العدد 3763 - الثلثاء 25 ديسمبر 2012م الموافق 12 صفر 1434هـ

اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ ضروري وممكن

نافي بيلاي

مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، كلمة في يوم حقوق الإنسان (10 ديسمبر/ كانون الأول 2012)

نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي اختتم في العاصمة القطرية الدوحة السبت الماضي تظهر مرة أخرى أن المفاوضات الدولية تتحرك بثبات في الاتجاه الصحيح، ولكن ببطء مثير للقلق.

في جوهر هذه المفاوضات ليس أقل من التحول الأكثر تحديا للطاقة الذي يشهده العالم على الإطلاق. وكانت تحولات الطاقة السابقة قد استغرق تحققها وقتا طويلا. كان الحطب مصدر الطاقة الأول للبشرية ولم يستبدل بالفحم حتى القرن الثامن عشر. ومع تزايد وتيرة التقدم التكنولوجي، استغرق الأمر قرنا واحدا كي يحل النفط محل الفحم باعتباره مصدرا رئيسيا عالميا للطاقة. إن تغير المناخ ليس الدافع الوحيد للتحرك نحو المزيد من مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة، لكنه فجر شعورا لا لبس فيه بالتعجل نحو ما كان هو خلاف ذلك تطورا طبيعيا.

رغم التحدي الواضح المتمثل في دوران أرصدة رأس المال في أنظمة الطاقة القائمة لدينا، إلا أن الوقت ليس في صالحنا. ويقول العلم لنا إن الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة يجب أن تبلغ حدها الأقصى هذا العقد وأن تنخفض بسرعة بعد ذلك. الأهم من ذلك، يجب أن تبلغ الانبعاثات العالمية حدها الأقصى قريبا إذا أردنا أن نحد من الكلفة البشرية.

الظواهر المناخية العالمية المتطرفة في كل منطقة من العالم تقدم دليلا دامغا على الكلفة البشرية الآخذة في الارتفاع، وخاصة على الفئات الأكثر ضعفا.

إن الأمم المتحدة هي المنبر الوحيد الذي يمنح جميع البلدان، كبيرها وصغيرها، إمكانية المشاركة في عملية صنع القرار العالمي. التحول إلى كربون منخفض يتطلب مشاركة عالمية لأن كل بلد بالفعل متضرر من تغير المناخ ولأن ثمة حاجة إلى التوجيه الحريص للتحول العالمي السريع. علاوة على ذلك، فإن حجم ووتيرة التنمية الاقتصادية المدفوعة بالتكنولوجيا وحرية حركة رؤوس الأموال يجعلان المشاركة العالمية ضرورية. الاقتصادات المعاصرة المنخفضة الانبعاثات، حتى على أساس نصيب الفرد، يمكن بل وستصبح غدا اقتصادات عالية الانبعاثات أسرع مما كان ممكنا في أي وقت مضى ما لم يتم دعمها وتشجيعها بالقدر الكافي لرسم مستقبل ذي طاقة نظيفة لأنفسها.

بعد خطوات مهمة إلى الأمام خلال العامين الماضيين في كانكون وديربان، قامت 37 دولة في الدوحة (جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي وأستراليا وبيلاروس وكرواتيا وأيسلندا وكازخستان والنرويج وسويسرا وأوكرانيا) باعتماد أهداف ملزمة قانونا لخفض الانبعاثات لوضعها مجتمعة عند مستوى 18 في المئة تحت خطوطها الأساسية لعام 1990 خلال السنوات الثماني القادمة. هذه الأهداف ترتكز على قواعد محاسبية أكثر صرامة وهي قابلة للمزيد من التعزيز بحلول عام 2014.

بالإضافة إلى ذلك، أكدت جميع البلدان في الدوحة عزمها على التوصل إلى اتفاق ينطبق على الجميع بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2015، استنادا إلى أحدث العلوم. ومن الواضح أن الحكومات تقود العالم نحو تحول كبير، ولكنها لم تبرهن حتى الآن على نيتها من خلال تنفيذ فعال وفوري لما تم الوعد به من قبل. يجب على الحكومات، بل ويمكنها، تسريع الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ، ليس بدافع الإيثار، ولكن لأن القيام بذلك يصب في مصلحتها الوطنية.

الأمم المتحدة هي مكان اتخاذ القرار العالمي، ولكنها ليست قاطرة القرارات المحلية. المصالح المحلية في استدامة الموارد والاستقرار والقدرة التنافسية هي الدوافع القوية للعمل بشأن تغير المناخ. عملية الأمم المتحدة هي مركز المشاركة الدولية، لكنها ليست محيط العمل بشأن تغير المناخ. وردا على التقدم البطيء، ولكنه تقدم ثابت، في المفاوضات الدولية، وللاستفادة من الاقتصاد الجديد المنخفض الكربون، سيكون لدى 33 بلدا و18 ولاية قضائية دون وطنية تسعير للكربون في عام 2013، والذي سيغطي 30 في المئة من الاقتصاد العالمي و20 في المئة من الانبعاثات. وبحلول عام 2011، كان لدى 118 بلدا تشريعات بشأن تغير المناخ أو أهداف متعلقة بالطاقة المتجددة، أي أكثر من ضعف عدد البلدان في عام 2005. وثمة جهود محلية وتطوعية متزايدة للحد من إزالة الغابات والانبعاثات التي لا يغطيها إطار الأمم المتحدة. في عام 2010، بلغت نسبة مصادر الطاقة المتجددة 20.3 في المئة من الكهرباء في جميع أنحاء العالم، بالمقارنة مع 3.4 في المئة في عام 2006. وقد تجاوز الاستثمار في الطاقة النظيفة تريليون دولار أميركي، ويتوقع أن يرتفع إلى قرابة 400 بليون دولار أميركي سنويا.

مؤشرات التحرك نحو الكربون المنخفض قائمة في كل مكان، ولكنها لاتزال غير كافية. يجب قريبا أن يكون الكربون المنخفض هو القاعدة وليس بدعة. لقد رسمت الحكومات الطريق، ولكنها تتحرك ببطء. لم تصل أي منها إلى الحد الأقصى من قدرتها. ولم يفعل ذلك أي أحد آخر. يمكن للقطاع الخاص، بل وينبغي له، أن يتحرك بشكل أكثر إفادة. ويمكن للقطاع المالي، بل وينبغي له، أن يستثمر بعزم أكبر. ويمكن للتكنولوجيا، بل وينبغي لها، أن تتقدم بسرعة أكبر. لا أحد معفى من المسئولية، أو من الفرصة، للإسهام في الحل.

نحن بحاجة إلى أن يبذل الجميع أقصى الجهود. نحن بحاجة إلى تجاوز عقلية المحصلة الصفرية إلى العمل التعاوني من أجل تحقيق هدف مشترك وعاجل. نحن بحاجة إلى بذل جهود متعاضدة لتسريع الزخم نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات.

معا يمكننا أن ننتقل من سياسات اللوم إلى سياسات الفرص.

يجب أن يكفل اتفاق عام 2015 المشاركة العادلة لجميع الدول وأن يستجيب لمقتضيات العلم. وقبل كل شيء، يجب أن يكون شاهدا على إرادة جيلنا للعمل.

في نهاية المطاف، سوف يحكم علينا التاريخ على ما إذا خفضنا غازات الدفيئة بما يكفي لتجنب التغير المناخي الأسوأ. والحقيقة هي أنه يمكننا القيام بذلك في الحال بطرق تعزز الاستدامة الاقتصادية للجميع وتحمي في الوقت نفسه الأشخاص الأكثر عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ. ولذلك فإن اتفاقا عالميا هو أمر ضروري وممكن.

إقرأ أيضا لـ "نافي بيلاي"

العدد 3763 - الثلثاء 25 ديسمبر 2012م الموافق 12 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً