العدد 3791 - الثلثاء 22 يناير 2013م الموافق 10 ربيع الاول 1434هـ

المارشال الأميركي والمارشال العربي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

ما أن أقرت دول مجلس التعاون الأربع (السعودية والكويت والإمارات وقطر) تقديم مساعدات طويلة الأجل لكل من البحرين وعمان قدرها 10 مليارات دولار على مدى عشر سنوات لكل منهما، حتى أطلق البعض عليه بالمارشال الخليجي، تيمناً بمشروع مارشال الأميركي الذي أطلقته الولايات المتحدة لإنهاض أوروبا من نكستها وخرابها الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية المدمرة، ولبناء ولتعزيز الديمقراطية في أوروبا الغربية المهددة بالفوضى التي ستؤدي إلى استيلاء الشيوعيين على الحكم.

وشتان ما بين المارشال الأميركي والمارشال الخليجي، ليس في حجمه فقط بل في فلسفته ومقاصده ووسائله. فوراء المارشال الأميركي بدعم أوروبا وإنهاضها رؤية استراتيجية بانعاش اقتصادي في ظل خراب هائل، يكون قاعدة صلبة لنظام حكم ديمقراطي في بلدان أوروبا الغربية بما فيها تلك التي تسلطت عليها أنظمة استبدادية، ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وفرنسا فيشي.

وتضمن ذلك مشاريع إنشاء وتطوير (علاقة) للبنية التحتية وإعادة بناء المصانع وتحديثها، وضخ الأموال في البنوك وخلق فرص العمل، بالتوازي مع إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية، تستند إلى التعددية والحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.

الولايات المتحدة وهي المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ورغم وجود ومرابطة قوات لها في أوروبا، وإقامة حلف الأطلسي الذي جمع دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا، لم يجعل الولايات المتحدة تخضع شعوب أو دول أوروبا، بل ساعدت هذه الدول والشعوب على النهوض. ولذا كانت النتيجة مبهرة، وأسهم المارشال الأميركي في نهوض أوروبا الغربية السريع والسير الحثيث لبناء أوروبا الموحدة التي انتهت إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن خاضت حروباً مدمرة خارجية وداخلية. كما أنه أسهم في بناء علاقات أوروبية أميركية راسخة رغم تقلبات الأحزاب الحاكمة في كل من أوروبا بشكل رئيسي وتعاقب الديمقراطيين والجمهوريين على حكم أوروبا.

وماذا بالنسبة للمارشال الخليجي؟ بالطبع فإن كلاً من عمان والبحرين تستحقان الدعم والمساندة الاقتصادية والمالية لأنهما أقل غنى من شقيقاتهما الأربع في كل الأحوال، ولكن ما هي دوافع المساعدات الخليجية وما هو فهم المانحين والممنوحين لهذه المساعدات؟

من الواضح أن الدعم المقدم هو فهم خاطئ للتحليل القائل إن الأسباب الرئيسية لقيام الحركة الجماهيرية في كل من عمان والبحرين هو بسبب الحرمان الناتج أساساً عن ضيق إمكانيات البلدين، ولذا سارعت الأنظمة الخليجية إلى تقديم الهبات والمكرمات لمواطنيها، ثم مع ذلك تبنت دعم كلٍ من عمان والبحرين الأكثر نشاطاً في الحركة الاحتجاجية.

إن هذا المفهوم هروب متعمد من مواجهة الحقيقة، وهي أن شعوبنا تفتقر إلى الكرامة والحرية أولاً قبل الاحتياج إلى الخبز، أو أن مطالب المواطنين، وخصوصاً في عمان والكويت، تمحور حول تلبية وجود وظائف للعاطلين ومساكن للمواطنين، ورفع مستوى المعيشة المتدني، وبالطبع هذه مطالب طبيعية لكنها ليست المحرك وراء حركة هذه الشعوب.

أما «الملم» البارز فهو أنه ينظر لهذه المساعدات بأنها البلسم الشافي لعجز البلدين عمان والبحرين عن تلبية احتياجات بلديهما الاقتصادية والمعيشية، فالبلدان لا يعانيان من نقص الموارد بل سوء إدارة هذه الموارد، وسوء الإنفاق الحكومي الذي يفتقد لرؤية تنموية، وارتفاع الإنفاق العسكري والأمني دون مبرر، واختراق الفساد أجهزة الدولة والذي يستنزف موارد كبيرة من الدولة والموازنة العامة والشركات العامة.

وكما هي العادة في خطط وقرارات مجلس التعاون الخليجي، كانت الشعوب ونخبها ومفكروها واقتصاديوها مستبعدة تماماً من المناقشة واتخاذ القرار والمشاركة في تنفيذه. وحتى الشكليات لم تراع في عرض المشروع واتفاقات المساعدة على المجالس التشريعية القائمة رغم أنها كانت ستبصم عليها بالعشرة، وستشهد مهرجانات مبايعة للزعماء وإشادة بمجلس التعاون.

لن ترجع الشعوب إلى مستنفع الخنوع مرة أخرى، وكما لم تفد «المكرمات» في إرجاع الناس لبيوتهم فلن يفلح المارشال الخليجي في كسر الحركة الجماهيرية المطالبة بالحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3791 - الثلثاء 22 يناير 2013م الموافق 10 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:49 م

      مقالاتك قيمة دكتور

      المشكلة ليست في كمية (الفلوس) المعطاة ولكن المشكلة في تركيبة (النفوس) و العقول التي تعطي وتأخذ الأموال

    • زائر 2 | 1:35 ص

      المارشال الخليجي سوف يذهب في جيوب البعض ولن تنتفع به الشعوب

      طالما ان النظم ليست ديمقراطية ولا يمكن المحاسبة الحقيقة والتصرف في كل شيء بيد افراد قلائل لا يمكن مساءلتهم فسوف تذهب هذه الاموال لكي يصبح البعض اكثر مليارديرية مما هم عليه وسوف لن تشمّ الشعوب الخليجية من هذه المبالغ شيئا وها نحن نرى كيف يتم التلاعب بالاموال منذا ان اقرّ المشروع
      بل البعض يراهن على بقاء الحلّ الامني لأنه يبيض له ذهبا من المارشال الخليجي

    • زائر 1 | 11:25 م

      شكرًا

      أتابع مقالاتك باستمرار، ففيها يجد القارئ القيمة المضافة المطلوبة من الكاتب وتوضيح ما يجب أن يفهمه عوام الناس، أما الآخرون مع احترامي لهم جميعا فما يكتبونه لا يتعدى مستواه مستوى حديث مجالس وبعضه أدنى من ذلك؛ يذكرني ببسطات المصبنه عند البرادات والخبابيز

اقرأ ايضاً