العدد 3781 - السبت 12 يناير 2013م الموافق 29 صفر 1434هـ

استفزازات «أبوغزالة»!

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

ما ينقدح في الذهن ابتداءً عند سماع كلمة «استفزاز» هو «الاستثارة أو الإزعاج»، إلا أن ثمة معنىً آخر كان يرمي إليه طلال أبوغزالة في تكراره لهذه المفردة وهو «الاستفزاز المعرفي»، وذلك في محاضرته يوم الاثنين الماضي 8 يناير/ كانون الثاني 2013، بمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث عن «التعليم حق من حقوق الإنسان».

لقد حذَّر أبوغزالة في بداية حديثه من اجتياح موجة تسونامي كبيرة ستضرب المؤسسات التعليمية التقليدية التي ستجد نفسها معزولةً عن الفضاء الخارجي، لتكون النتيجة عدم اعتراف الحكومات خلال العشر سنوات القادمة بشيء اسمه «التعليم الصفي» المنتظم!

إحدى المتداخلات اعتبرت كلمة «تسونامي» سلبيةً للغاية، ليؤكد لها أبوغزالة أن هذه الموجة العميقة ستهزُّ أركان المؤسسات التعليمية غير القابلة للتغيير والإصلاح وليس التعليم. وحاول أبوغزالة تجاوز المفهوم السائد لـ «التعليم للجميع» برؤية حقوقية وواقعية في تأكيده على أنه يتعلق بنوعية التعليم المعترف به كحق أصيل من حقوق الإنسان والذي يجب أن يكون متاحاً للجميع دون استثناء، وهو ما يؤهله للحديث عن «دمقرطة التعليم» كونه مهتماً بحقوق الملكية الفكرية وتعزيز هذه الثقافة في المجتمعات العربية، بعد حصوله للعام الخامس على التوالي على جائزة أحسن شركة ملكية فكرية في الشرق الأوسط للعام 2011.

لم يتفق بعض الحاضرين من أساتذة الجامعات مع ما ذكره المحاضر عن إمكانية القفز على المراحل التعليمية أو تجاوزها فيما لو توافرت شروط الالتحاق بالتعليم العالي كنموذج الطالبة الفلسطينية التي تدرس الطب في دولة قطر والتي لا يتجاوز عمرها 11 عاماً. كما لم يُخفِ البعض قلقه العميق من تأثير التقنيات الحديثة على مسار العلاقات الاجتماعية والقيم والروابط الإنسانية، إلا أن المطلوب ـ كما ذكر أبوغزالة ـ إدراك مرحلة التحوّل الجديدة في حياة أبنائنا وبناتنا، وطرح مثالاً بأحفاده التسعة وكيف هم يتواصلون إلكترونياً، فغاية ما في الأمر ـ بنظره ـ أننا بحاجة إلى فهم متطلبات جيل اليوم بذهنية عصرية وبلغة يفهمونها، وبأنهم باتوا أكثر اجتماعيةً من ذي قبل؛ لأنهم أصبحوا قادرين على التواصل الإلكتروني مع ملايين البشر حول العالم.

يرى أبوغزالة ضرورة التعاطي الإيجابي مع أحدث التقنيات التي ساهمت إلى حد كبير في إلغاء الحواجز والمسافات بين الشعوب والأوطان، وعدم الاكتفاء باستهلاك المعرفة وإنما بتوظيفها بما يعود على خير المجتمعات البشرية.

وكمثال على ذلك أشار أبوغزالة إلى البريد الإلكتروني، وكيف تبدّدت هواجس الناس ومخاوفهم بالنسبة لأوضاع ومستقبل العاملين في القطاع البريدي بعد هذا الاختراع المهم، فالمعرفة هي السبيل الوحيد لصنع الثروة، مستشهداً ببيل غيتس وستيف جوبز ومؤسس شركة غوغل وغيرهم ممن يبيعون معلومات لا منتوجات، متوقّعاً ظهور 100 من الأغنياء الذين أسماهم «المعرفيين» خلال العشر سنوات القادمة.

بوصفه رئيساً للمنظمة العربية لضمان الجودة في التعليم، يعلن أبوغزالة أننا على وشك الانتقال من التعليم التقليدي إلى التعلم الرقمي، ورغم وجود الاشتراطات والقيود التي تفرضها الكثير من الدول العربية على التعليم عن بُعد، إلا أنه سيغزو العالم قريباً شئنا ذلك أم أبينا، واستشهد بأنه في العام 2020 ستكون نسبة 80 في المئة من الجامعات الأميركية من غير صفوف دراسية، وسينحسر دور التعليم الورقي، وبالتالي يكون التعليم عن بُعدٍ أساساً للتواصل بين الطلبة والأساتذة الذين سيقتصر دورهم على المسائل الإدارية والفكرية والإرشادية والتوجيهية وما شابه ذلك، وأن دمقرطة التعليم وتعزيز قيم المواطنة العالمية وتمكين المواطنين الذين تم حرمانهم نتيجة للثورة التكنولوجية لا يستدعي من أبنائنا الطلبة ترك منازلهم والاضطرار إلى السفر أو الحصول على تأشيرة للدراسة بالخارج، إذا ما وضعنا برامج تعليمية معتمدة في متناول الجميع في كل مكان من العالم، وخصوصاً مع إعلان الأمم المتحدة في العام 2011 أن الوصول إلى الإنترنت هو حق أساسي من حقوق الإنسان.

على مستوى الدول، أشار أبوغزالة إلى العائد الاقتصادي من الاستثمار في التعليم، فقد عقد مقارنةً بين دولتين هما الأردن وفنلندا، وأنه تحدث بكل وضوح في هذه النقطة بالتلفزيون الأردني، فالدولتان تتشابهان في فقر الموارد وعدد السكان (7 ملايين لكل منهما)، إلا أن فنلندا استطاعت أن تصل بناتجها القومي إلى 266 مليار دولار بينما الأردن لا يكاد يتجاوز 30 مليار دولار فقط سنوياً.

ما لم يتعمَّق فيه أبوغزالة في محاضرته القيّمة، مبدأ المشاركة السياسية كأساس لدمقرطة التعليم وإعادة رسم السياسات التعليمية، وانتشالها من جميع أشكال الفساد، وما ينبغي أن تضطلع به الدولة والمثقفون والنخب السياسية وصنّاع القرار والقيادات التعليمية وغيرهم لمواجهة التحديات المتسارعة في الحقل التعليمي والتأهُّب للصعود على موجة التسوماني بكل وعي ومسئولية.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3781 - السبت 12 يناير 2013م الموافق 29 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:58 ص

      طالب علم ثانوي

      أحسنت بارك الله فيك أستاذي نتمنى من الوزارة الأفعال لا الأقوال في مستقبل رقمي يريح الطاقم الدراسي في جميع المستويات الدراسية و ان تستمع لنصائح اهل العلم و الثقافة و لله المشتكى

    • زائر 1 | 12:31 ص

      وزارة التربية والتعليم بالبحرين

      وزراة التربية والتعليم في البحرين لو يعجز ابوغزاله ماراح يغير شي فيها
      نقدر نقول عنها الوزارة العتيدة العنيدة

اقرأ ايضاً