العدد 3772 - الخميس 03 يناير 2013م الموافق 20 صفر 1434هـ

في مواجهة تحديات الإرهاب

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

عندما انطلق ما أصبح متعارفاً عليه الربيع العربي، في تونس ومصر، تصور كثيرون أننا أمام تجربة مماثلة لما حدث في أوروبا الشرقية، قبيل سقوط الاتحاد السوفياتي بفترة وجيزة. وقد شجع على هذا التصور أن الشعارات التي رفعها الثوار في ميادين تونس ومصر، قد وضعت في أعلى قائمتها مطلب الحرية والقضاء على أنظمة الفساد والاستبداد.

وحين ذكّرنا باختلاف الظروف الموضوعية والاجتماعية في البلدان العربية عن مجتمعات أوروبا الشرقية، اعتبر المتفائلون هذه الرؤية مغرقة في التشاؤم.

وأشار كثير من الكتاب إلى أن الوطن العربي، يمر بمرحلة شبيهة بالمرحلة التي أعقبت الثورة الفرنسية العام 1789.

في غمرة الحماسة، تناسى الذين افتتنوا بمهرجان الربيع، أن الذي حقق التحول السياسي في تونس ومصر، هو المؤسسة العسكرية التي انحازت إلى الشارع، وأمسكت بزمام الأمور، وحالت دون انتشار الفوضى، وتفتيت كياني البلدين. ومع ذلك لم تنته الأمور بما نتمنى. والأوضاع في البلدين، رغم عبور العملية السياسية، مرشحة لأعاصير وبراكين، قد لا تبقي ولا تذر.

نقول إن الأوضاع في مصر وتونس مرشحة لأعاصير، وذلك ليس رجماً بالغيب.

فالأعلام السلمية التي رفعت بميدان التحرير في الأيام الأولى لثورة 25 يناير (كانون الثاني)، تشاطرها الآن في الميدان ذاته أعلام القاعدة. والأنباء تشير إلى عبور آلاف المتطرفين حدود الجزائر إلى تونس، ولن نستغرق كثيراً في ذكر تفاصيل ما يجري من تطرف على أرض سيناء في مصر.

في ليبيا وسورية واليمن، ترفع أعلام القاعدة، وتستبدل بشعارات القضاء على الفساد والاستبداد والأنظمة الشمولية، شعارات متطرفة تكفّر المجتمع، وتقتل على الهوية. ولاتزال الميليشيات مسيطرةً بقبضتها، بعد مرور أكثر من عام على مصرع العقيد معمر القذافي، وإعلان انتصار الثورة، على مختلف المدن الليبية، رافضة تسليم أسلحتها، والانضواء تحت مؤسسات الدولة.

والحال لا يختلف عنه في اليمن مع تنظيم القاعدة فيه، أو تنظيم النصرة في سورية.

وموضوعياً، لا يمكن ربط موضوع الإرهاب بموسم المطالبة بالحرية، ففكرة الحرية تعني قبول الحوار، والتسليم بالحق في الاختلاف وقبول الرأي والرأي الآخر. وذلك بالتأكيد نقيض لثقافة التطرف، ففي التطرف هناك لغة واحدة، تنطلق من تكفير المجتمع والدولة، ولا تسلم بالاجتهاد، وبوجود تفسيرات مختلفة للنصوص. وهي استعادة لروح الخوارج الذين قاتلوا صحابة رسول الله، رافعين شعاراً ظاهره حق وباطنه باطل. والبديل منها هو سيادة لغة الحوار، ودلالته المعرفية هي إمكان الاستفادة المتبادلة من خبرات وآراء المتحاورين. وأنه يعني منهجياً، استحالة استحواذ فرد أو فئة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية على مجمل القول، دون إتاحة الفرصة للإسهامات الفكرية الأخرى. إن الحوار في أساسه تسليم بنسبية الحقائق وإمكان تغيرها، بما يسهم في إثراء المعرفة بحاجات المجتمع وطرق نموه وتطوره.

المعضلة، أن الفراغ السياسي والفكري في الوطن العربي، قد مكّن قوى التطرف، من أن تستثمر ما يجري الآن من تحولات دراماتيكية، لتعيد تنظيم نفسها، ولتتسلل إلى مواقع متقدمة في عدد من البلدان العربية التي شملها الإعصار «الربيعي»، تحت مسميات وعناوين مختلفة.

أرضية الإرهاب كامنة في ثقافتنا، وأرضيّتها للأسف خصبة في مجتمعاتنا العربية. والخشية أن يكون دور الأجهزة الأمنية، هو قطع الحشائش البارزة، وترك الجذور التي لا تحتاج إلاّ إلى القليل من الري لتنبت مرة أخرى، بكثافة أعلى. وبالتأكيد فإن مهمة اقتلاع الجذور ليست منوطة بأجهزة الأمن.

إن المواجهة مع الإرهاب ينبغي ألاّ تقتصر على المعالجات الأمنية التي ربما تضعف من قدرة الإرهابيين على التخريب، وتشلها لأمد محدود. إن المطلوب معالجة تعتمد تفكيك ظاهرة الإرهاب، ومعرفة القواعد الفكرية التي يستند إليها، والعناصر المجتمعية التي يزج بها في محرقته، والمناخات التي تمكنه من تحقيق الاختراق.

إن هذه المواجهة، تقتضي ضرب مرتكزاته الفكرية والثقافية، وضمنها ضروب النشاط الاجتماعي السلبي الذي تمارسه قوى التطرف في مختلف الميادين. إن الإرهاب عمل تآمري، صفته السرية، وينطلق من التسليم بأوامر غير خاضعة للسؤال أو للمناقشة والحوار. وما يجعل الالتزام بها سهلاً، هو وجودها في مجتمع يجرم فكرة التنوع والتعددية. إنه يتطلب خضوعاً كاملاً، وتغييباً للعقل، وتقديساً للأصنام، وجموداً في تفسير النصوص، واتهاماً لمن يؤمن بالحوار بالهرطقة. وإذا ما أتيحت الفرصة، في مجتمع تسود فيه هذه الثقافة لنوع من الحوار، فإنه سرعان ما يتحول إلى حرب أيديولوجية بين «المتحاورين» يحشد كل طرف فيها أسلحته البائسة، مازجاً بين الحقائق والأوهام، ويعلو الضجيج، دون فكرة أو طريحة.

إننا إذاً، إزاء مشروعين: إما تغليب السيف على القلم، وسد أبواب الاجتهاد وحرية الفكر، وإما تغليب القلم على السيف وفتح الأبواب للهواء النقي.

وليس من شك في أن المواجهة الوطنية للإرهاب ينبغي أن تكون حاسمة، ينبغي أن يتراجع السيف لمصلحة القلم، فذلك وحده الذي يهزم فكر الإرهاب ويفتح آفاقاً للعطاء والإبداع، ويعيد البهجة إلى ربوعنا الجميلة.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3772 - الخميس 03 يناير 2013م الموافق 20 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:35 ص

      فاطمه

      الارهاب عباره عن من قتل الكثير من الابرياء وهدم المساجد والمواتم والاعتداء وسرقه المحلات التجاريه .
      الدفاع عن الوطن ومطالبة بحقوق وواجبات المواطن بالعدل والمساواه يعتبر عمل ارهابي .
      الارهاب فتن بين الطائفتين السنيه والشيعيه .
      الاعمال الارهابيه هي منع العلاج وقمع المسيرات السلميه والاعتقالات وتعذيب الرموز والحقوقين والنشطاء والشباب في قاع السجون ومداهمات المنازل وشتم النساء وضرب الاطفال بكل وحشيه .

    • زائر 2 | 2:34 ص

      الأرهاب كلمة فضفاضة يستخدمها الارهابي وغير الارهابي

      الأرهاب اكثر من يستخدمها الحكومات الارهابية لتبرر ارهابها وقمعها لشعوبها
      في الأصل من يملك السلاح ومن هو قائم عليه؟
      في الاعم الاغلب هي الحكومات وبسبب ممارستها الظلم والارهاب الحكومي
      تتسبب في تفريخ جماعات ارهابية
      اذا فالحكومات هي الارهاب الاول وهي السبب في الارهاب الثاني بسبب ديكتاتوريتها وقمعها والذي في النهاية لا بد ان يفرّخ ارهاب لبعض الجماعات

    • زائر 1 | 11:20 م

      عرف الارهاب أولا

      هذا خطر منطقي نرى أثره كل يوم ! كيف نضرب مراكز الارهاب ؟ وأين مراكزه ؟ موضوع مهم .. الأهم تعريف الارهاب حتى لا يكون غائما فضفاضا .. الارهاب في نظري هو القتل على الفكر والرأي والظن والشبهة وبلا قانون معترف به. هناك ارهاب الساسة المتسلطين بالقوة كالقذافي وصدام وحسني مبارك وهناك ارهاب الجماعات السلفية التكفيرية أو غير ها

اقرأ ايضاً