العدد 3767 - السبت 29 ديسمبر 2012م الموافق 15 صفر 1434هـ

مدارس صديقة لحقوق الإنسان وقابلة للحياة

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

هكذا جاء العنوان الأخير للمقال المشترك الذي صاغته أوريليا دونارد (المستشارة المؤقتة لمشاريع التربية على حقوق الإنسان بالأمانة الدولية في منظمة العفو الدولية) وثريا بو عبيد (منسقة التربية على حقوق الإنسان، فرع المنظمة في المغرب) في نشرة «موارد» الصادرة عن برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية التي خصصت العدد 19 شتاء 2012م لمناقشة ملف «الأقليات وحقوق الإنسان».

أشرنا في مقال سابق إلى أن الغرض من إنشاء (المدارس الصديقة لحقوق الإنسان) يتمثَّل في تعزيز مضامين حقوق الإنسان في الميدان التربوي ضمن فضاء حر تفاعلي لنشر الثقافة الديمقراطية من المهد مروراً بالتعليم الأساسي والثانوي، عبر إقامة شراكة مع 10 إلى 15 مدرسة في نطاق البيئة الجغرافية الواحدة، بهدف إدماج هذه المفاهيم الأممية في صلب العملية التعليمية وضمان حضورها وتمثُّلها في جميع الميادين الرئيسية من الحياة المدرسية.

منذ انطلاقة المشروع التجريبي (المدارس الصديقة لحقوق الإنسان) التابع إلى منظمة العفو الدولية في الفترة الممتدة بين سبتمبر/ أيلول 2009 ويوليو/ تموز 2011؛ فقد شاركت خمس عشرة مدرسة ثانوية من أصل 14 دولة في جميع أنحاء العالم، بهدف بناء قدرة المجتمع المدرسي بكامله من خلال العمل على تعزيز البيئة الديمقراطية وطرق التدريس المبتكرة والمواطنة المسئولة.

أما كيف تكون هذه المدارس «قابلة للحياة» فلا بأس من تفسيرها سياسيّاً، فعندما يعبَّر عن الدولة بأنها (قابلة للحياة) فالمقصود امتلاكها المقومات التي تضمن لها البقاء والاستمرارية بتوافر شروط أرض متصلة وحدود جغرافية معروفة ومرسومة وفضاء جوي وليس مجرد كيان مؤقت، ولذلك يتحدث البعض بين الفينة والأخرى عن (دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة) متصلة الأجزاء، بحيث يمكن الانتقال من طرف إلى آخر جنباً الى جنب مع دولة «اسرائيل».

عربياً؛ فإن مشروع (المدارس الصديقة لحقوق الإنسان) يحظى بدعم وتشجيع من قبل السلطات التربوية بالمملكة المغربية لكل القائمين عليه في ثانوية ابن يوسف للتعليم الأصيل في مراكش لجعل ثقافة حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من الحياة المدرسية اليومية.

وهذا المشروع الذي سلَّطت المنظمة الضوء على منهجياته ونجاحاته عبر دليل جديد بعنوان: «التحوُّل لمدرسة صديقة لحقوق الإنسان ... دليل للمدارس في جميع أنحاء العالم» يشمل عشرة مبادئ عالمية للمدارس الصديقة لحقوق الإنسان التي يمكن دمجها في أربعة مجالات رئيسية للحياة المدرسية هي: الإدارة والعلاقات والمناهج الدراسية والأنشطة اللاصفية والبيئة المدرسية الشاملة، حيث يقدِّم هذا الدليل الجديد اقتراحات عملية وبناءة للمدارس في جميع أنحاء العالم من خلال المقررات الدراسية والمنهجية التعليمية والبيئة التعليمية الأوسع بما يخلق التأثير طويل الأمد ليس على مستوى الطلبة فحسب، بل على المجتمعات التي ينتمون إليها على حد سواء.

تنطلق منظمة العفو الدولية من رؤية واضحة وهي دعم جهود الحكومات الرامية إلى «الخروج من حقبة انتهاكات حقوق الإنسان»، وتشجيع الحكومات الوطنية ليس فقط لدعم المدارس في تعليمٍ حول حقوق الإنسان، وإنما لضمان عمل المدارس وفقاً لقيم ومبادئ حقوق الإنسان.

يعود السبب في نجاح تجربة ثانوية ابن يوسف بالمغرب إلى إيمانها العميق كمجتمع مدرسي بأن مفتاح التغيير والتحوُّل إلى مدرسة صديقة لحقوق الإنسان؛ إنما يكمن في عدم اختزال هذه الثقافة في الفصول الدراسية، بل بإدماجها في عمل الأندية الطلابية والأنشطة اللاصفية، وقد أنشأت في هذا الصدد فضاء آمناً للفتيات بعد انتهاء فترة الدوام المدرسي، وقد وفِّق كاتب السطور يوماً ما بزيارة هذه المدرسة والاطلاع على تجربتها المتميزة.

والسبب الآخر لنجاحها هو السماح لمنظمة العفو الدولية في التواصل بشكل فعال مع السلطات التعليمية لتنفيذ المشروع من دون أدنى تحفُّظ.

ولقد توصلت المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية إلى نتيجة مفادها أن أفضل وسيلة لصون حقوق الإنسان وعدم التعدي عليها كمبادئ أجمعت عليها شعوب العالم والحد من الانتهاكات؛ إنما تتمثل في توعية الناس بحقوقهم وتعليمهم كيفية الدفاع عنها في الوقت المناسب، وهي الرسالة التي من المفترض أن تعمل من أجلها مؤسساتنا التربوية والتعليمية، كونها تؤمن بأن تعليم حقوق الإنسان والتربية على ثقافتها عملية منظمة ومقصودة تخضع لأهداف بعيدة المدى وآليات عمل واستراتيجيات تعليم وتعلّم فعالة تتناسب مع أدوات العصر، وليست كما يخيل للبعض أنها مجرد عملية ارتجالية أو فوضوية لا علاقة لها بتطوير النظام التعليمي.

إن تنمية القيم الحقوقية والتربوية تكون بتبني أحد النموذجين التاليين، الأول: نموذج (المحاسبة على الأعمال)، وهو أكثر انتشاراً على مستوى الناشطين في منظمات حقوق الإنسان، أما الآخر فهو نموذج (المعرفة والوعي والإدراك) ويكون فيه التركيز على نشر المعرفة الأساسية بمبادئ حقوق الإنسان وتعزيز اندماجها بالقيم العامة كما في الدورات التدريبية والمناهج الدراسية والجامعية، وهو أكثر فاعلية على المدى الطويل من النموذج الأول في إحداث التحوُّل الاجتماعي الإيجابي، لسبب جوهري وهو أن المدرسة مؤسسة اجتماعية لها وظائفها المحددة في عملية التعليم والتدريب والتأهيل والتنشئة، وتخضع أنشطتها للتخطيط وفقاً للأهداف المرجوة منها.

من يلاحظ الواقع جيداً يدرك أننا استغرقنا كثيراً في جعل ثقافة حقوق الإنسان محصورة في أوساط معينة كالنخب السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ولم نعمل على تأصيل هذه الثقافة الحقوقية في أذهان أبنائنا الطلبة، بحيث تنعكس آثارها على سلوكياتهم ومواقفهم وممارساتهم داخل المدرسة وخارجها، وتحويلها إلى خبز يومي يتقاسمونه فيما بينهم.

إننا نعيش في مرحلة حساسة للغاية تستوجب منا العمل معاً على مد جسور التسامح والتواصل والعيش المشترك والمصالحة الوطنية والقبول بالتنوع والاختلاف؛ لتكون مدارسنا بالفعل صديقة لحقوق الإنسان وقابلة للحياة.

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ» (الأنفال: 24).

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3767 - السبت 29 ديسمبر 2012م الموافق 15 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً