العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ

نداءٌ للسوريين عبر الأثير

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم نكن نرى أهلنا في سورية سوى أنهم سوريون فقط. استمرَّت هذه النظرة حتى مع بدء الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الأسد في مارس/ آذار من العام 2011. لكن هذه النظرة بدأت تتمايل وتختل، حين تحرَّك أمران مصاحبان لتلك الاحتجاجات: الأول عسكرة الاحتجاج. والثاني تغوُّل الإعلام، المناهض لحكم الأسد، في محرَّمات المجتمع السوري، وثوابته وأركانه وجُدُره.

بدأ السلاح الكثيف والإعلام المناوئ، اللذان اصطبغ بهما الجو المحيط باحتجاجات الشارع في سورية وزواياه بشكل فاقع، يُفرزان لنا تصنيفاً اجتماعياً سورياً بعيداً عن الاختزال الوطني الرشيق (سوريون)، يقوم على الهويات الفرعية والطائفية وترقيمها نِسَباً وأعداداً ومكاناً (سُنة، علويون، مسيحيون، شيعة، اسماعيليون، دروز، عرب، كرد، تركمان) وغيرها من المكونات الأخرى.

هذا الأمر، حوَّل «جزءًا مهماً» من مسار الاحتجاجات، من كونها اعتراضات مناهضة للدكتاتورية، إلى اعتراضات مزدوجة الأداء، تقوم على تنويع الخصوم، ما بين حاكم مستبد (مقارعة سياسية أفقية) إلى طوائف وأديان (مقارعة دينية عمودية)، وبالتالي إدخال البلد في ارتجاج قِيَمِي وأهلي خطير جداً، تختلط فيه الرؤية السياسية الثورية بأخرى مذهبية ليس لها عقل ولا طريق قويم.

هذه المخاطر، التي لطالما حذرنا منها، والتي لم تكن لتنشأ لولا الإصرار على خيار «عسكرة الاحتجاجات في سورية» بدأت تفضي إلى «انهزام اجتماعي» مدو، لا يعرفه في عالمنا العربي سوى الجزائريين في وقتنا الحاضر. فبعدما كان الصراع لديهم صراعاً سياسياً، تحوَّل إلى «صراع مسلح» ما بين الجيش والإسلاميين والسياسيين والمدنيين بشتى تقسيماتهم وهوياتهم الدينية.

اليوم، يتساءل الكثيرون، «ممن صحَّر ذاكرتهم النسيان» عن العلاقة الباهتة ما بين الجزائريين وموجات الربيع العربي التي ضربت جوارهم القريب والأقرب. هم لا يعلمون أن الجزائريين وعندما أشاحوا بوجوههم عن ذلك الربيع كان عبارةً عن فوبيا ساكنة في نفوسهم، من ديمقراطية متشيطنة، عالية الكلفة، يأكلونها مِيْتَة وسط برَكٍ من الدماء المسكوبة، والرؤوس المتدحرجة، والرقاب المدهونة حتى القَذَال، والأعين المفقأة. مئتا ألف قتيل كافية، لأن يكرهوا هكذا حرية.

كلُّ العالم، أبهرته شجاعة شباب ونساء وأطفال سورية عندما كسروا حاجز الصمت ضد أجهزة أمن رهيبة، تنتشر في كل زقاق. وكانت المؤشرات تنبئ بأن شيئاً عظيماً سينجز ولو بعد حِيْن. لكن الإبهار ذاته، قطعت صَفْوه مشاهد مُنفِّرة، لجماعات متطرفة، سوداء القلب والضمير، بدأت في اضطهاد الأغيار والأقليات، وخطف وقتل أبنائها، وإهانة أديانها، وتفجير دور عبادتها.

اليوم، وبفعل السلاح، والإعلام المجنون، نَتَجَ لنا فكرٌ متطرفٌ، أصبح يرى أن أكثر من نصف السوريين (من أقليات ومدن وقرى وأحياء موالية) مجازٌ قتلهم، والتنكيل بهم، وهدم مساجدهم وكنائسهم ومعابدهم. اليوم، وبفعل السلاح، أصبح في سورية سبايا ومهجَّرون في الداخل والخارج. وأصبح في سورية حديثٌ عن الجِزيَة، وتخيير بين دينيْن، صالح وفاسد بأهواء شيطانية!

سورية، التي كانت فيها هوية الأقليات مسحوجة بعنوان «سوريين» فقط لا غير، أصبحت مقشورة كالنثار. والسبب هو تعمير السلاح، وتغليظ الخطاب الإعلامي، وجعله مذهبياً طائفياً أهوج. وكلنا يدرك أن هذيْن الأمرين، يكنزان الفرد بغلواء القوة، فيصاب بداء الانتشاء الأكثري، الذي يخنق به رقاب الأقليات، في محاكمات شوارعية رعناء، لا دين فيها ولا إنسانية ولا قيم.

هؤلاء اليوم يخونون الثورة السورية، ويصيبونها في مقتل بهذه الأفعال الشنيعة. هؤلاء يدنسون شعارات خالصة، كَتبَها أطفال بأناملهم الناعمة على جدران الضيعات. هؤلاء يتلاعبون بدماء آلاف السوريين، التي قدِّمَت كقرابين للربيع. هؤلاء البلهاء يقدمون أفضل فرصة للدكتاتوريات لأن تظهر على أنها حامية لحقوق الأقليات والاعتدال السياسي والديني وحماية السلم الأهلي.

لقد دَفَعَ التطرف الديني (القاعدة والزرقاوي) والسياسي (أحزاب السياسة) في العراق المسيحيين والشبك والصابئة والسُّنة لأن يعتبروا أن الدكتاتورية كانت ضمانة لهم بالحد الأدنى على أقل تقدير. فهل يريد هؤلاء، دفع المسيحيين والدروز والعلويين والكرد وغيرهم لأن يعتبروا الدكتاتورية في سورية ضمانة لهم أيضاً، بفعل إرهاب أعمى وممجوج لا دين له ولا منهج ولا مبادئ أولى؟

عندما أرى مشاهد الدَّم في شوارع حلب أو حمص أو درعا أو دير الزور أو إدلب الذي تقترفها قوات النظام السوري لا أتعجَّب، لأن المعركة ضده بالأساس كانت لدمويته، لكن عندما ترى قطاعات من المعارضة السورية، وهم يسحلون رجلاً في الشارع أمام الناس، أو يحزُّون الرقاب بالسواطير، أو يرمون الناس من الشواهق العالية وهم أحياء، فذاك عجب ما بعده عجب، لا يستوعبه العقل!

اليوم، أمام المعارضة السورية وبالتحديد الائتلاف المعارض، مسئولية تاريخية وأخلاقية، وهي أن يقولوا كلمتهم بصوت عالٍ ضد أي فصيل يدعي الانتساب للثورة السورية، ويقوم بارتكاب انتهاكات إنسانية صارخة، كالقتل على الهوية الدينية والعرقية والمذهبية. وعليهم أن يدركوا أن الأقليات في سورية والتي هم ينتمون إليها بالأساس (كجورج صبرا وعبدالباسط سيدا والبقية) هي ليست أرقاماً زائدةً على الوزن، بل هي من صميم التاريخ الشامي العريق.

فالأقليات اليوم في الدول المتقدمة باتت بيضة قبان، وهي الجيوب الوازنة داخل تلك الدول. وإنصافها هو العلامة الأهم في شكل ومضمون الدول وتطورها واحترام العالم لها. في زماننا فإن هذه الأقليات باتت تحدد سياسات ومصائر البلدان وشكل أنظمة الحكم فيها، وخصوصاً في الدول الديمقراطية، التي تعتمد على صناديق الاقتراع وعلى حكم الأكثريات السياسية.

اليوم في الولايات المتحدة الأميركية أربعة وأربعون في المئة من أصوات الحزب الديمقراطي تأتي من الأقليات. والرئيس باراك أوباما ذاته حصل في الانتخابات الأخيرة على 73 في المئة من أصوات الأميركيين اللاتينيين. وبذلك أصبح ضمان الحصول على 25 في المئة من الناخبين بالنسبة لمرشح رئاسي أميركي (زيادة على أصوات الأقليات) كافية لأن يفوز بمقعد الرئاسة!

هذه الرسالة نقولها خوفاً على سورية المجتمع، وسورية الطامحة للحرية والتغيير. اللهم قد بلغنا فاشهد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 11:09 ص

      علي نور

      تحية لك استاذ محمد .. اود تذكيرك فقط ان ما تسمية ثورة سوريه (والتي اشهدت الله تعالى على تبليغها لهم ) هم اللذين ادانو (على لسان رائيسهم الخطيب) ادراج امريكا لجبهة النصرة على لائحة الارهاب ودعاها الى اعادة النظر .. هم من سنخ واحد ،، تتكلم عن الثورة السورية وتتجاهل البراياء الذيه طحنتهم سواطيلهم لا لشي الا لشهوة السلطة . تتحدث عن الثورة السورية ولا يعنيك ابدا كل دماء الابرياء تلك ، تتحدث معهم وكانهم من بقايا الاهل والاحبة والكل يعلم ارتباطهم بدوائر صهيونية .

    • زائر 10 | 8:37 ص

      أمران احلاهما مر..

      او يود مينونك لايجيك اين منه كما يقول المثل المحلي

    • زائر 8 | 4:02 ص

      لان ما تسمونه ثورة سوريا تمويلها ويديرها الأمريكان واليهود

      هذه ليست ثورة لتحسين وضع سوريا وانما مرتزقة تمولهم امريكا وإسرائيل ودول الخليج

    • زائر 9 زائر 8 | 7:35 ص

      شمعنه سوريا

      ما تعتبرونها ثورة حقيقيه يعنى ما شفتو السوريين شلون يعانون ليكون عايشين في قصور كل سنه أنتو هناك بشار حاله حال غيره قالو له اذلف خلاص خل يذلف ويرحم الناس اذا وجوده بيقتل هالالاف أحسن له يتقي الله فيهم ويطلع بره بره بره

    • زائر 6 | 2:22 ص

      عندما يدخل الغربان الى اي مكان يصبح هذا المكان كالمقبره

      عنما يتم ادخال الارهابيين المرتزقه الى اي بلد ينتكس هذا البلد حتى يتم استئصالهم من الجذور

    • زائر 7 زائر 6 | 3:51 ص

      الارهابيين كالسرطان يجب قطعه

      والا استشرى وادى الى الهلاك
      اشخاص متخلفون يستعملون الادوات والاجهزه العصريه ويحرمون الحياه على غيرهم الله يخذلهم اينما ذهبوا

    • زائر 5 | 1:48 ص

      ارتهان الثورة للجوار الدكتاتوري.

      ارتهان الثورة السورية للجوار الاقليمي الذي لا يعرف من الديمقراطية الا اسمها وهو يعيش الدكتاتورية بأنصعها هو الذي حرف الثورة عن مسارها وتركها لعبة بين يدي هذا الجوار الاقليمي والتطرف الديني.

    • زائر 4 | 12:13 ص

      المهم هو ضمان أمن إسرائيل

      سفك دماء العرب من جميع الديانات غير مهم مادام الهدف من كل هذه الحرب هو ضمان أمن إسرائيل

    • زائر 3 | 10:45 م

      خفت على سوريا من ذلك الوقت

      كنا في رحلة من دمشق لحلب بالباص وكان السائق غير ملتزم بصلاة ولكنه يملك حس طائفي بغيض حين مر على قرية مسيحية نعتها بنعًت طائفي كريه وكذلك حين مر بقرية شيعية سماها قبورية و تكرر مع سائق مواقف متشابهة وكلاهما من أطراف حلب منذ ذلك الحين انتابني قلق على سوريا

    • زائر 2 | 10:42 م

      كلامك فاضي و مدروس

      نظام مجرم يجب أن يزول غصبا عن ايران و جميع المجرمين...

اقرأ ايضاً