العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ

فيلم «البؤساء» دواء هوليوود للربيع العربي

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

مع انطلاق العام الجديد 2013 أطلقت هوليوود نسخة جديدة لفيلم «البؤساء» المأخوذة عن رواية كتبها الروائي الفرنسي الراحل فيكتور هوجو في القرن التاسع عشر. وهي تتزامن مع انطلاق الذكرى الثانية لثورات واحتجاجات الربيع العربي، في المنطقة العربية التي مازالت تشهد شدّاً وجذباً في مشهدها السياسي والاجتماعي على غرار «البؤساء» Les Misérables التي وصفت وانتقدت الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون بونابرت في العام 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في العام 1832.

إن العودة إلى مراحل التاريخ المختلفة التي بالعادة يعاصرها الأدباء والكتاب والمثقفون والصحافيون، تعدّ من أجمل الإبداعات الإنسانية التي تخرج من هذه الفئة في كل مجتمع من مجتمعات العالم الإنسانية. ولعل ما سطرته أنامل فيكتور هوجو في روايته المشهورة «البؤساء» التي كتبها في القرن التاسع العشر، هي واحدة من هذه الروائع التي تتكلم بلغة الإنسان والحرية والأرض والخبز، أي بمعنى آخر قيمة تحرر الإنسان من العبودية القاهرة من خلال نضال يحفظ الكرامة ويسد رمق الجوع بالخبز.

لقد كتب هوجو في مقدمة «البؤساء» قائلاً: «تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفاً اجتماعياً هو نوع من جحيم بشري. فطالما توجد لامبالاة وفقر على الأرض، كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائماً».

هوجو الذي قرأت معظم رواياته بشغف في مرحلة المراهقة مثل «أحدب نوتردام» و «آخر يوم في حياة رجل محكوم عليه بالإعدام»، رأى في نفسه وفي رواياته صاحب رسالة إنسانية، فقد كان قائداً بالكلمة والفكرة وليس قائداً بالسيف والمدفع. وقد مثل الرومانسية الفرنسية بعيونه المفتوحة على المتغيرات الاجتماعية التي طرأت داخل فرنسا مثل نشوء البروليتاريا الجديدة في المدن وظهور الطبقة الوسطى والثورة الصناعية والحاجة إلى إصلاحات اجتماعية، فدفعته هذه المتغيرات إلى التحول من نائب محافظ بالبرلمان الفرنسي مؤيد للملكية، إلى مفكر اشتراكي ونموذج للسياسي الاشتراكي، بل أصبح رمزاً للتمرد على الأوضاع القائمة في فرنسا. وبلاشك فإن هوجو هو واحد من الروائيين الفرنسيين الذين أثرت أعمالهم أفكار الناس في مراحل مهمة من تاريخ فرنسا وأوروبا، ومن ثم ترجمت أعماله لتنتشر بلغات أخرى لقيمتها الفكرية للمجتمعات الإنسانية المختلفة.

ومنذ الخميس الماضي (3 يناير 2013) بدأت دور العرض في مختلف العواصم العربية والأميركية بعرض الفيلم الأميركي الجديد «البؤساء»، فقد قدمتها هوليوود هذه المرة بنسخة جديدة غنائية للسينما رغم أنها قدمت مراراً في السينما العالمية والمصرية. ويعتمد الفيلم الجديد الذي أنتجته شركة يونيفرسال العالمية بشكل أساسي على مسرحية موسيقية صيغت عن الرواية الأصلية، وعرضت للمرة الأولى في العام 1980 وحضرها عشرات الآلاف قبل أن تعرض المسرحية في أنحاء العالم بنسخ مترجمة إلى لغات عدة. وتدور أحداث الفيلم الذي صورت مشاهده في تشاتام التاريخية بمدينة كينت بإنجلترا، حول شخصية «جان فالجان» الذي يزجّ به في السجن ظلماً بعد أن سرق خبزاً لابن أخته ليسد جوعه، ولكن لثورته على النظام المتبع ومحاولته الهرب مرات عدة تبلغ مدة سجنه 19 عاماً، وبعدها يهرب من المراقبة بعد الإفراج عنه ليظل طوال حياته يتهرب من الشرطي «جافير» الذي يسعى لإعادته خلف القضبان مرة أخرى، وسط أحداث اقتصادية وسياسية واجتماعية في الفترة التي تدور خلالها الأحداث في أعقاب الثورة الفرنسية بالقرن التاسع عشر.

إن شخصيات «البؤساء» والظروف التي مرت وأحاطت بكل شخصية تتكلم عن لغة واحدة هي غياب حرية الإنسان ومدى بؤس ذلك على كل شخصية من طفلة تحاط بالجهل، وامرأة تجرد من كل شيء بسبب الجوع والحاجة، وغطرسة رجل لا يعرف الرحمة في قلبه، ومتمرد على نظام لا يعترف بوجوده، لكنه يعطى الفرصة لأن يكون شخصاً منتجاً وفاعلاً في مجتمعه غير أنه يبقى مطارداً، وشابّاً متعلماً لكن ثائر على أوضاع تسحقه اجتماعياً وسياسياً. إلا أن الحرية ترجع مع روح ودماء الشهداء فترفرف الأعلام على ساحات الحرية في وسط باريس وينشد الجميع نشيد الحرية... هكذا انتهى الفيلم وهكذا رأى هوجو في روايته الناقلة لرسالة إنسانية واضحة المعاني، بأن الإنسان لا يمكن أن تجرده من الحرية.

إن ما جاء في «البؤساء» كفيل للقول بأن مراحل التاريخ دائمة التكرار، وهو تماماً ما فجر ثورات الربيع العربي، والسبب غياب الحرية واستمرار الهلاك باسم القانون. ولعل ما طرحته هوليوود في مطلع هذا العام قد يكون الدواء لما تشهده المنطقة العربية من متغيرات تطالب بحرية غائبة. وهنا نستشهد بما قاله هوجو عن الحرية «إذا حدث وأعقت مجرى الدم في شريان فستكون النتيجة أن يصاب الإنسان بالمرض. وإذا أعقت مجرى الماء في نهر فالنتيجة هي الفيضان، وإذا أعقت الطريق أمام المستقبل فالنتيجة هي الثورة». لهذا فإن «البؤساء» حملت عمق الرؤية وحقيقة داخلية جعلت من هذه الرواية عملاً لا يحدده وقت بل وأحد الأعمال العظيمة في الأدب الغربي حتى اليوم التي تؤكد أن بؤس الإنسان هي سلب حريته.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:41 ص

      الثورات موجوده بوجود الظلم

      فيلم البؤساء مؤثر جدا والثورات تاتي طالما هناك سحق لكرامةالانسان

    • زائر 4 | 8:25 ص

      قلم حر

      هيهيهيهي والله ضحكتوني زائر1 و2 ... كل واحد يبني له عالم من وحي خياله ويعيش فيه خلوا الواقع والحقائق تولي.... على قولة الاجانب LOOOOL

    • زائر 3 | 7:44 ص

      أمثلة حية

      شخصية جان فالجان لها أمثلة كثيرة في البحرين تناضل من أجل البقاء وتحارب من أجل العيش الكريم...وكما هُمِّش فقد هُمشوا..ولكن سينتصرون في النهاية ...

    • زائر 1 | 5:49 ص

      الربيع

      قد نتفق او نختلف في موضوع الربيع العربي ، ولكن المهم ان نتفق ان ما جرى في البحرين هو تحرك ائفي لشريحة صغيرة من احد الطوائف

    • زائر 2 زائر 1 | 7:03 ص

      اتفق معك

      صح كلامك

اقرأ ايضاً