العدد 3750 - الأربعاء 12 ديسمبر 2012م الموافق 28 محرم 1434هـ

بين حقيقة الثورات ووهم الصورة الإعلامية

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في الآونة الأخيرة بات معروفاً لدى كثير من المتابعين - غير التابعين- ما يلعبه الإعلام في مسألة تغيير الحقائق أو الترويج لفكرة ما بطريقة ناقصة كما يراد لها أن تكون.

فحين تخرج من عزلتك التي تفرضها عليك الحدود الجغرافية وتلك النفسية والمذهبية والآيديولوجية؛ لتذهب في استكشاف ما يكنه الآخر عنك ولك، تجد أن صورتك لديه، في كثير من الأحيان، هي تلك التي يريد لك الإعلام أن تظهر بها، وليست الصورة الحقيقية التي تعيشها في الواقع. وما يجعلني أقف عند هذه النقطة هو ما سمعته من أحد الشعراء السوريين في ملتقى بغداد الشعري حيث أنا الآن، وهو بالمناسبة أحد الثائرين على النظام السوري وأحد الإعلاميين أيضاً. سألني في نقاشنا حول الربيع العربي قائلاً: لماذا تحملون صورة بشار الأسد في تظاهراتكم وتبجلونه بالرغم من أنكم ثائرون على الظلم كما تدعون، والمظلوم صديق المظلوم والغريب قريب الغريب؟ الصورة التي حملها صديقي الشاعر وغيره، هي الصورة التي رآها في الإعلام العربي المضَلِل وربما المضَلَل، وهي أن الحراك البحريني حراكٌ طائفيٌ قام لنصرة المذهب لا لنصرة الإنسان. وعلى الرغم من أن بقية الأصدقاء من الدول الأخرى وحتى زميله السوري قد صحَّحوا له تلك المعلومة، إلا أن النظرة تبقى قاصرة بسبب الكم الهائل من المغالطات التي يبثها الإعلام العربي في كل يوم عربي من أيامنا المخدوعة الخادعة.

ولا تختلف هذه الصورة في تشوهها وتشويهها للحقيقة إطلاقاً عن الظلم الذي يوقعه الطغاة بشعوبهم، ذلك الظلم الذي ولَّد الحاجة للتغيير، وفجَّر الثورات من كلِّ حدبٍ وصوب.. ولكأننا بحاجة ماسة إلى استكمال عملية التغيير واستمرار الثورة لتشمل الإعلام نفسه وطريقة تفكير الوسائل الإعلامية، التي نسيت دورها ودخلت طرفاً في ما يجري، وكأنها أعرَف من الناس بمصالحهم، أو كأنها ولية أمورهم والوصية عليهم. كيف لا وهي الابنة غير الشرعية للأنظمة؟ ولأن صورة الحراك السوري مشوهة بحسب توجه الإعلام الذي يبثها، فقد حاولتُ بالمحاورة أن أوصل الصورة التي رأيتُها وعشت تفاصيلها لصديقي الشاعر، ولم يكن هدفي في ساعة الحوار تلك أن أغير قناعات أحدٍ أو أن أجعل الذي سألني يترك كلَّ ما آمن به من خلال ما وصل إليه من معلومات عبر الإعلام، لكنني كنت أفكر في داخلي بالدور القذر الذي تؤديه وسائل الإعلام، وكيف تستطيع أن تخدع شعراء ومثقفين وحتى إعلاميين.

وما يحزن أكثر من هذا، حين تجد وسيلة إعلامية تصدق ما تتناقله وسيلة غيرها..! من غير أن يكون للأولى هدف أو غاية، ولكنها انخدعت كما انخدع المثقفون فرادى وجماعات.. وكما انخدع صديقي الشاعر السوري الثائر الذي غير وجهة نظره بعد حديثنا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3750 - الأربعاء 12 ديسمبر 2012م الموافق 28 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:29 ص

      لذلك لدينا بعض الناس تستغرب لتصديقهم بامور لم تكن موجودة بالاصل

      كم انطلى على المجتمع البحرين الكثير من الكذب والفبركات الى درجة بدى فيها البعض في قمة السذاجة على سبيل المثال قضية قطع لسان المؤذن القضية
      التي مخولة عقول البعض ممن لديهم بعض الالقاب من دكتوراة وغيرها انطلت عليهم سالفة قطع اللسان وراحوا يروجوّن لها والقضية لا اصل لها بالمرّة ولكن الاعلام لعب لعبته فصدقه الكثير بدون تروي او مسألة وجود اسلحة بالسلمانية وهو مكان عام يرتاده القاصي والداني المعارض والموالي كيف يقوم شخص
      بهذا العمل في هذا المكان من الصعب تصديق هذه الامور لولا الاعلام المضلل

    • زائر 7 | 2:56 ص

      الصورة المعكوسة للصدق تظهر الكذب

      قد يكون الطيف جذاب لا يمكن رؤيته وقد لا يكون الوهم حقيقة الا بعد رؤيته. فوهم الواقع والصورة المبتذلة المدوية في الدعاية والإعلان ما هي الا كذب على النفس مع الإصرار على أن الواقع يشبه الحقيقة أو أن الزمان غير المكان و الزمان ليس في تغير دائم الا انه ثابت. فتعاقب الليل والنهار لم يتغير وكوكب الأرض قد تغيرت ظروف المعيشة عليه الا أن عمل الإنسان بين الصالح والطالح لم يتغير. والسيء قد لا يسود أو يعود الا على زارعه. فزراعة القمح ليست كزراعة الحشيش. فالاول يأكله الناس أما الآخر فيخدر الناس. وهكذا الكذب

    • زائر 5 | 1:23 ص

      الاعلام. لا يصدق ابدا

      معروف جداً ما تقوم به وسائل الاعلام على حسب توجهها فنحن نرى قناة تبجل ثورة في مكان وتسب ثورة في مكان اخر وتحيي العنف والتسلح في مكان وتتهم الاخر بالارهاب اذا استخدم الاطار او المونوتوف يا اختي من يصدق الاعلام هذا ناقص عقل

    • زائر 2 | 12:27 ص

      مقال رائع وجهدك محفوظ

      شكرا لقلمك وصوتك الذي بث الحقيقة اختي سوسن جهدك محفوظ على ما قمت به مع هذا الشاعر

    • زائر 1 | 12:27 ص

      محنة المثقف العربي

      من الذي جعل المفكر والمثقف العربي أن يلوذ بالصمت عن مصائب إمتنا العربية.
      كيف سمح المثقف العربي للخطاب الإعلامي المدجن والخطاب السياسي العاري من الشرعية والمصداقية أن يستعمر ويعبث بعقول شعوبنا العربية.
      كيف استسلام المثقف العربي لضغوط السلطة وتكميم الأفواه وقمع الحريات.

اقرأ ايضاً