العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ

الاقتصاد الأخلاقي (1-2)

يندر أن يتحقق المستقبل بما يتفق مع التوقعات. تخيل معي على سبيل المثال مجموعتين من التنبؤات الاقتصادية لنصف القرن الذي بدأ العام 1962. المجموعة الأولى بعنوان «الدليل الأعمى» كتبت بما تيسر لكاتبها من معرفة متاحة في ذلك الوقت. أما الثانية بعنوان «دليل التبصر في الماضي» فقائمة على معرفة ما حدث على أرض الواقع. كانت أكبر القضايا الاقتصادية قبل نصف قرن من الزمان هي معركة النظم الاقتصادية أي الشيوعية مقابل الرأسمالية. وكان الدليل الأعمى سيتنبأ بتنافس شديد بينهما في العام 2012. حقاً إن الدول الشيوعية كانت تتخلف بالفعل من الناحية الاقتصادية في أوروبا لكن القهر السياسي سيبقي النظم القائمة في وضع حصين. بالإضافة إلى ذلك كان كثير من الخبراء الغربيين يعتقدون قبل 50 عاماً أن المساواة الاجتماعية والتنظيم المركزي في الشيوعية كان يتيح للدول الفقيرة أفضل أمل للنمو الاقتصادي السريع. وفي المجلد الثاني «دليل التبصر في الماضي» سيحتل الانهيار الذليل الذي شهدته الشيوعية مكاناً بارزاً في التوقعات المستقبلية. فالانزلاق سيكون بطيئاً لكن الناس ستتحرر حتماً من أوهامها فيما يتعلق بعجز النظام وعدم أهليته ومراءاته وقسوته. لقد سادت في نهاية الأمر إرادة الشعوب. تأتي بعد ذلك محنة تعساء الأرض إذا استعرنا عنوان كتاب فرانتز فانون الذي صدر العام 1961 بالإنجليزية عن مجتمعات ما بعد العهد الاستعماري. فعلى رغم أن الثورة الخضراء الوليدة كانت مشجعة فإن التنبؤات العمياء كانت سترسم صورة نصف قرن آخر من البؤس. وبينما كانت السياسات والممارسات التي يمكن أن تقضي على الفقر المدقع مفهومة إلى حد كبير فقد كان الأمر يتطلب أجيالاً كثيرة للتغلب على آثار القهر الاستعماري ونشر الثقافة الصناعية. وخلال تلك الفترة ستحدث اضطرابات اجتماعية وحروب عديدة وتقوم نظم حكم قمعية متحصنة. ولم تتحقق الرؤية على هذا الوجه. فبينما تصور التوقعات المتبصرة بحقائق الماضي فقراً مفجعاً في العام 2012 وبعض الحروب المخيفة مثل فيتنام والعراق وإيران والكونجو خلال تلك الفترة فإنها تتنبأ أيضاً بتحسينات كبيرة في مستويات المعيشة في أغلب الدول الفقيرة. فنصيب الدول الفقيرة من استهلاك النفط العالمي يرتفع من الربع إلى النصف بينما تزيد نسبة تعليم الصغار حتى المرحلة الثانوية لأكثر من المثلين. وتصبح الدكتاتوريات أكثر ندرة وأقل شعوراً بالأمان. كان الدليل الأعمى سيخصص مكاناً بارزاً للكوارث المتوقعة مما كان بول ايرليخ سيطلق عليه بعد قليل «القنبلة السكانية». أما الدليل الآخر فلا يرى مشكلة في ذلك. فالعالم كان على مشارف التمتع بمزيج لم يسبق له مثيل من زيادة في الرخاء وتقلص في حجم الأسرة.

إدوارد هاداس

خدمة رويترز بريكنغ فيوز

العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً