العدد 3787 - الجمعة 18 يناير 2013م الموافق 06 ربيع الاول 1434هـ

هل تفوز «التسوية» أم «الأزمة» في انتخابات إيران الرئاسية؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يألف الإيرانيون سياسة «حرق المترشِّحين» عند كل انتخابات. لذلك؛ فهم يحجِّمون الإعلان عن شخوصهم في وقت أبكر من اللازم قبل أوان الانتخابات.

هذه المرة؛ لا يبدو الأمر محصوراً في تلك السياسة. فهم يتلمَّظون طعماً آخر من المشكلات المرتقبة، التي تتجاوز لفظة الإصلاحيين والمحافظين. إنه غياب التوافق على السياسات الإيرانية والبرامج وتالياً الأفراد المسيِّرين لها، وهو ما أشرنا إليه في المقال السابق، عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي قد تشهد توتراً.

هذه المشكلة، بدأت منذ وقت بعيد، لكنها لم تكن بهذا الفرز الحالي. ففي منتصف العام 1986، وقع الانشقاق الكبير داخل المسطرة الحزبية الدينية في إيران، الأمر الذي أظهر إلى الساحة سماطيْن. تيار يميني محافظ، وآخر يسار ديني راديكالي. وعلى رغم أن الخلاف كان عميقاً؛ فإنه ظل مكتوماً بفعل وجود الإمام الخميني حينها، الذي كان يعطي الطرفين المقدار ذاته من الشرعية.

بعد رحيل الخميني، تهارَشَ النِّدان، فانتصر مَنْ كان مغلوباً في السابق (اليمين) على مَنْ كان متسيِّداً (اليسار الديني). ساهم في إحداث تلك الغلبة، ما تمالأ عليه الأفراد الفاعلون في السلطة، ضد اليسار الديني.

وهو ما يؤكد ما كنا نقوله من قبل، من أن مراكز القوى في إيران، تعتمد على الأفراد وليس على المؤسسات، في حسم الأمور، وإنهاء الظواهر، وهذه هي الحقيقة.

منذ العام 1989 وحتى العام 2005، كان الحلف الديني/ العسكري/ البازاري لايزال متماسكاً، بفعل التراضي القائم بين شخوصه. بعد ذلك العام، بدأ العقد ينفرط بترشُّح هاشمي رفسنجاني ضد أحمدي نجاد. ثم توسَّع ذلك التباعد، في العام 2009، عندما دخل المرشحون الأربعة (نجاد، مير موسوي، كروبي ورضائي) إلى حلبة التنافس، إلى أن تكلَّل بالاتهامات الخطيرة المتبادلة بينهم على الهواء مباشرة، على التلفزيون الرسمي.

وبفعل السياسات الداخلية المتوترة وغير الحصيفة التي اتبعتها حكومة أحمدي نجاد؛ لم يكن أمام الخصومة السابقة، سوى الاتساع إلى درجة خطيرة، هدَّدت أصول وقواعد ذلك الحلف. فهذا الحلف هو النظام، والعكس هو الصحيح أيضاً، فأفراده لا يشكلونه عبر ذواتهم فقط، وإنما بفعل خيوط من اللوبيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية المتداخلة.

اليوم، النظام في إيران لا يخشى المظاهرات في الشارع، وإنما يخشى مستثمريها من خصوم الحلف داخل الدولة الإيرانية. خلال العام 2009، كان تعداد المظاهرات، لا يزيد على مئتي ألف. وقد استطاع النظام أن يحشد أمامهم عشرة ملايين متظاهر مؤيد له، من البسيج والحرس وخازان زينب وألوية كربلاء وبقية قوى الضغط الخفية، الأمر الذي ذوَّبَ التظاهرات المناوئة، وجعلها مجرَّد جموح أقلوي لا أكثر.

النظام في إيران متمرِّس في إغراق الساحات بالحشود المؤيدة له، لالتهام المناوئين. لكن مشكلته اليوم لا تكمن في ذلك، وإنما في كيفية التسوية مع من يمنَح المظاهرات المناوئة شرعية التواجد، والمطالب. وقد بلغ البُعاد بين الطرفين، إلى أن يقبل الإصلاحيون بمعادلة «الاستعانة بالمناوئين كيفما اتفق» حتى ولو كانوا من الجماعات القومية والليبرالية، التي كانت تنشط قبل الثورة، وهو ما جعل الصراع، يخرج عن كونه صراعاً بين أفهام قريبة من بعضها، إلى صراع مفتوح، يمكن أن يشارك فيه من يختلفون على تفسيرات الحكم وشكله ونمطه السياسي، وهو ما ساعد على جعل المعارضة تتضخم، ويلتحق إليها مَنْ غاب عن المشهد السياسي طيلة ثلاثين عاماً. بل إن الأنباء كانت تشير، إلى أن أنصاراً لمجاهدي خلق في داخل إيران، شاركوا فيها لأول مرة بشكل علني.

المشكلة الثانية، التي تخشاها إيران خلال فترة الانتخابات، أو خلال المرحلة المقبلة، هي إعادة العمل بالتعريفات الأقوامية داخل إيران. بحيث يلتفت الأكراد إلى كونهم أكراداً، وكذلك الحال بالنسبة إلى الآذريين واللور والعرب والبلوش والترك والفرس. وعندما تتعرَّف الأقوام على ذاتها، يكون مفعولها بالتأثير ذاته الذي تلعبه الطوائف. فهي تسعى إلى الارتباط بمورثها في السلطة إن وُجِد، ثم رغبتها في الكَيْنَنَة والاستقلال.

قبل تسعة أعوام من الآن، أشرتُ إلى هذا الأمر. وقلتُ، إن الغرب، بات متنبهاً إلى هذه الورقة. وكان حينها يدرس الورقة الآذرية، كون الشعب الآذري، يشكل نسبة لافتة من الشعب الإيراني، تجعله خارج نطاق الأقليَّة.

وقد تحدث عن ذلك الناشط في مجال الحقوق الآذرية محمودي شهريجاني، أمام حشد في جامعة جون هوبكنز الأميركية (بينهم صانعو قرار أميركي) قبل عدة سنوات.

هذا الأمر بالغ الأهمية والخطورة في الأوان ذاته. وهو لا ينسحب فقط على الشأن السياسي، بل يمتد إلى الشئون الثقافية والدينية. فالجميع يعلم، كيف فعل الكاريكاتير الساخر من القومية الآذرية، فِعْلَته بمناطق آذربيجان وأردبيل وزنجان، والمظاهرات التي جابت تلك المناطق وحجم الدمار الذي خلفته، في المنشآت الخدمية العامة والخاصة، وحرق محطات البنزين.

بالتأكيد؛ نظام الحكم في إيران يضم في صفوفه الكثير من شخوص تلك الأقوام (رضائي، ناطق نوري، جنتي، الكعبي، زنكنة وغيرهم كُثُر) إلاَّ أن الموضوع، وعندما يبدأ في الاشتعال شعبيّاً، قد لا يشفع إليه انتماء أولئك إلى السلطة القائمة. وقد يُنظَر إليه على أنه نوع من الاستحلاب لا أكثر.

لقد قام النظام في إيران بانتهاج مراوح التنفيس داخل تلك المجتمعات، بالتحديد على المستوى الثقافي. فمنحها حق إنشاء شبكات إذاعية وتلفزيونية، ونشر الكتب والإصدارات، وبالتحديد في المناطق الكردية والآذرية. لكنه أخفق في تسوية أوضاع مناطق أخرى كخوزستان التي يقطنها العرب، وبالتحديد إخفاقه في تسوية مسائل الخدمات المتردية والهوية الضائعة.

في كل الأحوال؛ فإن المشكلة تبقى جديَّة، أمام حجم الخلافات الداخلية، والأوضاع على الأرض، فضلاً عن العلاقات الخارجية المتوترة بين إيران ودول غربية كثيرة. وهو ما يجعل الباب مفتوحاً أمام حدوث مثل تلك الأزمات.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3787 - الجمعة 18 يناير 2013م الموافق 06 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 3:19 م

      الاخ الزائر رقم ظ،ظ¤..لماذا هذا الاصرار ؟

      هناك الكثير من القراء المتابعين لمقالات الاستاذ محمد لبراعته في التعليل والتحليل السيا سي الراقي وخاصة في القضايا الخليجية والعربية وحتي الاستراتيجية الدولية ولا أعرف لماذا اصرارك علي ان يكتب في الشؤن المحلية وهناك العشرات غيره من كتاب الاعمدة في الوسط وغير الوسط من يكتب يوميا وطوال الاسبوع في الشأن المحلي الصرف ...الا يكفيك هذا؟ يحسب للوسط ان تستكتب كاتب عمود كالاستاذ محمد ويستحسن ان يظل علي هذا المنوال في معالجة المواضيع اللا محلية

    • زائر 14 | 12:52 م

      ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      يبه واللي يرحم والديك إهتم إبشئون ديرتك أحسن لك، والصراحة غثيتنه بإيران الله يهداك؟ إحنه ما لنه شغل لا ابها و لا بغيرها، ديرتنه أولى باهتماماتنه

    • زائر 11 | 7:00 ص

      التخصص مطلوب

      فقط الاهتمام بانتخابات ايران الرئاسية يدلل ع تعلظم قوتها في المنطقة. وهو امر غير خفي على أحد .. واعتقد ان النظام بقدر من الذكاء بانه لن يجعل العقد ينفرط خاصة بعد التحولات الخطيرة التي تشهدها المنطقة.
      ثم ارد على من يعيب على الاستاذ التطرق للشأن الايراني ، بان التخصص مطلوب وينم عن مقدرة اطلاع كبيرة .. وقلة من كتاب الصحافة البحرينية متخصصون.
      بارك الله فيك استاذ محمد

    • زائر 13 زائر 11 | 11:37 ص

      مقاول بلادي

      انا معك في الرأي ونشد علي الاستاذ الكريم في مسأله الطرح الخارجي لا لا يوجد لدينا متخصصين في الشأن الدولي او مثقفين لهم باع في الشأن السياسي لدرجه الدخول في تحليل الحروب اللبنانيه او الاسرائيليه او حتي الغربيه آخر وليس بآخر نشكر الاستاذ الفاضل علي الطرح القيم ونشهد له في كيفيه ادارته في الشأ الدولي

    • زائر 8 | 4:59 ص

      لقد أخطأالكاتب في تناول الدولة المقدسة

      الكاتب وأي كاتب عليه ان يعي خطورة الدخول في الدائرة المحرمة وكاتبنا المسكين يبدو عليه لا يعي كمية السهام التي ستنهال عليه من جراء تناوله الدولة المقدسة التي لا يجانبها الخطأ ولا الدكتاتورية ’ هي أم الديمقراطية المنشودة لمتسمري قناة العالم ، دولة هي فخر الديمقراطية والتي على مدبحها استشهد الكاتب الشيخ خريج النجف الأشرف علي دشتي عام 1997 فترة حكم الخميني وتبعه الآلاف المختلفين مع الحكام الجدد وآخرهم وليس بآخر المرجع الديني منتظري التي كانت جريرته أعتراضه على قتل الأبرياء المخالفين والمختلفين معهم

    • زائر 6 | 3:38 ص

      مبالغة

      هذه المقالة شبيهة بالبروبغندا الغربية في المنطقة.. صنع الشيئ من لاشيئ "تسوي من الحبة قبة"، النزاع السياسي في إيران موجود بالتأكيد وعلى أشده لكن ليس بالكيفية الهوليودية الموجودة في المقالة. نسأل الله أن يحفظ كل بلاد الأرض من النزاعات الإثنية والطائفية والعرقية والقومية.. ويحصر النزاع في السياسية فقط.

    • زائر 7 زائر 6 | 4:13 ص

      من يتوقع يصير في تونس وسوريا ومصر

      من كان يتوقع ان يطيح بن علي ومبارك إلي كان يقول عن المعارضين ليه: خلوهم يتسلوا!! أما الوضع في سوريا فلم يكن يعتقد أحد أن الحبة يمكن أن تصير قبة! توقع أي شيء في هذا العالم المخيف

    • زائر 3 | 2:14 ص

      صلوا على النبي

      في كل مرة يقول الغرب بأن النظام الإيراني سيسقط لنتفاجئ أنه أصبح فوقنا .. صلوا على النبي يا جماعة الخير

    • زائر 1 | 9:48 م

      قلنا لك يا أستاذ .. وش لك بالبحر واهواله

      عندك مواضيع وبلاوي مكدسة .. ومرمية على الساحل .. وتروح في الغبة ليش؟
      عاد فيه سؤال يسدح نفسه .. انت تطرى تسبح في الغبة .. والله تحاول؟

اقرأ ايضاً