحيتها اليس يمكن ان يكون اقرب الناس لديه, الشخص الذي احرق نفسه بالملتوف لعدم تمكنه بالتعامل معها واليس كل هذة الاعمال هدر للمال العام وقضية فساد مالي , اليست الحقيقه هم مدركين ويتفخرون بما يفعلون لضرب اقتصاد البحرين هذة اكبر جريمه يمكن يعاقب عليها القانون كم شركة وتاجر واسر تضرر من تلك الاعمال .

    • زائر 8 | 5:20 ص

      ياجماعة المقارنة الغرض منها تهكمي؟

      الكاتب في إعتقادي اراد المقارنة بغرض التهكم من أن هناك ما هو اكبر من حرق الاطارات الذي تعتمد علية ابواق الموالاة المستميته في الدفاع عن الحكومة مهما فعلت.

    • زائر 7 | 3:02 ص

      كفى مجاملات

      1. لا يمكن تبرير أي من العملين التخريبيين، اللصوصية جريمة يحميها بعض المتنفذين، و حرق الاطارات و قطع الطريق جريمة يحميها بعض المتفلسفين. لذا، لا يمكنك يا أستاذ محمد تسمية حرق الاطارات في الطريق العام أذى تجب إماطته.
      2. هدر و سرقة المال العام ليس في مقدور الشعب إيقافه بسهولة، لكن فتوى واحدة سيكون لها أكبر الأثر في وقف حرق الاطارات في الطريق.

    • زائر 6 | 3:01 ص

      بل اعظم وادهى

      استاذي الفاضل نعم البعض مع الاسف هذه نظرته للامور بل وان انتهاك الاعراض و سفك الدماء وقطع الارزاق اهون بكثييير من حرق الاطارات وتعطيل المصالح طالما ان الامر لااا يعنيه

    • زائر 4 | 11:30 م

      المقارنة ليست في مكانها وهل يتاح لنا ان نقارن بشي آخر

      متى لجأ الناس اولا الى حرق الاطارات؟ الم يخرجوا بكل اريحية وسلمية بل في غاية السلمية واذا بهم يتهمون باحتلال مستشفى وقطع الالسن والتعدي على الآخرين فاستغرب المجتمع كيف لفقة له هذه التهم وهو يحتج ويتظاهر بهذه السلمية! بل اكثر من ذلك قتل البعض تحت التعذيب هذا حسب تقرير بسوني ولكن احدا لم ينكر ذلك بل ينكر حرق الاطارات هنا تكون المقارنة الحقة بين حرق
      اطار وزهق نفس بشرية تحت التعذيب او خنق قرية بحالها بسبب الغازات الخانقة التي ذهب ضحيتها الكثير لكي تكون المقارنات في محلّها اما الفساد فاتركوه

    • زائر 3 | 10:37 م

      لو لا الفساد المالي و الاداري لما رأينا اطار يحترق

      الفساد المالي و الاداري خلق طبقة منبوذة لا توظف فترك اثره على باقي الاستحقاقات من صحة و تعليم فنشأ احتقان يعبر عنه باساليب مختلفة البعض لا يستطيع الا ان يعبر عنه الا بحرق اطار او حاوية قمامة فالادانة الحقيقية لمن اوصل هذا الشاب الى هذه المرحلة

    • زائر 10 زائر 3 | 2:53 م

      الله يهديك

      الاخ الزائر هل تعتقد في شريف يرضى بالفساد وياليت تقراء تعليقك هل تصحح فساد بفساد اّخر و بخصوص استفسارك عن من اوصل هذا الشاب الي هذة المرحلة هو أعلان الجمهورية وليس الفساد المالي و الاداري

    • زائر 1 | 9:35 م

      بحرانية وافتخر

      والله ضحكتني يا استاذي من الصبح فعلا هناك بعض القراء او المعلقين لا هم لهم الا حرف المطالب فهم يتركون القضيى الاساسية ويمسكون بنقطة اخرى لا علاقة لها بالموضوع المطروح لصرف الناس عن مطالبهم الحقيقية انا مع الاخ في تعبيره عن رأيه لو كان الموضوع يتكلم عن حرق الاطارات لكن ما دخل الاطارات بالفساد المالي الله يهديك لا يوجد ترابط منطقي لا تضحكون الناس عليكم بس لمجرد الدفاع المساميت عن الحكومة وتركتم الدفاع عن حقكم وحقوق الاخرين

اقرأ ايضاً